تعتبر فكرة المخلص، المنقذ المقدس، صاحب الزمان، هي أحد أهم أعمدة الفكر الديني لمعظم، ان لم يكن لكل الشعوب الإنسانية، لربما يمكن استثناء بعض الأديان الفلسفية القديمة، أما الحديث منها، فكلها قائمة على فكرة المخلص، الظهور الأخير لكينونة مقدسة، هي بين بشر وإله، تمحو الشر من الدنيا وتقيم العدل وتنقذ البشرية من براثن نفسها، كل ذلك يحدث والدنيا على شفا حفرة من يومها الأخير، من يوم الحساب والعقاب، من النهاية المحتومة.
إن قسوة الحياة، قسوة طبيعتها التي عاركها الإنسان، أو المخلوق ما قبل الإنساني (أقدم بقايا لدينا لمخلوق في سلسلة التطور الإنساني والتي تعرف باسم آردي هي لنوع أرديبيثيكوس راميدوس حيث يقدر العلماء عمرها بما يزيد على الأربعة ملايين من السنوات)، قسوة أقدارها التي لم يعرف لها هذا الإنسان تفسيراً أو تبرير، صخائبية أيامها، جنون توجهاتها، هذا الفلتان التام لأيام الدنيا، لأحوالها، لظروفها المناخية، لتقلباتها الجغرافية، لتحركاتها القدرية، كل ذلك جعل الانسان يشعر بوحدته الفظيعة في هذه الدنيا وأدى به الى وحشية وظلم وعنف استتبت في تكوينه كنتاج لشراسة معركته من أجل البقاء، تلك المعركة التي علمته أن البقاء في هذه الدنيا هو للأقوى، وأنه اذا أراد أن يمد من عمره القصير أصلاً في هذه الدنيا الشيئ اليسير فان عليه أن يلغي الرحمة من قلبه وأن يستبد ما استطاع وأن يتوحش قبل أن تنقلب الوحوش الآدمية الأخرى عليه.
تاريخ طويل من التطور الكائني وصولاً للمخلوق الانساني الذي عارك حياة شديدة العنف والقسوة، عارك طبيعتها وعارك طبيعته، فبالإضافة لقسوة الحياة، كانت هناك الأمراض والأوجاع التي أصابت جسده وجعلت معدل عمره، في فترة ما قبل 20 ألف سنة أو تزيد، 20 سنة على أفضل وجه. كل هذه القسوة والعنف والفوضى التامة أورثت الإنسان الحديث مخاوف لا تزول وأحلام لا تنضب حول حياة مثالية وخلاص نهائي وجنة مستدامة. وعليه استقرت فكرة الخلاص النهائي والمخلص الأخير الذي بظهوره سيجن جنون الطبيعة، فيتفجر غضبها، ويصخب عنف البشر، فيفتكون ببعضهم البعض، وعندما تصل الحياة الى قاعها، ينتصر المخلص، ويأخذنا الى بر الأمان، الى الراحة الأبدية، الى المدينة الفاضلة حيث السعادة والأمان.
مع مرور الزمن وتطور الإنسان، استمرت هذه الفكرة مزروعة في كل الأديان تقريباً إلا أن المجتمعات الأكثر تطوراً حكمت هذه الفكرة داخل الإطار الديني، حتى أن بعض مفكري هذه المجتمعات حاولوا إيجاد مخارج فلسفية لفكرة الظهور والخلاص هذين. أما مجتمعاتنا التي لا تزال غارقة في عنفها وصخبها وفوضوية أحداثها، فلا تزال فكرة الخلاص الإعجازي قائمة وبقوة، فهي الفكرة التي تعطي شعوب هذه المجتمعات بعض الأمل الذي لربما يساعدها على مواكبة ظروف الحياة ومقارعة تحدياتها والإستمرار في الشهيق والزفير خلال أيامها العصيبة. إلا أننا، تحديداً كشعوب عربية وإسلامية، لم نكتف بالفكرة في إطارها الديني، بل نحن فرشناها وجلسنا عليها نحلم أحلاماً وردية حول واقعنا الحياتي اليومي المعكر وظروفنا السياسية الجنونية. فكرة اتسع حيزها، فلم يعد المخلص هو صاحب الظهور الأخير المبعوث من الله لينقذنا من الدنيا وآلامها الإنقاذ الاخير فقط، بل أصبح لدينا الآن مخلصين دنيويين، بنكهة دينية أحياناً، وبنكهة عسكرية أحايين أخرى، أبطالاً نصنعهم ونجلس ننظر اليهم في علياء نحن من وضعهم عليها، منقذين نخلص لهم الولاء ولو كره الكارهون.
