لبنان والمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة يتعاونان للحد من تدفق المهاجرين نحو الدول الأوروبية

 عبد معروف
حجم الخط
0

أطلقت السلطات اللبنانية بالتعاون مع المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة ICMPD الاستراتيجية البحريّة المتكاملة للبنان ومسودّة الدراسة التقييميّة للإطار القانوني الوضعي للمجال البحري اللبناني بهدف تعزيز الأمن والسلامة البحريّة، واعتبرتها الحكومة اللبنانية وثيقة إطار عمل لمشاركة تطوير المجال البحري مع المجتمع الدولي والمؤسّسات الدوليّة مثل البنك الدولي، وذلك ضمن برامج الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار.
ويرى الخبير في شؤون الملاحة البحرية وسام ضومط، أن الهدف الرئيسي من هذه الاستراتيجية خاصة بالنسبة للمركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة هو تطوير أعمال مكافحة الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من لبنان إلى الدول الأوروبية، ذلك أن لبنان يعتبر من بين الدول التي شهدت في السنوات الأخيرة، زيادة في عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية عن طريق البحر المتوسط، عبر القوارب وغيرها من الطرقات البرية والممرات الحدودية في الجبال إلى مختلف أنحاء العالم وخاصة الدول الأوروبية.
وازدادت عمليات الهجرة غير الشرعية من السواحل اللبنانية في السنوات المنصرمة، التي يُقبل على المجازفة فيها لبنانيون فلسطينيون وسوريون وعراقيون، هرباً من حياة تحوّلت إلى جحيم تساوى فيها خيارا الموت غرقاً في البحر أو جوعاً وقهراً في لبنان، ما جعل الهجرة غير الشرعية عبر القوارب من لبنان ظاهرة معقدة ومحورية في السياق الإقليمي والدولي، حيث يعود تاريخ الهجرة غير الشرعية في لبنان إلى فترة طويلة، وكانت البلاد شهدت تدفقاً متزايداً للمهاجرين واللاجئين منذ القرن العشرين.
وتأتي هذه الظاهرة نتيجة لعوامل متعددة منها الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يتعرض لها لبنان، وانعدام الفرص العملية، إلى جانب ما يشهده من حروب وصدامات مسلحة وفلتان أمني، إضافةً إلى الرغبة في بحث عن فرص أفضل للحياة والأمان.
وقد أظهر بحث أجرته المنظمة الدولية للهجرة، أنه من بين 954 مواطناً لبنانياً شملهم الاستطلاع، قال أكثر من 78 في المئة إنهم يفكرون في مغادرة لبنان، وقال ربعهم إنهم على استعداد أيضاً للتفكير في الهجرة غير النظامية. وتم ذكر الصعوبات الاقتصادية والصراع وشح الاحتياجات الأساسية، مثل الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم للأطفال، كعوامل رئيسية تقود تلك القرارات.
ونظرا لتأثير الهجرة غير الشرعية بشكل مباشر على الدول الأوروبية، قدم الاتحاد الأوروبي المساعدات المالية والتنموية للحكومة اللبنانية ولمنظمات المجتمع المدني في محاولة للحد من تدفق المهاجرين من لبنان إلى الدول الأوروبية، وعملت دول الاتحاد الأوروبي على تقديم مشاريع تنموية بالتعاون مع السلطات اللبنانية لمكافحة الهجرة غير الشرعية من لبنان باتجاه الدول الأوروبية.
وهذا ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى ربط المساعدات المتعلّقة بموضوع الإدارة المتكاملة للحدود، والتي تبلغ قيمتها 7 ملايين يورو، بالموافقة على الاستراتيجية البحريّة المتكاملة للبنان ومسودّة الدراسة التقييميّة للإطار القانوني الوضعي للمجال البحري اللبناني التي قامت لجنة مراقبة وضبط الحدود في الجيش بالعمل على إنجازها بالتعاون مع المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة ICMPD الذي قام بدوره بتطوير الدراسة ضمن مشروع تعزيز قدرات الإدارة المتكاملة للحدود في لبنان.
وتهدف الاستراتيجية البحرية المتكاملة إلى تعزيز الأمن والسلامة البحريّة، وتعتبرها الحكومة اللبنانية وثيقة إطار عمل لمشاركة تطوير المجال البحري مع المجتمع الدولي والمؤسّسات الدوليّة مثل البنك الدولي، وذلك ضمن برامج الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار. وتعتمد الاستراتيجية البحرية، أيضاً، على خطة عمل سياسة الجوار الأوروبيّة لعام 2013.
ولكن ماهي الأهداف الرئيسية المعلنة للاستراتيجية البحريّة المتكاملة؟
وأكد تقرير صدر عن المؤسسة الدولية للمعلومات في بيروت، أن هذه الاستراتيجية تقوم على تعزيز الأمن والسلامة البحرية والمحافظة عليها، وتحديث التشريعات ومواكبة القوانين البحرية الدولية، وتعزيز مراقبة وضبط الحدود البحرية، وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المجال البحري، وتحقيق التنمية المستدامة في المجال البحري، وتنظيم الشاطئ اللبناني ووضع مخطّط للمجال البحري، ورفع المستوى الصحّي في المجال البحري، وتنشيط السياحة البحريّة.
