بيروت-“القدس العربي”: حضر الملف اللبناني في كل من الفاتيكان والقاهرة من خلال لقاء رئيس الجمهورية ميشال عون البابا فرنسيس في الكرسي الرسولي، ومن خلال لقاء البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط. لكن المفارقة أنه فيما كان الرئيس عون في حال إنكار لوضع المسيحيين المتراجع في لبنان ومتجاهلاً لسلاح حزب الله في لقائه مع البابا، كان البطريرك الراعي يطرح في لقائه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشكلة سلاح الحزب ويتطرّق في لقائه مع أبو الغيط إلى أهمية فك عزلة لبنان عن محيطيه العربي والدولي.
وبحسب دوائر بعبدا، أكد البابا فرنسيس خلال استقباله عون أن “للبنان مكانة خاصة في صلاته وهو في صلب اهتماماته، على الرغم من الوضع الدولي المتأزم على أكثر من صعيد”، مشدداً على أنه “لا يغيب عن اهتمامات الكرسي الرسولي”. وأشار البابا إلى أنه “مطلع بأسى على ما آلت اليه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة في لبنان”، مشدداً على أنه “بجميع ابنائه المسيحيين والمسلمين، لا يجب أن يتخلى عن قيم الأصالة القائمة على الاحترام. ويعتبر أنه من الواجب الحفاظ على الحضور المسيحي في الشرق، كما من الواجب الحفاظ على العيش معاً في لبنان، وهي صيغة جعلت منه رسالة”، معبّراً عن رغبته في زيارة لبنان.
أما الرئيس عون فنوّه “بالاهتمام الذي يوليه البابا في متابعته والكرسي الرسولي لكل ما يساعد على تعزيز الاستقرار في لبنان، وتمكينه من استعادة لعب دوره في محيطه والعالم، فهو اعتبر أن لبنان يعاني كثيراً، وهو بأمس الحاجة إلى استمراره في دعمه”، لافتاً إلى أنه “يجتاز مرحلة صعبة لكنه سينتصر عليها حتماً بإرادة ابنائه مجتمعين”. وقال للبابا فرنسيس :”لا نريد للبنان، الذي يقع في أتون من الصراعات والحروب، أن يدفع اثماناً لما يحصل في المنطقة، وهو بفضل عنايتكم واصرار ابنائه على النهوض ليس متروكاً لقدره”.
وجرى في الاجتماع لتفاقم الأزمات التي بلغت ذروتها وتداعيات النزوح السوري في الوقت الذي تقوم الدول الغربية بتأمين مساعدات لهم ولا تقدم مثل هذه المساعدات إلى اللبنانيين، ما ساهم في تراكم الأعباء على لبنان حسب دوائر بعبدا.
وكان الرئيس اللبناني رأى لدى وصوله إلى روما “أن المسيحية في لبنان ليست في خطر، على ما يصر البعض على تصويره، مضيفاً “إني أتطلع إلى هذه الزيارة كبارقة أمل لنؤكد من خلالها أن لبنان ليس بزائل، وهو سيبقى على الرغم من كافة الصعاب، وهي جسام، نموذجاً للعيش معاً”.
تزامناً، كان البطريرك الراعي يضع النقاط على الحروف في القاهرة، متطرّقاً بوضوح إلى سلاح حزب الله ومؤكداً بصفته رأس الكنيسة المارونية تمسكه بخيار العيش المشترك ونهائية لبنان وعروبته. وهو تناول مع شيخ الأزهر العلاقات الأخوية والتعايش المسيحي الإسلامي ودور الكنيسة المارونية والكاثوليكية والأزهر في تكريس سبل المحبة والسلام والعيش المشترك.
ثم زار الراعي أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ونقل عنه حبه الكبير للبنان، موضحاً أنه “يعيش القضايا التي يشهدها لبنان بمشاعره، ويؤكد قدرة لبنان على تجاوز التحديات بفضل تاريخه وإمكاناته”. وأكد الراعي “أن لبنان يبقى عضواً فاعلاً في جامعة الدول العربية ولا بد أن يلجأ للأصدقاء في ظل الصعوبات التي يمر بها”، وشدّد على “ضرورة حياد لبنان حتى يمكنه القيام بدور واستعادة مكانته”، مؤكداً “أن انعزال لبنان عن محيطيه الدولي والإقليمي لا يرضي أحداً”.
وخلال ترؤسه قداساً في كنيسة مار مارون، تحدث البطريرك عن لقاءاته المصرية، فقال “شكرت رئيس الجمهورية المصرية عبد الفتاح السيسي باسم اللبنانيين على المساعدات المتنوعة والسخية التي أرسلها إلى شعبنا ومؤسساتنا، بعد تفجير مرفأ بيروت، وعلى الإفساح في المجال امام اللبنانيين للعمل وإنشاء شركات في مصر العزيزة، وعلى فتح الأسواق المصرية للتفاح اللبناني، وعلى وساطته الدائمة لصالح لبنان، وبخاصة لعودة العلاقات الطبيعية مع المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج، ولمسنا لديه اهتماماً خاصاً بالقضية اللبنانية وبضرورة إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في مواعيدها الدستورية”، آملاً أن “تكون فرصة للتغيير. وتحدثنا عن إمكانيات الحلول للأزمة السياسية في لبنان التي هي في أساس الأزمات الاقتصادية والأمنية والمصرفية والمالية والاجتماعية. وأود أن أتوجه معكم بالتحية إلى فخامته شاكرين له محبته للبنان وشعبه”.
بالموازاة، جدّد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “التزام الحكومة ببنود المبادرة الكويتية وإعادة العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي إلى طبيعتها”، معلناً “أن الاتصال الذي جرى بينه وبين وزير خارجية دولة الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح يصب في هذا الإطار”، ولفت إلى”سلسلة مناشدات وصلته من مختلف القيادات السياسية والروحية والاقتصادية في هذا الإطار”.
وأكد ميقاتي “إلتزام الحكومة اللبنانية باتخاذ الإجراءات اللازمة والمطلوبة لتعزيز التَّعاون مع المملكة العربية السعودية ودول مجلس التَّعاون الخليجي، والتزام لبنان بكل قرارات جامعة الدول العربية والشرعية الدولية، والتزام العمل الجدي والفعلي لمتابعة واستكمال تنفيذ مندرجاتها بما يضمن السلم الأهلي والاستقرار الوطني للبنان وتحصين وحدته”، مشدداً على”ضرورة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس سيادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان”. كذلك جدّد” الالتزام باتخاذ الإجراءات كافة لمنع تهريب الممنُوعات وخصوصًا المخدرات إلى السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل مباشر أو غير مباشر والتشديد على كافة المنافذ، إضافة إلى التزام لبنان باتفاقية الرياض للتَّعاون القضائي وتسليم المطلوبين إلى المملكة ومنع استخدام القنوات المالية والمصرفية اللبنانية لإجراء أي تعاملات مالية قد يترتب عليها إضرارًا بأمن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي”.