لذلك، تجدنا بين فترة وأخرة نتوج هذا أو ذاك مخلصاً بطلاً، صاحب زمانه، هذا ‘الرجل’ الذي سيأتي العدل في ركابه فيخلصنا، وحده، من أزمات حياتنا التي تبدو عصية حتى على المعجزات. بعض هؤلاء الرجال، (لم نحلم بامرأة بعد حتى ننصبها مخلصة أصلاً)، يكونون مخلصي التوجه سليمي النية، يبتغون اصلاحاً حقيقياً، على قدر ما يبتغي ويستطيع بشر، الا أننا في حموة بهجتنا بالمخلص الجديد نرفعه بدفعة واحدة فوق أكتافنا، ننفخ في ‘أناه’ حتى تنتفخ كسرطان متضخم لا ينفع معه استئصال، نضع سيفاً في يمينه وخنجراً في يساره ونحني له القامة حتى تتوحش نفسه وتعنف طبيعته ويصدق أن نواياه ومبادئه تستحق سحق الرقاب وطعن الصدور. ينقلب المخلص وحشاً أمام أعيننا يوم بعد يوم، تضيع المبادئ وتأخذ قيم العدل والمساواة واحقاق الحق والرحمة بالناس مكاناً متأخراً أمام قسوة الظروف ونزولاً عند الحاح الضرورات التي تبيح المحظورات.
وهكذا نخلقهم بأيدينا كل يوم، بعضهم كان بطلاً مخلصاً، وبعضهم كان ممثلاً بارعاً، بعضهم كان ذكياً والبعض الآخر غبياً مأخوذاً بسلطته، الا أن العامل المشترك هو نحن، في رداءة تشكيلنا لهم كأصنام ننصبها بأنفسنا، ونعود نعبدها باخلاص. لقد كان جمال عبدالناصر رجلاً ذو مبادئ حقيقية ونوايا سليمة فتك بها تعظيم الناس لشخصه حتى انقلبت أحلام الاشتراكية العادلة الى ديكتاتورية حطمت الأمل المنشود. تبع ناصر عددا من الحكام لا يصلون الى إخلاصه ولكنه تتبعوا أثر خطواته، وما لقوا سوى ذات التعظيم والتمجيد منا، فنفخ الناس في أنا صدام حسين المريض أصلاً منذ طفولته بأمراض العنف والقهر فحولوه الى وحش باطش، وقدس الناس تقريباً آية الله الخميني فأعلوه مقام الأنبياء، وقدس الناس القذافي حتى أردوه مريضاً بداء عظمة وكمال لا يكونان لبشر أبدأً، ونقل الناس ذات الداء للأسد الأب والابن فظهرت عليهما أعراض وحشية غير مسبوقة مرفقة باعتقاد مستتب بأحقيتهم وأسرهم الأبدية بحكم سوريا وملكيتها وأهلها. وها هو حسن نصرالله، يمتلك قلوب وعقول الناس بخطابه، حتى أصبح بإمكان قداسة مكانته عند الناس أن تبرر مساندته لنظام سوريا الباطش الذي يسقط تحت نيرانه المئات من السوريين العزل كل يوم.
واليوم يأتي المشير السيسي كصاحب أحدث ظهور ‘خلاصي’ في عالمنا العربي، وان نظرة على التقديس والتعظيم والتمجيد الذين يغلفون كل خبر إعلامي حول السيسي ليشون بعمق وخطورة هذا التقديس الأخير. لربما أن للمشير نوايا طيبة ومبادئ جيدة (اذا ما استطعنا تخطي فكرة ولاءاته القديمة) لربما هو عمود مهم في الحراك المصري المستقبلي، ولكن، ومما لا شك فيه، أن حركة التمجيد القائمة حالياً على قدم وساق سوف (إن لم تكن فعلت) تفسد الرجل وإدارته ونواياه وتصرفاته. ليس أخطر على إنسان من أبواق تنفخ في ‘أناه’، تعظمه حتى تعميه، تقدسه حتى تنسيه آدميته الضعيفة، فينتفخ ويعلو ويعلو حتى ينفجر بتضخمه ويهدر ساقطاً من السماء.