وقد ربط الاتحاد الأوروبي المساعدات المتعلّقة بموضوع الإدارة المتكاملة للحدود، والتي تبلغ قيمتها سبعة ملايين يورو، بالموافقة على هذه الاستراتيجية، وأن الموافقة على الاستراتيجية شرط للهبة ويتعلّق تنفيذ الاستراتيجية البحرية بالفترة الممتدة بين عامي 2024 و2028. وفي شهر أيّار/مايو الماضي وافق مجلس الوزراء اللبناني على هذه الاستراتيجية، إذ قرّر المجلس الموافقة على الاستراتيجية البحريّة المتكاملة للبنان والدراسة التقييميّة للمجال البحري اللبناني المقترحة من قبل وزارة الدفاع اللبنانية، على أن تقوم وزارة الأشغال العامّة والنقل – المديريّة العامّة للنقل البرّي والبحري، بموجب الصلاحيات المعطاة لها في القوانين والأنظمة النافذة وبالتعاون مع وكالة السلامة البحرية الأوروبيّة EMS بوضع استراتيجية خاصة بالإدارة البحريّة اللبنانيّة وأهدافها وتدابيرها المستخدمة للامتثال لأحكام مدوّنة تنفيذ الصكوك الصادرة عن المنظمة وصكوك المنظّمة البحريّة الدوليّة الإلزاميّة تسمى استراتيجية تنفيذ وإنفاذ الصكوك الدوليّة، وعلى أن يتم وضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ بالتنسيق والتكامل مع باقي الوزارات والهيئات ذات الصلة.
وفي إطار مشروع الإدارة المتكاملة للحدود المموّل من الاتحاد الأوروبي، سبق أن قدّم المركز الدولي لتطوير سياسات الهجرة ICMPD في بيروت في العام 2020 هبة لصالح وزارة الماليّة – المديريّة العامّة للجمارك، وهي عبارة عن 50 جهاز إرسال واستقبال لاسلكي، كما سبق أن قدّم المركز العديد من الهبات التي تتمحور حول البحث والإنقاذ البحري، وقد بلغت قيمة هذه الهبات في الفترة الممتدّة بين العام 2018 ولغاية مطلع العام 2024 نحو 2.6 مليون يورو (نحو 2.8 مليون دولار أمريكي).
وتساءلت الدولية للمعلومات، ما إذا كانت هذه الاستراتيجية والهبة المرتبطة بها تهدف بشكل رئيسي إلى ضبط الهجرة غير الشرعيّة عبر البحر؟
وفي السياق، قال الدكتور وسام ضومط لـ«القدس العربي» إن الهجرة غير الشرعية ظاهرة عالمية عموما، لا بل تعتبر مشكلة عابرة للحدود، لأنها تتسبب في العديد من التحديات والمشكلات التي تؤثر في المجتمعات والدول بشكل عام، حيث تشمل العبور السري أو استخدام وثائق مزورة للسفر عبر «قوارب الموت» بسبب الفقر والبطالة وسوء الأحوال المعيشية والصراعات السياسية وعدم وجود فرص عمل مناسبة.
الى جانب ذلك، تترتب على الهجرة غير الشرعية تأثيرات عديدة في المجتمعات المضيفة والمهاجرين أنفسهم والبلدان المعنية بالهجرة. وقد تنشأ تحديات اقتصادية واجتماعية وأمنية نتيجة لزيادة أعداد المسافرين غير الشرعيين. لذلك يصبح العابرون تحت رحمة تجار البشر والتشرد والاستغلال والتمييز. أما على المستوى الاقتصادي، فيمكن أن يؤثر الانتقال غير الشرعي في سوق العمل ويحدث تغيرات في توزيع الثروة الاقتصادية.
في موازاة ذلك، كشفت الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة يمنى ياسين عن وجود بعض الإحصائيات والتقارير التي توضح حجم الهجرة من لبنان، سواء بطرق شرعية أو غير شرعية. وحسب ما كشفته الدكتورة ياسين، كانت الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والبرازيل وفرنسا والأرجنتين وألمانيا والمملكة المتحدة والدول الإسكندنافية، من بين الوجهات الأكثر جذبا للبنانيين الراغبين في الهجرة بطرق شرعية. لكن الهجرة بدأت تأخذ منحى مغايرا وخطرا خلال السنوات الماضية، من خلال استخدام «قوارب الموت» وبالتالي الإتجار بالبشر، مقابل مبالغ مالية ضخمة.
على الرغم من الاهتمام اللبناني والدولي، والتحديات التي تواجهها الهجرة غير النظامية من لبنان، فهناك جوانب إنسانية من الضروري أن تؤخذ بعين الاعتبار، فالمهاجرون يفرون من الفقر والاضطهاد والحروب، ويسعون للبحث عن حياة أفضل لأنفسهم ولعائلاتهم، وبالتالي فإن توفير الفرص الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية في بلدان المنشأ يمكن أن يقلل من الحاجة إلى اللجوء إلى وسائل الهجرة غير النظامية، كما تؤكد تقارير الأمم المتحدة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية