كل الأشياء،
كانت ناطقة ومازالت وستبقى
تجيب حين نسألها ولا نسألها دون حرج أو تذمر
وتفشي صادقة أسرارها بلا حرج خوف أو حياء،
وحين تتلعثم ننطقها بما أوتينا من دهاء العقل
وقسوة القلب.
أتراها تخفي علينا أحوالها
أم ترانا نخفي عنها دهشتنا،
أم نصغي إليها لنسمع منها ما نريد؟
غريبة تلك النسائم،
التي تحدثني،
كلما مررت بها
بلغة لا تشبه الأخرى،
وأصغي إلى الجدول
وأكتب ما تمليه عليّ الينابيع شذرات وشذرات،
وعواء الذئاب يوقظ فيّ الحنين إلى الكهوف
وروح الوفاء،
والصخور السوداء التي تختزن آلام النار تحاكي آلامي.
يتساءل الشاعر :
كم لك أيها الأفق من الألسن؟
أأنت أنت الذي تضحك وتعبس وتفرح وتحزن؟ أم أنا؟
يا لغة الأشياء والإشارات
يا من علّمتَ الخلق التأويل والبحث عما وراء،
أين هم شعراء البوح وفلاسفة المابعد
الذين أصغوا لصمتك المدهش
في عالم لم يعد يغري
لفظت الوردة روحها الأخيرة،
وظلال الزيزفون لم تعد مساكن العشاق،
والغروب ما عاد يوحي بالوداع،
والفيلسوف الذي لفظ أنفاسه الأخيرة في الغابة السوداء
لم تحيِ الغابة ذكرى رحيله،
حين ودع أحمد شجرة البيلسان في بادية الشام
وسماءها ليلة صيف،
ما عاد له مكان على هذه الأرض ويعيش الزمان في الخلاء.
الفرِد المتفرد وحده يعيش تجربة الصعود إلى السماء،
على متن أجنحة الكلام التي لا تطيق البقاء في الصدر الممتلئ بصور الآهات،
ذلك القلب الذي يعيش تحولات القمر،
وأحوال حياة الشمس،
وتوالي الليل والنهار
وفصول الطبيعة كلها
يقيم في بيت تعربشت عليه كل ألوان الحياة:
من أخضرها إلى أصفرها،
ومن أسودها إلى أبيضها،
ومن أخضلها إلى أيبسها،
ومن أفرحها إلى أحزنها.
شاعر وأكاديمي فلسطيني سوري