الناصرة- “القدس العربي”: تزامناً مع بدء الحملات الانتخابية رسمياً في إسرائيل، تظهر استطلاعات الرأي أن حالة التعادل الشديد بين المعسكرين المتصارعين على الحكم ما زالت على حالها، مما يعني استمرار المأزق السياسي الداخلي في إسرائيل واحتمال ذهابها لجولة انتخابات سادسة بعد الانتخابات الخامسة في الفاتح من نوفمبر/تشرين ثاني القريب.
وأظهر استطلاع رأي واسع، كشفت عنه القناة العبرية 12، أن معسكر المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو يحظى بـ 59 مقعداً من 120 مقعداً، مقابل 57 مقعداً للمعسكر الحاكم برئاسة يائير لبيد (يشمل هذا المعسكر أربعة مقاعد للقائمة العربية الموحدة)، فيما تحظى قائمة “الجبهة” /”التغيير” بأربعة مقاعد.
ومن النتائج اللافتة أن تحالف “الجبهة” / “التغيير” (برئاسة أيمن عودة وأحمد طيبي) يتجاوز نسبة الحسم بصعوبة، بينما “التجمع الوطني الديموقراطي” برئاسة سامي أبو شحادة لا يعبرها، مما يعني تراجع عدد النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي. وهناك توقعات بأن تسقط كافة القوائم العربية بعدما تفككت “المشتركة” التي جمعت كل الأحزاب العربية وفازت في ذروة نجاحاتها بـ 15 مقعداً.
كذلك تبرز نتيجة الحزب العنصري الداعي لترحيل الفلسطينيين “الصهيونية الدينية” برئاسة ايتمار بن غفير، الذي يدأب على اقتحام أحياء عربية وهو يشهر مسدسه في وجه سكانها الفلسطينيين، خاصة في القدس. الاستطلاع المذكور يظهر أن “الصهيونية الدينية” سيحصل على 14 مقعداً، بينما حزب “الليكود” على 30 مقعداً لو جرت انتخابات الكنيست اليوم وهذه النتيجة التي تعادل نصف قوة الليكود، بعدما كان حزباً هامشياً ولم يعبر نسبة الحسم قبل سنوات قليلة، تعكس تفشي العنصرية والكراهية في الشارع الإسرائيلي، وتثير انتقادات ضد نتنياهو داخل حزبه لأنه بادر قبل شهور لتوحيد مكونات “الصهيونية الدينية” وأسبغ الشرعية عليها حتى كبر على حساب “الليكود”.
وبدأت المعركة الانتخابية رسمياً اليوم الأربعاء، وستحاول الأحزاب جميعها توضيح رسالتها الموجهة إلى الناخبين الإسرائيليين. والسؤال المطروح؛ أيُّ معسكر سينجح في إخراج أكبر عدد من الناخبين من منازلهم لصالحه وحسم حالة التعادل.
وتمتاز المعركة الانتخابية لسنة 2022 بحملات انتخابية أقل سلبية من المعارك الانتخابية الماضية، ومنضبطة أكثر، انطلاقاً من الإدراك بأن استمرار الأزمة السياسية واستمرار حملات الطعن والتراشق البعيد عن النقاش السياسي ستؤدي إلى شعور باليأس والاشمئزاز والعزوف عن صناديق الاقتراع لدى الإسرائيليين، وقد يجعل الناخب يترّدد في المشاركة في الاقتراع. وتقول مصادر سياسية رفيعة المستوى مقربة من “حكومة التغيير” إن رئيس الوزراء يائير لبيد غيّر استراتيجية حملته في خطابه الأخير في الأمم المتحدة، فهو لا يبذل جهداً كبيراً لتأجيج المعركة الانتخابية كي لا يثير الجانب الثاني، وهو بالتالي يعمل بتركيز وبصمت نسبي كي يصبح حزبه “يوجد مستقبل” الحزب الأكبر في معسكره بصورة قاطعة وواضحة.
وهناك مَن يقول إن لبيد لم يبذل جهداً كبيراً في الحملة الانتخابية، وبينما يتنقل نتنياهو بين المدن المختلفة، خاصة في الضواحي، حيث اليهود الشرقيين والفئات الاجتماعية الضعيفة التي صوتت في الماضي لليكود، ويحاول إثارة الأرضية. يركز لبيد على عمله كرئيس للحكومة، اعتقاداً منه أن عمله هذا يشكّل حملة إيجابية بحد ذاتها. ويحاول حزب “يوجد مستقبل” برئاسة يائير لبيد رفع نسبة المشاركة في الانتخابات في المجتمع العربي، الذي يشكل ناخبوه نحو 15% من مجمل أصحاب حق الاقتراع بشكل عام. ويستعد لبيد للقيام بزيارة مدينة الناصرة داخل أراضي 48 وزيارة المستشفى الإنكليزي الذي يكابد وبقية مستشفيات المدينة أزمة مالية خانقة. وتأتي هذه الزيارة ضمن محاولاته تشجيع الناخبين العرب لممارسة حقهم بالاقتراع لأن ذلك يزيد من قوة معسكره ويضعف حسابياً قوة معسكر نتنياهو. وقالت مصادر مقربة منه إنه يستعد للإدلاء بتصريحات سياسية “مشجعة” على شاكلة “حان الوقت لأن نطلع على الرواية التاريخية الفلسطينية” وعدم الخوف من سماعها الخ. لكن فلسطينيي الداخل الذين سمعوا الكثير من الوعود، وجربوا الكثير من حكومات اليمين واليسار الصهيونيين، لم تترك مثل هذه التوجهات تأثيرا في وعيهم السياسي وفي سلوكهم الانتخابي وهم ينتظرون أفعالاً وفوراً.
وتظهر استطلاعات الرأي المتتالية أن نحو ثلثي فلسطينيي الداخل لا يرغبون بالمشاركة في الانتخابات هذه المرة، نتيجة عدة عوامل، منها الاحتجاج على تفكيك القائمة المشتركة عدة مرات والنية بمعاقبة الأحزاب العربية وخيبة الأمل من “حكومة التغيير”، التي استبدلت نتنياهو، فقد تبين بحكم التجربة العملية أنها لا تختلف جوهريا عن الحكومات السابقة من ناحية القضية الفلسطينية ومن ناحية الحقوق المدنية والسياسية لفلسطينيي الداخل. بالعكس، يطلع فلسطينيو الداخل على معطيات تظهر أن “حكومة التغيير” هدمت في العام الأخير عدداً أكبر من البيوت العربية، وفي فترتها تعرّض الحرم القدسي الشريف لاقتحامات أكثر من قبل اليمين والمستوطنين، علاوة على استمرار القضايا الملحة الحارقة بالنسبة للمواطنين العرب على حالها، مثل تفشي الجريمة وأزمة السكن والبطالة وغيرها.
في هذه الأثناء، يحاولون في “الليكود” تأجيج الأرضية بأي ثمن، والرسالة الأساسية لجمهور ناخبي اليمين التقليدي: “اذهبوا وصوتوا”. ويقوم أسلوب هذا العمل على الوصول إلى أكبر عدد ممكن من ناخبي اليمين الصهيوني بواسطة وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال لقاءات يعقدها نتنياهو مع الجمهور في مراكز المدن، ومن خلال أنشطة يقوم بها أعضاء الحزب في كل أنحاء البلاد. والهدف خلق جو يدفع الناس إلى الخروج من سباتهم، وإدراك الليكود أن هذا لن يحدث من خلال رسائل معقدة، بل من خلال رسالة واضحة هي أن الطرف الثاني غير قادر على تأليف حكومة بدون النواب العرب.
وبعكس لبيد، الذي يعتبر التعادل فوزاً له، يريد نتنياهو تحقيق فوز واضح، من هنا يجري العمل، ليس فقط على الأرض، بل من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال إرسال رسائل إلى المؤيدين برسائل صوتية. في المقابل، يسعى نتنياهو لتخدير الناخبين العرب ضمن استراتيجية دعائية جديدة تستبدل الاستعداء بالاحتواء، وإطلاق تصريحات إيجابية ووعود للعرب بمكافحة الجريمة وغيره. وجاء تغيير الإستراتيجية الدعائية بعدما تبين أن العرب خرجوا في جولات سابقة وشاركوا بنسب عالية في عمليات الاقتراع وساهموا لحد كبير في إسقاط نتنياهو، وهو يحاول أن يتحاشوه هذه المرة من خلال محاولة التودد للعرب ومخاطبتهم بشكل مباشر وإغداق الوعود عليهم والظهور، بإطلالة الرجل المكنى باسم ابنه البكر كما في العادات العربية “أبو يائير”، علاوة على نشر صور له وهو يحتسي القهوة العربية من سنوات ماضية وغيره.
من جهة أُخرى، تواصل وزيرة الداخلية اييلت شاكيد، التي تخوض الانتخابات لوحدها بعد اعتزال شريكها رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت السياسة، تركيز حملتها على نتنياهو ومحاولة إقناعه بألا يهاجمها على خلفية رواسب الماضي كي تتمكن من نسبة الحسم.
ومن المتوقع، في الأسبوعين المقبلين، أن تواصل شاكيد أنشطتها الميدانية لإقناع الناخبين بالمشاركة في اللقاءات الانتخابية وتحميلها على الفيسبوك مباشرة على مدار الساعة. كما تخطط للقيام بسلسلة من المقابلات، مع رسالة مركزية موجهة إلى الناخبين، تحضّهم فيها على اقتراع إستراتيجي.
في حزب “العمل”، وهو من الأحزاب القريبة من منطقة الخطر، أي عدم تجاوُز نسبة الحسم، سيجري التشديد على الحاجة إلى “انتخاب إستراتيجي”، بمعنى التصويت له لمنع عودة نتنياهو للحكم. ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي أيال نداف في هذا المضمار: “كما في المعارك الانتخابية السابقة، في هذه المعركة أيضاً، سيجري التشديد على القيم وعلى اقتراح لبيد رئيساً للحكومة. وستتركز الحملة في المدن الأساسية لناخبي معسكر التغيير، والهدف الآن هو رفع نسبة الاقتراع وسط القاعدة التي شاركت في الاقتراع في المرات السابقة”. ويرجح ايال أن حزب العمل سيواصل في حملته انتهاج الخط الليبرالي في موضوعات الدين والدولة، وفي مسألة تسيير المواصلات العامة يوم السبت، وستكون الذروة خلال إحياء ذكرى مقتل رئيس الحكومة الأسبق يتسحاق رابين، الذي يصادف قبل ثلاثة أيام من موعد الانتخابات، وسيقام في القدس.
ويكشف المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل أن جهاز الأمن العام (الشاباك) يستعد لتدخل خارجي في الانتخابات الإسرائيلية من قبل جهات خارجية. ويشير إلى أن روسيا تستعمل جهات واجهة، على أمل إقناع جمهور المهاجرين في إسرائيل بعدالة الحرب الأوكرانية. ويضيف: “هكذا، تمت إقامة جمعية باسم “الجبهة ضد- النازية”، التي تقوم هنا بنشر رسائل الكرملين، في محاولة لوسم الحكومة في كييف بأنها الوريث الفكري للنازية. نقطة أُخرى مثيرة للاهتمام تتطرق إلى حملة إلكترونية تدور ضد حزب “إسرائيل بيتنا” الهدف واضح: إقناع ناخبين قدماء لأفيغدور ليبرمان بتركه والتصويت لمعسكر نتنياهو لأن حكومة لبيد اتخذت موقفاً من الحرب ضد روسيا”.
ويخلص للتساؤل ماذا يحدث عندما تكون الألاعيب من الداخل، من قلب أحد المعسكرات المتنافسة؟ عن ذلك يقول هارئيل: “الشاباك مخوّل منع التدخلات الخارجية، لكن من الصعب تخيُّله يعمل ضد حملة إلكترونية داخلية تقوم بها جهات خفية لمصلحة أحد المرشحين. على الأقل، كان هناك إشارات إلى خطوات سيئة كهذه، في الجولات السابقة أيضاً. يبدو أن النظام يفضل أن ينظر إلى روسيا على أن يركز نظره الثاقب على ما يحدث هنا من تحت بصره”.