لبنان والربيع العربي.. مسار طويل لم ينته بعد

حجم الخط
0

بيروت- نعيم برجاوي:
لا يزال لبنان يعيش تفاعلات “ثورة” 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في ظل استمرار أزمتين اقتصادية وسياسية، فلا يمر أسبوع إلا ويشهد البلد تحركات احتجاجية.
في مساء ذلك اليوم، أشعل مقترح بفرض ضرائب جديدة احتجاجات شعبيّة عارمة في العاصمة بيروت، سرعان ما امتدت إلى باقي المناطق من شمال لبنان إلى جنوبه، حتى البقاع شرقا.
هذا المشهد جاء ضمن مسار بدأ باحتجاجات في بيروت عام 2011، أثناء ما تُسمى بالموجة الأولى للربيع العربي، ثم تكررت في 2015 و2017، مع تزايد النقمة الشعبية على الطبقة السياسية الحاكمة.
احتجاجا على مصادرة السلطات البلدية لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه، أحرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه، في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، فأشعل نيران الثورة في تونس.
وفي لبنان، أحرق جورج زريق نفسه أمام مدرسة ابنته في 2019، لعدم تمكّنه من دفع القسط المدرسي، ما أوقد النار تحت غضب الشارع، الذي انفجر مجددا في 17 أكتوبر من العام ذاته.
ما شهده لبنان في 2019، وفق خبراء، جاء تزامنا مع موجة ثانية من الربيع العربي شهدتها دول عربية، ويمثل المنحى التصاعدي للاحتجاجات التي بدأت عام 2011، مع الموجة الأولى.

“إسقاط النظام”
في شتاء 2011 شهدت بيروت سلسلة احتجاجات سلمية، رُفع فيها للمرة الأولى شعار “إسقاط النظام”، تأثرا بالهتاف الأبرز في ثورات الربيع العربي حينها: “الشعب يريد إسقاط النظام”.
في مارس/ آذار 2017، خرجت مظاهرات في مناطق عدة، رفضا لزيادة الضرائب.
وطالب المحتجون بمكافحة الفساد ووقف الهدر، بدلا من تحميل الفئات الفقيرة أعباء إضافية.
وفي أغسطس/ آب 2015، اندلعت احتجاجات شعبية لعدة أسابيع، على خلفية أزمة تراكم النفايات التي أغرقت شوارع لبنان بشكل غير مسبوق. واتهم المتظاهرون المسؤولين بالفشل والفساد.

الموجة الأولى
اليوم، وفي ظل استمرار أسوأ أزمة اقتصادية في لبنان، فإن الأرضية لا تزال خصبة لتصاعد الاحتجاجات، لا سيما وأن المحتجين يحملون الطبقة السياسية الحاكمة مسؤولية الانهيار المالي وتبعاته.
ويمر لبنان بأسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975– 1990)، حيث تراجعت قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي إلى مستوى غير مسبوق، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الاستهلاكية، وتآكل في رواتب الموظفين.
وقال باسل صالح، وهو ناشط سياسي وأستاذ جامعي يشارك في الاحتجاجات منذ 2011، إن لبنان تأثر بموجة ثورات الربيع العربي، عام 2011، وكان جزءا منها.
وتابع صالح أن لبنان كان يختلف إلى حد ما عن الدول العربية الأخرى قبيل الربيع العربي، لتمتعه بهامش من الحرية، ولو ضيق نسبيا، فكان يشهد تحركات احتجاجية متفرقة قبل 2011.
وأردف: “لكن ما حصل في 2011 هو أن الاحتجاجات بدأت تصوّب مباشرة على النظام السياسي، من خلال الشعار الذي رُفع حينها بشكل واضح، وهو إسقاط النظام الطائفي”.

أهداف لم تتحقق
اعتبر صالح أن “الاحتجاجات في لبنان ليست حدثا بحد ذاته، إنما تأتي ضمن سياق متواصل، وصل أخيرا إلى مرحلة التصادم مع هذا النظام الفاسد، الذي يبيح لفئة قليلة من الناس نهب ثروات البلد”.
ورأى أن “انتفاضة 17 تشرين” كشفت هشاشة هذا النظام، وفتحت باب التغيير الذي لا يمكن أن يُغلق بعد الآن، وكل محاولات تعويم النظام، سواء الخارجية أو الداخلية، لن تنجح.
وبعد 12 يوما على اندلاعها، أرغمت الثورة في 29 أكتوبر 2019 سعد الحريري على تقديم استقالة حكومته، التي كانت تضم الأحزاب الأساسية، وبينها “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”.
ويحول استقطاب حاد بين القوى السياسية، منذ شهور، دون تشكيل حكومة جديدة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت في 10 أغسطس/ آب الماضي، بعد ستة أيام من انفجار كارثي بمرفأ بيروت.
ومن المطالب التي رفعها المحتجون، انتخابات نيابية، واستعادة الأموال المنهوبة، ومحاسبة الفاسدين، ورحيل الطبقة الحاكمة التي يتهمونها بالفساد والافتقار للكفاءة.
وأفاد صالح بأن وتيرة المظاهرات خفت في الفترة الأخيرة بسبب جائحة “كورونا”، إلا أنها ستتصاعد من جديد مع استمرار حالة المراوحة السياسية والانهيار الاقتصادي، “فهذا النظام بصيغته الحالية انتهى”.
ومع أنها لم تتحقق كامل أهدافها الاقتصادية والسياسية، إلا ثورة “17 تشرين”، بحسب خبراء، جعلت الرأي العام يعي أكثر مكامن الهدر والفساد، وشكلت عند المواطنين وعيا إضافيا بحقوقهم والدفاع عنها.

نظام متعدد الرؤوس
علي مراد، وهو أستاذ جامعي وناشط سياسي بإحدى مجموعات انتفاضة “17 تشرين”، قال إن “اللبنانيين منذ 2011 مروا بتجارب وتراكمات أكسبتهم طرقا جديدة في التعبير”.
وفي مقارنة بين لبنان وبقية الدول العربية التي شهدت ثورات، رأى مراد أن “إسقاط نظام سياسي برأس واحد أسهل بكثير من إسقاط نظام سياسي متعدد الرؤوس كما في لبنان”، في إشارة إلى زعماء الأحزاب الأساسية.
ولفت إلى أن التظاهر قبل 2011 كان شبه مستحيلا في بقية الدول العربية، بينما في لبنان كان متاحا في ظل وجود هامش من الحرية.
وأوضح أن “خروج التظاهرات إلى الشوارع في تونس ومصر وليبيا وسوريا، كان بحد ذاته إسقاطا لأنظمة تلك الدول”.
وأردف: “بمعزل عن المطالب التي رُفعت حينها (2011) فبمجرد التظاهر بالشارع في تلك الدول، فإن ذلك يعتبر انكسارا للنظام فيها”.
أما في لبنان، فإن هامش الحرية، الذي يتضمن حق التظاهر والتعبير عن الرأي، لم يُستخدم في حده الأقصى قبل “17 تشرين”، ثم وصل إلى ذلك الحد، الذي تحولت فيه التظاهرات إلى انتفاضة.
واستطرد مراد: “في 2019 شاهدنا انهيار النظام الذي تداعى بفعل الأزمة الاقتصادية”.
وزاد بأن الناس اليوم ما زالوا متمسكين بالتغيير، ويقولون إنهم لن يسمحوا للمنظومة السياسية بتحميل الشعب كلفة الانهيار (الاقتصادي والمالي).
ورجح البنك الدولي، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، استمرار تفاقم الفقر في لبنان ليطال أكثر من نصف سكانه بحلول 2021.

(الأناضول)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية