هل هي صدفة أن يبدأ سعر النقد الديجتالي (بيتكوين)، بالارتفاع لتصل قيمة الوحدة منه إلى مئة ألف دولار أمريكي، وذلك مع نجاح دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، وبدء عهد يميني أمريكي مرشّح لأن يكون مليئاً بالأهوال والأزمات؟ لنتذكر أن قيمة وحدة البيتكوين كانت عند بدء انطلاقة هذا النقد الجديد منذ عشرين سنة تقريباً، ثلاثة عشر دولاراً فقط، وكانت قيمتها منذ عشر سنوات حوالي ألف دولار فقط.
فهل نحن بصدد ما كتبه أستاذ جامعي أمريكي سنة 2016 في كتيّبه المعنون «نظام بيتكوين السياسي» عندما ربط مجيء هذه العملة التكنولوجية الوهمية، بصعود اليمين في المجتمعات الغربية الرأسمالية؟ عند ذاك فسّر مجيء وصعود مختلف العملات الوهمية، وعلى الأخص البيتكوين، على أنه خطوة يمينية من أجل تحرير النقد العادي، من أي تنظيم أو سيطرة من قبل الحكومات والمؤسسات البنكية التابعة لها. ذلك النقد الوهمي، كان تابعاً لعالم التكنولوجيا، الذي بدوره كان يتغيّر بصورة مذهلة، وبالتالي تصعب السيطرة عليه. وليس هنا مجال الدخول في التفاصيل المعقدة لنظام البلوك شين (Blockchain) الديجتالي الذي ارتبط به نقد البيتكوين أشد الارتباط من أجل أن تبقى صورة النقد الجديد غامضة، وفي الوقت نفسه جذّابة للمضاربة بها.
ما يهمنا طرحه هو إن كانت التلاعبات والمضاربات بالنقد الوهمي هذا، ستكون مقدمة لما ينوي دونالد ترامب فعله من تغييرات في العلاقات التجارية الدولية، ضدّاً لقرارات مجموعة بريكس الأخيرة للخروج من سيطرة الدولار، وبالتالي أمريكا، على كل العلاقات النقدية العالمية؟ وهل أن دول البترول العربية الغنية ستدفع بالقوة والابتزاز نحو الدخول في لعبة البيتكوين المقبلة؟ وهل أن هذه الدول تهيئ نفسها مجتمعة لتتجنب مصائب ما قد تأتي به لعبة اليمين في الغرب الرأسمالي؟
مجيء دونالد ترامب، بالنسبة لنا كعرب، لن تقتصر مفاجآته على ساحة النقد والتجارة، بل ستمتد إلى ساحات السياسة في الوطن العربي كله، خصوصاً بالنسبة للموضوع الفلسطيني، فالتعيينات الجديدة في الحكومة الأمريكية الترامبية، أصبحت تفاجئنا يومياً بمواقف وأفكار وأهداف ترمي إلى مزيد من السيطرة الأمريكية، وبالتالي الصهيونية، على مصائر العرب، كل العرب. في هذه اللحظة، لحظة حكم الحزب الديمقراطي الأمريكي وقائده المخرّف، هناك الوجود والنفوذ والهيمنة الأمريكية بقوة في ما لا يقل عن ثلثي الوطن العربي. لكن ذلك الوجود والنفوذ والتأثير سيتضاعف عند مجيء شخصية نرجسية، غريبة الأطوار، غير متزنة، وغير مبالية بالنتائج، كما هو الحال بالنسبة لشخصية دونالد ترامب، التي كتبت عشرات الكتب في وصفها وتحليلها، وأجمعت كلها على أننا أمام شخصية بتلك الصفات التي ذكرناها.
لا توجد أهوال في الدنيا لا يمكن مواجهتها ودحرها إن وجدت الإرادة السياسية المشتركة وقامت هي الأخرى بتجييش الشعوب
الآن نرى أمام أعيننا أن أمريكا تهيمن على الأوضاع المتردية في فلسطين ولبنان والسودان واليمن وليبيا والمغرب العربي ومصر والأردن وسوريا ودول الخليج العربي. في كل تلك البقاع لها الكلمة الفصل في تخفيف الأزمات، أو في تفجيرها أكثر وأشد عندما يخدم مصالحها. لكن تلك الشخصية الأمريكية المهزوزة لن تكتفي بذلك، إنها تتكلم عن الدخول في ساحات الدين والتعليم والثقافة برفقة الكيان الصهيوني، لتخلق ما تسميه الشرق الأوسط الجديد ويتباهى نتنياهو المجرم بقرب تحققه في كل أرض العرب.
إذن فحكّام بلدان العرب وبلدان المسلمين أيضاً سيكونون مواجهين لرياح عاصفة، على الأقل طيلة الأربع سنوات المقبلة، فهل سيتحركون لإعداد بلدانهم وشعوبهم لمواجهة ذلك الطوفان، أم أننا، وكالعادة مع الأسف، سننتظر حتى تنفجر الأمور في وجوهنا ويصل القائد الأمريكي إلى أعلى مراحل أحلامه النرجسية في تعامله مع كل قضايانا الوطنية والقومية والإسلامية؟ لا توجد أهوال في الدنيا لا يمكن مواجهتها ودحرها إن وجدت الإرادة السياسية المشتركة وقامت هي الأخرى بتجييش الشعوب، وعلى الأخص شابات وشباب تلك الشعوب.
*كاتب بحريني