بيروت-“القدس العربي”: تجاوز لبنان الانقلاب على نظامه الاقتصادي الحر بعد الخطوة المفاجئة التي اتخذها المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم بوضع إشارة “منع تصرّف” على أصول 20 مصرفاً لبنانياً في خطوة أجمع كثيرون على أنها استغلت التحركات الاحتجاجية في الشارع منذ ثورة 17 تشرين الأول/اكتوبر لتحقيق أهداف سياسية مبيّتة لا علاقة لها بمكافحة الفساد وهدر المال العام بقدر ما لها علاقة بتصفية حسابات مع القطاع المصرفي ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
غير أن خطوة القاضي ابراهيم غير المدروسة وغير المستندة إلى قرار قانوني معلّل والتي وصفت بـ “الشعبوية” ذهبت أبعد من حاكم البنك المركزي لتتحوّل إلى شبه “تأميم للمصارف” حسب تعبير رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. وجاءت قبيل الخطوات الموجعة التي تنتظر الشعب اللبناني لجهة التوجّه إلى زيادة 5 آلاف ليرة على سعر صفيحة البنزين ورفع الضريبة على القيمة المضافة من 11 إلى 15 في المئة على سبيل المثال لا الحصر في إطار خطة تواكب قرار الحكومة في شأن اليوربوندز.
والملفت أن خطوة المدعي العام المالي لقيت ترحيباً من حزب الله، عبّرت عنه قناة “المنار” التابعة للحزب التي وصفت الخطوة بـ “الاستثنائية” متبنّية قول ابراهيم “إن القرار سيحمي أموال المودعين أولاً، وسيحدث هزة كبيرة للمصارف، وليعلموا انهم ليسوا فوق الغربال”. وهاجمت القناة من سمّتهم “المتباكين” وسألت “أليسوا هم المساهمون بهزّ البلد يوم أقفلوا أبوابهم أمام المودعين الصغار، وفتحوها على مصراعيها لأولئك الكبار؟ أليسوا هم من رفضوا ولا يزالون أي حديث بالحلول المقترحة للأزمة غير سداد سندات اليوروبوندز، والرافضين لفكرة إعادة هيكلة الدين العام لحساباتهم المالية بعيداً عن المصلحة الوطنية؟ ألم يهزّوا البلد يوم كانوا مع آخرين استشاريين – بل حتى مقررين – غير أمينين؟”.
وفي وقت كان حزب الله يعوّل على استكمال الخطوات الحكومية برفض “الخيار الاسوأ باللجوء إلى صندوق النقد الدولي الذي يرهن القرار الوطني لشروط وإملاءات تهدف لمصادرة القرار الوطني السيادي” فقد جاء قرار المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات بتجميد قرار المدعي العام المالي ليغضب الفريق الداعم لابراهيم الذي رأى “أن القطاع المصرفي هو دولة فوق الدولة، وأن سياسة الطمع والجشع التي يمارسها محميّة بأركان السلطة” فيما فريق آخر يحمّل دويلة حزب الله مسؤولية ما آلت إليه أوضاع البلد الاقتصادية والمالية نتيجة جرّ لبنان إلى حروب عبثية في سوريا واليمن وتعكير علاقات لبنان بالدول العربية والغربية. ويسأل هذا الفريق “هل مصرف لبنان والمصارف هي المسؤولة عن الهدر المالي في الدولة وعن الفساد في الكهرباء والتهريب عبر الحدود والمعابر غير الشرعية والصناديق والتوظيف العشوائي وسلسلة الرتب والرواتب غير المدروسة والتلاعب بأرقام الموازنات والانفاق العشوائي أم السلطة السياسية هي المسؤولة عن ذلك؟”.
ويقول الفريق المؤازر للمصارف إن تجميد المدعي العام التمييزي قرار المدعي العام المالي أنقذ لبنان من محاولة إنقلاب غير مسبوقة كانت ستعيد البلد إلى زمن الأنظمة الشمولية، كما أعلن الرئيس سعد الحريري الذي كان واضحاً في التلميح إلى وقوف جهات سياسية وراء قرار ابراهيم بقوله “إن قرار المدعي العام المالي رسالة سياسية غير محسوبة النتائج لا على مستوى حقوق المودعين صغاراً وكباراً ولا على مستوى ثقة الأصدقاء والأشقاء بلبنان”. وهذا ما علّل به أيضاً القاضي عويدات قراره بتجميد “منع التصرّف” بقوله “وردنا من مصادر موثوقة أن السلطات المالية الدولية تنوي وباشرت إيقاف التعامل مع المصارف والهيئات المالية اللبنانية وفرضت ضمانات للعمل معها، لذا قرّرنا تجميد القرار المتخذ ومفاعيله إلى حين درس تأثيره على النقد الوطني وعلى المعاملات المصرفية وعلى أموال المودعين وعلى الأمن الاقتصادي” معتبراً “أن الاستمرار بتدبير كهذا من شأنه إدخال البلد وقطاعاته النقدية والمالية والاقتصادية في الفوضى، ومن شأنه إرباك الجهات المعنية بدراسة سبل الحلول والسيناريوهات المالية التي هي قيد الإعداد لمواجهة الأزمة التي تمرّ بها البلاد”.
وفي انتظار معرفة شكل الردّ من فريق حزب الله على تجميد قرار ابراهيم، لوحظ أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بقي في دائرة الاستهداف نظراً لدوره في التزام تطبيق العقوبات الأمريكية. وقد استهجنت أوساط مصرفية لـ “القدس العربي” ما “ذهب إليه الفريق الممانع من اتهامات لحاكم البنك المركزي بالتواطؤ في رفع سعر صرف الدولار وبالضغط للتراجع عن قرار عدم دفع اليوروبوندز ومن اختلاق رواية خيالية عن سيناريو شبيه بسيناريو 6 أيار/مايو 1992 للإطاحة بحكومة الرئيس حسّان دياب كما حصل مع حكومة الرئيس عمر كرامي التي سقطت تحت ضغط الشارع”.