تعود الذاكرة بي الى عام 1991 حينما اجريت مقابلة مع السفير السوري في باريس لحساب صحيفة ‘تشرين’ السورية، وكان موضوعها على ما اتذكر ‘طلاب سورية في الخارج السوري’، حينها لمست بنفسي حقيقة النظام السوري، فالمقابلة لم تعجب السفير السوري التي نشرت على صفحة كاملة في صحيفة تشرين الصحيفة الاولى في سورية، وادت المقابلة إلى سحبه – بليلة دون ضو قمر – الى دمشق فورا، يومها اتصل بي وطلب مقابلتي فورا في مقر السفارة، وذهبت ظنا مني انه سيشكرني على المقابلة. حينما وصلت وجدت ثلاثة من كبار رجال السفارة السورية، بينهم السفير، وفجأة راح السفير السوري يمطرني بالنقد ويلصق بي التهم والكلام المتعود عليه في الانظمة الدكتاتورية حتى انه اتهمني بشكل صريح اني عميل لاسرائيل، حينها قلت له كما اذكر ‘سعادة السفير المقابلة بالكامل مسجلة عندي على المسجل.. هل ترغب بارسال نسخة لك انا لم اقل ايا مما تقوله الان’، حينها انهار الرجل، ونظر الى الرجلين، ثم قال ‘يا استاذ ذبحتني’، في ذلك الوقت لم افهم عبارته بشكل دقيق واعتقدت انه يقصد بكلمة ‘ذبحته’ اعادته الى دمشق. هذه الايام وانا انظر الى اللعبة القذرة التي تلعبها كل من الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفياتي تطبيقا لتعليمات اللوبي الصهويني وبالتعاون الصريح او غيره مع بشار، وبإدارة غرفة عمليات مشتركة ثلاثية، سوفياتية – امريكية – يهوديه، مقرها بارجة البحر المتوسط، ادرك تماما ما المعنى الذي قصده السفير السوري في باريس. حمام دم، مذبحة، تطهير دموي، محاكم تفتيش، ايا كان ما يجري في سورية فهو يعبر عن نظام، وليس حالة، فما يجري في سورية هي عملية نظام لاعادة نظام. وواهم من يعتقد ان روسيا حقا تملك ارادة في المسألة الان، الاتحاد السوفياتي قبض ثمن دوره في اللعبة، على شواطئ البحر الاسود، وتلعب الان دور حجر القلعة في لعبة الشطرنج، بينما تلعب ‘السي اي ايه’ دور الوزير، وكذلك تلعب – ودون ان تدري وللاسف – المعارضة وقوى التحرير دور حجر الحصان، الذي يسير بخطى مقيدة محددة وبمسار لا يستطيع ان يغيره. نظام سورية، الذي نقل سفيره اي الممثل للشعب السوري لدى الفرنسيين، بكل سهولة نتيجة مقابلة عن طلاب، هو نفسه النظام الذي تريده غرفة العمليات في البحر المتوسط، ولأن الريح لا تأتي كما تشتهي البارجة احيانا، ونتيجة لتورط العملية في الاعداد الهائلة للمقاتلين الاحرار، وانحراف وتيرة لعبة الشطرنج بدخول اكثر من ثمانية جنود اليها، دخلت سورية في متاهة، لن يخرجها منها الا الله وحده عز وجل. تماما كما ذهب السفير السوري الذي قابلته الى حيث لم ادر اي ارض تلمه او اي سماء تقله، هكذا نرى ان المسألة السورية ليست بشار، ولا اباه ، ولا حتى حكومة الهمس، ولكنها لعبة اخرى من العاب الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني خرجت عن مسارها تماما، وتماما كما حدث في العراق، وحين ان كلفت اعادة العملية الى المسار في العراق مليوني قتيل، واربعة ملايين مهجر، ومليارات من الاموال لا يعلم الا الله كم مقدارها، وعشرين عاما من الضياغ العراقي الذي ما زال، فإني اخشى ان اقول ان اعادة العملية الى المسار في سورية، ستكلف اكثر من ذلك بكثير. ولاني لا اريد ان اهد العزائم البطولية الرائعة بل اريد الشد عليها، اقول، ومن باب التحشيد لا التنكيد، بإن من يرى ان انجازا حقيقيا يجري على الواقع السوري، بحاجة الى اعادة نظر، وتكتيك جديد. فنظام يحول سفيره في باريس الى متقاعد ممنوع الكلام في مزرعة في ضواحي دمشق نتيجة مقابلة، ومنذ عام 1991 كفيل بأن يظل ‘يمطمط ‘ ثلاثين عاما اخرى، إن لم يجد سيفا باترا. جميل سليمان [email protected]