رأي القدس لجوء طيار سوري بطائرته الى الاردن اعاد تسليط الاضواء على الاحداث مجددا في سورية بعد انشغال استغرق اكثر من اسبوع تقريبا بأزمة انتخابات الرئاسة المصرية وتضارب الانباء حول الفائز فيها.انشقاق طيارين ليس امرا غير مألوف في سورية، فقد فر اكثر من طيار سوري بطائرته طالبا اللجوء، ولكن في اسرائيل وهذه المرة الاولى التي يهرب فيها طيار سوري بطائرته الى الاردن رافضا الاشتراك في قصف مواقع للمعارضة وقواتها في منطقة درعا الحدودية، حسب ما جاء في بيان للجيش السوري الحر.الطيار السوري الذي فر الى اسرائيل قبل بضع سنوات قدم خدمة استخباراتية كبيرة للولايات المتحدة الامريكية، لان طائرته كانت من طراز ‘ميغ 29’ المتقدمة، لكن طائرة العقيد طيار حسن مرعي كانت من طراز ‘ميغ 21’ الروسية الصنع ايضا التي تنتمي الى جيل منتهي الصلاحية من الطائرات لقدمها، وقد تكون القيمة الاستخباراتية في هذه الحالة في الطيار وليست في الطائرة، حيث سيتعرض لاستجواب من اجهزة مخابرات غربية لمعرفة اسرار سلاح الجو السوري، خاصة وان احتمالات التدخل العسكري الغربي في الازمة السورية ما زال غير مستبعد.لا شك ان هذا الانشقاق يشكل ضربة معنوية كبيرة للنظام السوري من حيث اهميته اولا، وتوقيته ثانيا، فاختيار الطيارين يتم وفق معايير دقيقة وحازمة يتربع الولاء للنظام على قمتها. فالانظمة العربية عموما، والنظام السوري خصوصا، ترى في سلاح الطيران الخطر الاكبر عليها، لان هذا السلاح يشكل العمود الفقري لنجاح اي انقلاب عسكري، وسورية شهدت الكثير من الانقلابات العسكرية في نصف القرن الماضي، لعب فيها سلاح الطيران دورا رئيسيا.توقيت الانشقاق، وعلى هذا المستوى، على درجة كبيرة من الاهمية، فهناك محادثات واتصالات مكثفة تجري حاليا بين روسيا من ناحية والولايات المتحدة ودول غربية اخرى من اجل ايجاد مخرج للازمة السورية يتمحور حول الحل اليمني، اي تنحي الرئيس بشار الاسد عن السلطة بعد عامين واجراء انتخابات عامة لاختيار حكومة انتقالية، وقدمت بريطانيا عرضا مغريا للرئيس الاسد بالمشاركة في مؤتمر ينعقد في جنيف آخر الشهر لبحث هذه المسألة وتعهدت بضمان ممر آمن له للمشاركة.لم يصدر اي رد فعل رسمي سوري على هذا الاقتراح، ولكن سيرجي لافروف وزير الخارجية الاروسي قال ‘ان اي خطة سلام حول سورية تتضمن فكرة رحيل الاسد لحل الازمة غير قابلة للتحقيق’ وهذا يعني اجهاض هذه الخطة وهي ‘نطفة’ وقبل ان تبدأ مرحلة النمو.روسيا تلقي بكل ثقلها خلف النظام السوري، وتتحرك بشكل سريع لنفي اي تسريبات غربية حول التوصل الى تفاهم معها لرحيل الرئيس الاسد موحية بذلك ان الغرب وحلفاءه العرب هم الذين يعيشون في مأزق وليس الرئيس الاسد وحلفاءه الروس والصينيين.السفير الامريكي في سورية روبرت فورد وجه رسالة صوتية الى الضباط السوريين حثهم فيها على الانشقاق عن النظام، ويبدو ان لجوء الطيار مرعي الى الاردن قد يفسر على انه استجابة لهذا النداء الذي يعكس تصاعد التدخل الامريكي في الازمة السورية خاصة بعد كشف صحيفة ‘نيويورك تايمز’ عن وجود ضباط تابعين للمخابرات المركزية الامريكية في تركيا يتولون تنسيق عمليات نقل الاسلحة الى المعارضة السورية في الداخل وللحيلولة دون وقوعها في ايدي عناصر تابعة لتنظيم ‘القاعدة’.هناك حديث متصاعد هذه الايام عن ارتخاء قبضة النظام السوري الامنية، وفقدان سيطرته على الاوضاع في البلاد، مع تزايد هجمات الجيش السوري الحر وتدفق المزيد من الاسلحة المتطورة عبر الاراضي التركية لتعزيز قدراته الهجومية.ومن غير المستبعد ان يتم توظيف هروب الطيار مرعي لهز معنويات الجيش السوري، وتبديد المقولة التي تؤكد ان النظام قوي بدليل عدم حدوث انشقاقات ذات شأن.الملف السوري بدأ يزداد سخونة، وهو مرشح لمساومات مكثفة بين القوى الكبرى، وروسيا وامريكا على وجه الخصوص التي تخوض حربا بالنيابة على الاراضي السورية، والضغوط الامريكية الرامية الى تنحي الرئيس الاسد والمعارضة الروسية الشرسة لها ربما تتم في هذا الاطار.Twitter: @abdelbariatwan