شخصياً كنت ممن استبشروا خيراً مبدئياً بالإنقلاب الشعبي الثوري الأخير (أسميه انقلابا شعبيا ثوريا لأنه حراك جديد بين انقلاب وثورة) في 30 يونيو، الا أن ما حدث بعد أربعة وعشرون ساعة من أحداثه يشي ببدائية بشرية لا تريد أن تتغير. بدأت حملة التعظيم للمخلص الجديد، برر له صحبه ضربه بيد من حديد، تفهموا سيلان الدم المصري على يديه، استنكروا أي نقد محتمل له ، وأخيراً رفضوا رفضاً قاطعاً أي نزول انتخابي لآخرين أمامه، فهو، وهو وحده المخلص صاحب هذا الزمان.
وهكذا نبقى نحلم، تضغطنا ظروفنا حتى نخاع عظامنا، فلا يبقى من مفر سوى الحلم بالخلاص النهائي الذي سينقلنا من الجحيم الى الجنة، بنبي جديد في زمن انتهى فيه ظهور الأنبياء، بعظيم منفرد في وقت أصبحت فيه العظمة للأمة لا للفرد، ‘برجل’ نرمي على كتفيه الهم والقهر ونضع على رأسه التاج وفي يديه الصولجان، وننزوي نحن لنحلم، لنصحو على كابوس فظيع. فمتى ‘ننجو’ من الأسر وتنجو؟*
*بيت محوًر من طلاسم إيليا أبي ماضي.
يلتقي التيار الديني و التيار الشعبوي في مسألة الخلاص , فإدا كان التيار الديني يبشر بقرب ظهور المهدي المنتظر/ المسيح الدجال , فإن الشعبويين يصنعون زعيما و يمجدونه . إن المشترك بين المجموعتين هي الروح الإتكالية التي تصنع الراعي و القطيع . فمن يعمل على نشر هده التصورات ؟ إنهم و بكل بساطة الجهات المستفيدة من سيادة هده العقلية , إنهم الفئات / الطبقات المتحكمة في السلطة و في وسائل الإنتاج ( الأراضي الزراعية و المراعي و الثروات الباطنية المعدنية و الطاقية و الرأسماليين ) , و يتصدى للقيام بمهمة الترويج لهده التفاهات من جهة تجار الدين و من جهة ثانية مرتزقة الإعلام و السياسة . و تزدهر الدعاية للمخلص ( المنقد) في الفترات التي تشتد فيها الأزمة و ترتفع فيها بوادر (مخاطر) اندلاع الثورة ضد الحكام المستبدين ,حينها يتم الترويج لهده الخزعبلات بالإضافة طبعا إلى تصاعد القمع و المناورة .
احسنت يادكتوره ابتهال
بالنسبة لي فكلمة مخلص غير متداوله
الذي عندي هو التوكل على الله وحده
هل نسيتي قول ثوار سوريا حين يشتد الخطب :
مالنا غيرك ياالله
ففكرة المخلص غريبة عن ديننا
حتى فكرة المهدي مشكوك بها
فهي ليست موجوده بالبخاري ولا بمسلم
فنحن مخلصنا الوحيد هو الله وحده لا شريك له
يارب أكشف الغمه وبشرنا بنصرك المبين
اللهم انصر شعوبنا على ظلم حكامها
ولا حول ولا قوة الا بالله
حتماسيكون مخلص ولكنه عاش مقهورا وذاق الاستضعاف عبد الله حتى ذابت اناه
حوسب على يد الجماهير حسابا عسيرا حتى اصبحت ولايته شرعية ويستطيع الناس ن عنه عندمابويع لعمر بنا الخطاب وقف العظيم الثقة ابن وزير الاقتصاد في افارس المجوسية وحارس النار الالهيةالتي تمردعليها بسلطة العقل والضمير فتنصر حتى ظهر الاسلام وتبع دين محمد صلى الله عليه وسلم قال سلمان لعمر :
والله لا نبايعك حتى نعرف من اين لك هذا واشار الى قمييص عمربن الخطاب الامبراطور الذي لم يولي ابنه عبد الله بن عمر ملكا ومامات عن ثروة ولم يواجه ثورةداخليةواحدةعلى حكمه ذاك الذي اغتاله فرس عصره (استشهد على يد ابي لؤلؤة المجوسي ) لانه هدم الامبراطوريةالفارسية العريقة في البذخ والتفوق العسكري والغرور الحضاري الوثني ولهذا لم يعترف بهاخوانناالممانعون من (الشيعة )بانه فاتح القدس بدعوى انه لم يشترك في معارك فتوح الشام وكان الامامالخميني اوالمرشد الاعلى اشتركا في حرب العراق او تحرير الجنوب
اما خالد بن الوليد الذي هدم المجد العسكري لاعتى امبراطوريتينفي زمانه الفرس والرومان ما يعادل (امريكا وروسيا ) فلم يحظ بكلمة ادانة لقصف مقامه من قبل النظام المتوحش السوري الذي هدم الف مئذنةمنها مقام الفذ البطلخالد بن الوليد الذي يسقطه اخواننا من جبهات القتال التاريخية ومن غبار الحرب والجهاد وهو الذي حمل جسده خريطة جهاده الطويل ليركزوا لنا على حادثة (ليلى الاخيلية ومالك بن نويرة في جحروب الردة ) طبعا ما بيصير خالد بن الوليد يطلع شبيح بس بيصير الشبيحة وهاتكي اعراض الاولاد والنساء وشاقي الصدور وباقري بطون الحوامل ومقطعي اطراف الاولاد فيبانياس والحولة ان نمدحهم لا باس بس الحق على ابو صقارطبعا لازم مخلص يتفجر تواضعه من انكاره لذاته ومن بكائهعلى امانته يشبه عماد مغنية رحمه الله قائد الجناح العسكري للحزب ويختلف عن (الامين العام ) الذي ضيع امانة الجهاد والحسين وكربلاء الف مرة في قتاله معاليزيديين الجدد مع الاعتذار ليزيد
جريحة فلسطينية حمى الامين العام ظالميها وهي سيئة صغيرةفي صحيفتهامام سيئات قتلى سوريا منشقة عن المنظمة التيتطلق على نفسها اسم حزب(الله) لانها عميلة لله وليس لنصر (الله ) .
كما في رواية( فرانكينشتاين) من السهل نسبيا خلق وحش لكن من الصعب ان لم يكن من المستحيل السيطرة عليه !
نحن من خلقنا هؤلاء الوحوش لكنا لسنا بقوة وجبروت (الاله) حتى نستطيع السيطرة عليهم .
لقد تحول (فرانكنشتاين) الى عدو, اولا لمن صنعه ,ثم للمجتمع, لكن هناك معاناة تجعلنا نتعاطف معه, فمأساته انه بعد صنعه وجد نفسه وحيدا وغريبا وقد تخلى عنه صانعه نفسه .
اما هؤلاء الابطال المزعومين اللذين اشبعونا بالمصائب والكوارث فلا حجة لهم, فقد امنت بهم شعوبهم وتخلت عن حريتها, بل وعن قوت يومها املا بان تكون هذه التضحيات الثمن الغالي اللذي يجب دفعه من اجل الخلاص.
ولا ادري كيف يضحى بالحرية من اجل هدف اسمى, وهل هناك اسمى من الحرية ?
المفارقة العجيبة ان عملية صنع هؤلاء المخلصين المزعومة ما زالت ذات حضور قوي كما الماضي لكن بنسخة مشوهه وهزيلة !
وكما يقول المثل المصري اللي( يحضر العفريت هو اللي يصرفه)
لكن كما العادة يكون الوقت متأخرا لصرف عفريت نحن من صنعناه !!!
لم يكن التاريخ أبدا نتاج فكر الفلاسفة أو تأملات الأدباء أو خيال الشعراء، كان وسيظل نتاج أفعال المؤثرين من قادة وحكام وجبابرة بما تنطوي عليه أفعالهم – معظمهم على الأقل- من قتل وظلم وسفك للدماء شئنا ذلك أم أبينا. واجبنا أن نبقى تستنكر الظلم والعدوان ولكن للأسف ظهر لدينا واجب آخر هو أن نضطر للموازنة بين السيء والأسوأ. هل دريت بذلك ؟
مقال رائع كالعادة٠عبر الاف السنين وقبل ان تنضج فكرة المؤسسات والنظام الديمقراطي لم يتخيل الانسان خلاصه الا بواسطة انسان عادل وبالضرورة ان يكون دكتاتورا ٠ومن هذه الفكرة تكرست عبادة الفرد المخلص ورغم كل تجارب الانسان الناجحة في كثير من بلدان العالم في اقامة النظام اليمقراطي لازال قسم كبير من شعبنا العربي يعتقد اننا غير جاهزين لهذا النظام وانه لايستطيع ان يحكم هذه الامة الا دكتاتورا عادلا
الله سبحانه وتعالى خلق الانسان في احسن تقويم منذ اليوم الاول . والسنه الماضيه اثبت مجموعه من الباحثين الامريكيين مما لا يحتمل الشك خرف نظرية دارون في التطور مما شكل صفعه كبيره للانثربوليجيين .