لتقم جامعة الشعوب العربية

حجم الخط
0

لتقم جامعة الشعوب العربية

علي محمد فخرولتقم جامعة الشعوب العربيةنحن نحمّل القمم العربية أكثر مما تستطيع حمله، فلنعترف بذلك ولنولٍّ وجوهنا شطر المفيد. لنذكر أمثلة توضُّح الأمر الذي نحن بصدده. المثال الأول يتعلق بالعراق. فعندما تتحدث القمة عن احتلال أميركي غير مشروع وعن أهمية وحدة العراق وعروبته وضرورة التحاور بين كل مكوناته فإنها قد تزعج المحتلين وقد تضايق بعض القوي العراقية السعيدة بالاحتلال، ولكن لو أن القمًّة تحدثت عن حق المقاومة العراقية في تحرير وطنها وأشادت بجهودها في إفشال ما خطط للعراق من تقسيم وتدمير وإخراجه من القرن الذي نعيش فإنها في هذه الحالة تدخل في مواجهة حقيقية مع المحتل لها تبعاتها الكبيرة. المثال الثاني يتعلق بفلسطين. فالحديث عن استعادة الأراضي المحتلة عام 67 وقيام دولة فلسطينية علي كامل الضفة الغربية شيء يزعج أمريكا والسلطات الصهيونية، لكن الحديث عن الرفض التام، ودون أية غمغمة، لأي تنازل عن حقٍّ عودة اللاجئين إلي أرضهم شيء يدخل القمة في مواجهة مع تلك الجهتين. وينطبق الأمر علي الموقف من موضوع الطاقة النووية، فالحديث يقتصر علي المطالبة بأن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل ولكنه لم ينتقل قط بالقول بالفم المليان بأن العرب والمسلمين لن يتوقفوا عن محاولة امتلاك السلاح الذري وغيره إلاً اذا جرّدت اسرائيل من ذلك السلاح. ليس المطلوب استعمال أساليب المماحكة والتهديدات الفارغة. ولكن المطلوب هو أن يعرف العالم أين تقف، وتعرف شعوبك إلي أين تريد أن تقودها، ويعرف أعداؤك الخطوط الحمر التي لن تسمح بتخطيها. غير أن القمم العربية لا تستطيع في وضعها الحالي أن تفعل ذلك. فتناقضاتها الداخلية وارتهان بعضها للقوي الخارجية وجهل بعض قادتها بروح العصر وما يحركه يجعل من المستحيل علي القمم العربية أن تصدر قرارات متكاملة متناغمة بدلاً من أنصاف وأرباع القرارات المبتورة. طبيعة وآليات وإمكانيات وأجهزة الفعل والمواجهة ستحد من اتخاذ القرارات التي ينتظرها الناس، ففاقد الشيء لا يعطيه. إذن ما الحل لهذه المعضلة؟ الخطوة الأولي المتواضعة في هذا الحل هي أن تقول الشعوب ما لا تستطيع الأنظمة السياسية الحاكمة قوله في الوقت الحاضر. من هنا فان الاقتراح المتداول بين مختلف قوي المجتمع المدني العربي بتشكيل جامعة عربية للشعوب العربية (جامعة الشعوب العربية) اقتراح معقول ويستحق النظر فيه بجدية. وهو اقتراح منسجم مع ومكمل لاقتراحات سابقة بشأن تكوين جبهة نضال شعبية عربية أو بشأن تكوين كتلة تاريخية شعبية قادرة علي إيقاف نزيف الأمة الحالي وتدهورها، وذلك من خلال العمل في الأرضية المشتركة، وهي كبيرة وممتدة، وترك المختلف عليه جانباً، بل وترحيله إلي ما بعد خروج الأمة من المرحلة الحرجة التي تعيشها الآن. التسمية ليست مهمة، فالمهم هو المحتوي والبرامج وقدرة الأسنان علي العض. قيمة هذه المؤسسة الجديدة هي في إسماع العالم وإسماع الأعداء مواقف الأمة الحقيقية التي لا تستطيع المؤسسة الرسمية العربية المشتركة أن تقولها للأسباب التي ذكرناها، وفي بلورة توجهات سياسية مشتركة لكل مكونات الأمة، وفي تفعيل الطاقات الشعبية التي طال أمد ركودها ونومها وفقدانها للأمل ووضوح الرؤية.إن ما نقوله لا ينفي بعض التحسن الذي طرأ علي مؤتمر القمة الأخير في اتخاذ بعض القرارات. لكن قيام جامعة للشعوب العربية، مستقلة مالياً وإداريا وحركة عن الجامعة العربية المقموعة المنهكة، سيضعف إلي حدٍّ معقول القبضة الأمريكية ـ الصهيونية علي رقبة الحراك السياسي العربي الرسمي، وهو ما أصبح ضرورة قومية للعرب وضرورة إسلامية للمسلمين. يجب أن لا نتبني ما قاله أحد الفلاسفة التائهين من أن نفق الفكر الإنساني قد أصبح شديد الظلمة التي لا نهاية لها. دعنا نضيء شمعة في نفق ليل هذه الأمة. 9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية