رحلات الآلام والعذاب التي يمر بها اللاجئون السوريون الذين يريدون العثور على ملجأ في دول أوروبا، لا تتوقف للحظة. لكن يتم الكشف عنها في وسائل الإعلام بشكل عام فقط عندما تحدث كارثة، مثل موت مئات اللاجئين الذين غرقوا هذا الشهر عند انقلاب القارب أمام شواطئ اليونان، أو بعد نشر صورة لطفل غرق.
معسكرات الاعتقال المرتجلة التي أقيمت في ليبيا وتركيا للاجئين الذين أودعوا توفيراتهم التي جمعوها طوال حياتهم في يد مهربين محتالين، يجدون أنفسهم أسرى بدون طعام أو شراب، وفي تقرير نشر مؤخراً في موقع “أورينت نيوز” كشف كيف يعيش مئات اللاجئين في مستودعات مدمرة في ليبيا منذ سبعة أو ثمانية أشهر تحت حراسة مسلحين يقدمون لهم وجبات غذاء ضئيلة. في معظم الحالات، لا توجد في هذه المباني مراحيض سليمة أو مياه، ويتلقى اللاجئون الضرب ويعانون من التعذيب، وأموالهم سلبت منهم منذ بداية الاعتقال، ولا أحد مستعد لمساعدتهم أو يمكنه مساعدتهم.
في تركيا، يتحدث اللاجئون عن اعتقالات فجائية حتى للاجئين الذين لديهم وثائق بخصوص مكانتهم. يتم نقل هؤلاء إلى معسكرات اعتقال قرب الحدود السورية، وهناك يمكثون أياماً كثيرة دون إمكانية للوصول إلى محامين أو أقارب وبدون معرفة ماذا سيكون مصيرهم.
في لبنان يتحدث اللاجئون بأنهم يحذرون من الخروج من البيوت خوفاً من اختطافهم على يد قوات الأمن المحلية ثم إرسالهم إلى الحدود مع سوريا. كثيرون لا يرسلون الأولاد إلى المدارس لنفس السبب، ويخافون من الخروج للتسوق “بسبب المخبرين الذين يتجولون في كل مكان”، حسب قول لاجئ تحدث مع مراسل صحيفة “الغارديان” البريطانية.
محاولة الخروج من سوريا غير رخيصة، يصل المبلغ بين 3 – 5 آلاف دولار لكل شخص مقابل خدمة التهريب التي تشمل النقل إلى المدينة التي سيغادرون منها، والاتصال مع سفينة للمهربين ورسوم الإبحار والطعام أثناء فترة المكوث في البحر. بشكل عام، الدفع يتم مسبقاً، وحالات قليلة فقط يكون المهربون مستعدين للانتظار إلى حين وصول اللاجئ إلى مدينة اللجوء في أوروبا. على المهرب ألا يخاف من الدفع. شبكات المهربين متأصلة جداً في مراكز اللجوء في اليونان وإيطاليا، وسيهتم ممثلوها بتحصيل الرسوم بأي وسيلة.
في المقابل، تسعى دول أوروبا إلى أن تبني لنفسها “حزام أمان” بواسطة اتفاقات وترتيبات مالية مع دول في شمال إفريقيا، استمراراً لاتفاق اللاجئين الذي وقع في 2016 مع تركيا. في الأسبوع الماضي، تم التوقيع أيضاً على مذكرة تفاهم مع تونس، بحسبها ستحصل على مليار دولار لصالح تطوير بنى تحتية واستثمارات أخرى، لكن هذا المبلغ سيصل إلى دولة تعاني أزمة اقتصادية كبيرة، إذا بدأت في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية حسب توجيهات صندوق النقد الدولي. في الوقت نفسه، ستحصل تونس بدون شروط على مبلغ 118 مليون دولار لشراء معدات لمنع تهريب اللاجئين مثل السفن السريعة والحوامات، وستحصل أيضاً على 165 مليون دولار كمساعدة مباشرة لميزانيتها.
إجراء آخر تقوم به تركيا ولبنان الآن، وهو إعادة طرد اللاجئين إلى سوريا. في تركيا يتحدثون عن عشرات آلاف اللاجئين الذين تم طردهم مؤخراً إلى سوريا، حتى قبل التوصل إلى اتفاق بين الدولتين. وأعلن لبنان في السنة الماضية بأنه ينوي طرد 15 ألف لاجئ كل شهر. بقي القرار على الورق حتى الآن، وبضعة آلاف من اللاجئين تم طردهم إلى سوريا. ولكن حتى لو بدأت الحكومة في طرد اللاجئين حسب خطتها، فستمر ثماني سنوات إلى حين انتهاء عملية الطرد. المفارقة أن البرلمان الأوروبي اتخذ في هذا الشهر قراراً طلب فيه من لبنان عدم طرد اللاجئين إلى سوريا لأنها دولة غير آمنة لهم ولا توجد فيها بنى تحتية مناسبة لاستيعابهم.
هذا البند في القرار أثار عاصفة شديدة في لبنان، الذي يدعي وبحق بأنه في حين تدفع أوروبا أموالاً مقابل منع دخول اللاجئين إلى أراضيها، ها هي تقدم المواعظ للبنان عن كيفية تعامله مع اللاجئين الذين يشكلون عبئاً ثقيلاً على اقتصاد لبنان المنهار. “موقف الحكومة اللبنانية هو: يجب على الدول الأوروبية مساعدة اللاجئين الذين يريدون العودة إلى سوريا بدلاً من أن تدفع مقابل استمرار وجودهم في لبنان”، قال رئيس الحكومة المؤقتة نجيب ميقاتي. هكذا، في لبنان تأتي المساعدات مباشرة إلى اللاجئين عبر منظمات الإغاثة ومؤسسات الأمم المتحدة.
مركز للخلافات السياسية
موضوع طرد اللاجئين من تركيا ولبنان لا يستند فقط إلى أسباب اقتصادية. فقد تطور وأصبح بؤرة لخلافات سياسية ومواجهات يومية تقريباً بين المواطنين اللبنانيين واللاجئين السوريين. الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وعد في حملته الانتخابية بأن يضع على رأس سلم أولويات حكومته موضوع طرد اللاجئين. بعد أن استقبل اللاجئين السوريين بترحاب كبير في بداية الحرب الأهلية السورية ومنح كثيرين منهم رخص عمل وحتى المواطنة، اضطر إلى مواجهة الانتقاد الذي وجه إليه، بالذات من نفس الشرائح الفقيرة التي فقدت أماكن عملها لصالح العمال السوريين الرخيصين.
قبل سنة تقريبا أعلن عن نيته تحويل نحو مليون لاجئ من بين الـ 4 ملايين لاجئ الذين في تركيا إلى سوريا، وأن يقوم ببناء أماكن سكنية مناسبة لهم على الأراضي السورية قرب الحدود مع تركيا. هكذا، في آب الماضي تم استكمال نحو 64 ألف وحدة سكنية في محافظة إدلب التي تسيطر عليها مليشيات تؤيد تركيا. وحسب الخطة، تنوي الحكومة استكمال بناء نحو 40 ألف وحدة سكنية أخرى. ولهذا السخاء سبب أمني. إضافة سكان من سوريا إلى المحافظات السورية التي يعيش فيها الأكراد، يمكن -حسب رأي النظام في تركيا- أن تقلل مستوى تهديد الأكراد. ولكن من أجل أن يتمكن من استكمال هذه العملية، فإنه سيضطر إلى التوصل إلى تفاهمات مع نظام بشار الأسد، الذي هو غير مستعجل لمصافحة أردوغان.
الضغط التركي من أجل التحرر من عبء اللاجئين السوريين هو الرافعة التي يستخدمها الأسد الآن من أجل إجبار تركيا على الانسحاب من جميع المناطق التي احتلها في سوريا.
قبل خمس سنوات، أعلن الرئيس التركي بأنه منذ 2011 وحتى موعد نشر البيان، أنفقت حكومته نحو 40 مليار دولار على استيعاب اللاجئين، لكن لا دليل نشر عن موثوقية هذا المبلغ. ثمة قدير بأن المبلغ الحقيقي نحو 20 – 25 مليار دولار. بخصم المساعدة التي حصل عليها من الاتحاد الأوروبي، 8 مليارات دولار، فإن إجمالي إنفاق تركيا حتى الآن على استيعاب اللاجئين يقدر بنحو 30 مليار دولار. هذا يعتبر مبلغاً ضخماً، لكن في المقابل هناك أبحاث تشير إلى الفائدة الاقتصادية الكبيرة التي حصلت عليها تركيا بسبب وجود اللاجئين.
آلاف المشاريع الصغيرة والمتوسطة أقامها اللاجئون. ومعظم اللاجئين يعيشون في المدن الكبيرة وفي البلدات التي يعيشون ويعملون فيها، وهم يدفعون الضرائب ويحركون عجلة الصناعات المحلية بمساعدة مخصصات المساعدة التي يحصلون عليها من الحكومة. لا يمكن مراقبة حجم، بشكل دقيق، اللاجئين السوريين في اقتصاد تركيا، بالأساس بسبب صعوبة الفصل بين المشاريع السورية والتركية – السورية. ولكن إذا وجدت طريقة لفحص القيمة الاقتصادية المضافة للاجئين، فستكون قليلة الأهمية؛ لأن القضية تحولت إلى موضوع سياسي يملي على أردوغان الوفاء بتعهده تقليص وجود اللاجئين السوريين.
اعتبارات الدول المستوعبة لا تهم اللاجئين. هم يخافون من العودة إلى سوريا التي يمكن أن يتم اعتقالهم فيها أو تجنيدهم للجيش أو أن يختفوا كما حدث مع مئات اللاجئين.
تسفي برئيل
هآرتس/ ذي ماركر 27/7/2023