تشخيص الحالة الداخلية الأردنية أوضح من أي إمكانية لإخفائه هذه الأيام …كذلك تشخيص طبيعة وخلفيات وسبب المشكلات وبالتالي النتائج المتوقعة .
كل شيء في إطار السياسة الداخلية يبدأ ناعما ودودا جميلا مدهشا في بعض الأحيان وبعبارات « إنشائية» لافتة للنظر وتتسم بالوضوح مع ذخيرة من الوثائق التي درسها مئات المثقفين والخبراء والسياسيين تشكل مرجعا يمكن الإعتماد عليه.
بأيام فقط يتلاشى كل هذا البهاء اللفظي عندما يتعلق الأمر بالتخطيط السياسي والإقتصادي ..بمجرد إنتقال الأفكار للمستوى التنفيذي والبيروقراطي تختلف المسألة فتتهاوى الأفكار النبيلة ويتم تشويه العبارة الإصلاحية وتغادر المشاريع الإصلاحية كل السكك المتاحة فيظهر النشاز ويحتار المواطن وتستوطنه الخيبات وسرعان ما يشعر الجميع بأن البلاد برمتها «خارج التغطية».
خلافا لما عهده الأردنيون يشمل هذا السقوط الإداري السريع حتى المشاريع الطموحة الإصلاحية التي تصدر عن المرجعيات دون أن يرغب أحد ما في التوقف والتأمل وإستخلاص الدروس لكي تنهض البلاد من جديد أو حتى دون إفساح المجال للتعبير عن «الولاء الحقيقي» في مملكة غادر حكمها كل أسئلة الشرعية وتمثل أقدم نظام حكم في الكرة الأرضية حاليا.
كنا نقول بالعادة : لا أحد يريد أن يعرف لماذا تتهاوى الأفكار الإيجابية فجأة بمجرد وضعها في أحضان نفس الوجوه والرموز التي كانت دوما هي المشكلة في الأردن ولا يمكنها أن تكون الحل .
اليوم نقول: الجميع يعرف لماذا يحصل هذا السقوط الإداري ولا يريد التحدث عن التفاصيل ليس خوفا بل ضجرا فلا يوجد أردني واحد دفع ثمنا لرأيه وموقفه عندما تحدث بمسؤولية وطنية وفي إطار القانون…رغم ذلك تحول المجتمع السياسي النخبوي إلى نشاط متفاعل ودائم بلغة الصم والبكم حيث الإشارات في الأصابع للأعلى والأسفل وترقيص الحواجب وإبداء مظاهر الحيرة وإصدار غمغمات لا معنى لها تنتهي بإستقرار الجميع في حقل من الإحباط والإحتقان.
لا يوجد مستقبل لوطن يغرق في التساؤلات عند كل صغيرة وكبيرة ولا يوجد كم هائل من النميمة السياسية في اي بلد في العالم كالأردن ولاأحسب شخصيا بأن المجتمع السياسي الأردني له نظير في العالم حيث يقبل الفرد بإفشال الوطن برمته أو حتى إيذاء النظام وسحب رصيده الشعبي فقط لكي يقنع العالم بانه الأجدر في الصدارة التي تزاحم على عتبتها القوم حتى غادرتها الجدارة.
الحلقات الوسطى خاملة ونائمة بالعسل. وكلمة الملك للناس لا تصل ولا يوجد إعلام ملكي جدير بإيصال الرسائل وكل من حول الملك عبدلله الثاني ويعملون معه لم يقوموا بواجبهم المنطقي في تفعيل النقاش الوطني حتى بالأوراق التي طرحها الملك شخصيا للنقاش العام .
وبسبب الإعلام المرعوب أو المركوب وتلك النظريات المعلبة البائسة في العقل الأمني عن حرية التعبير ووسائلها وسقفها لا يوجد إستراتيجية إعلام واضحة المعالم رغم وجود مئات الأوراق الإستراتيجية التي حددت المشكلة وشخصتها ووضعت الحلول.
مفارقات لا يمكن رصدها إلا في الحالة النخبوية الأردنية..بعضها مضحك وعلى سبيل المثال: وزير سابق للإعلام يعترف بأنه وضع إستراتيجية لكنه لم يطبقها. آخر شكل لجنة ووضع إستراتيجية موازية لكنه لم يجد الأوراق عندما طلبها .
على طريقة تهافت التهافت يعترف وزير ثالث سابق للإعلام بان الإستراتيجية الوحيدة هي عدم وجود إستراتيجية أصلا فيما يسجل مثقف تسرب للخلايا الرسمية ولا ينتبه له عمال الإحباط في الإدارة العليا للدولة بان الغموض هو الإستراتيجية.
سمعت في الواقع شيئا مماثلا يثير الإبتسامة من الشيخ علي الحلبي رمز السلفية «المعتدلة للغاية» عندما سألته فقال بذكاء : من السياسة عدم التحدث بالسياسة…يعني على طريقة دريد لحام ..هذا الحليب بدون حليب والسياسة في الأردن تدار بدون سياسيين.
لذلك يؤكد لي رئيس سابق للوزراء نظريته العبقرية في الإدارة والمعتمدة على «عدم التحدث عن مشاكلنا» حرصا على الإستقرار العام في الدولة والمجتمع…قد تكون عمان العاصمة الوحيدة في العالم التي يطرح فيها احد كبار ساستها نظرية من هذا النوع.
الأداء في آخر قضية جدلية والتي حملت إسم الكنز والتجسس الإسرائيلي المفخخ كان صادما للغاية..نخبة من كبار المسؤولين يتحدثون للرأي العام فيقول أحد أهمهم بانه حضر بناء على رغبة رئيس الوزراء فيرد عليه رئيس الحكومة قائلا ضمنيا له ولأقرانه في الحكومة الأمنية» ..لا أعرف عن ماذا تتحدثون فقد حجبتم عني المعلومات».
مشهد سيريالي وغير مسبوق فقد وصل التخبط الإداري لحد تبادل الرسائل الملغزة وعبارات المناكفة أمام الكاميرات بين نخبة من أكبر مسؤولي البلاد وإلى حد ان المؤسسة العسكرية وبصورة غير مسبوقة وبدون مبرر وبسبب ضعف النخبة السياسية أصبحت طرفا يضطر لتوضيح وشرح نفسه والتحدث للرأي العام.
سياسيون وإداريون تنقصهم المهارات والمعرفة او خدمتهم المحاصصة القبلية والجغرافية السقيمة أو قفزوا بالصدفة يستحكمون في كل مواقع القرار والوظائف العليا فيعيدون إنتاج «قدراتهم البائسة» بين يدي صاحب القرار المرجعي ويحطمون الجرار كالفيلة لعدة سنوات وفي اي لحظة يتم التخلص منهم فيها يختبر الوطن برمته ويدفع النظام نفسه ثمن موجة من المناكفات والشائعات.
للأسف لم أر في حياتي شعبا يعتقد كل من يعمل منه في العمل العام والوظائف الدنيا بأنه «الوزير أو السفير» الأجدر بالوظيفة ولم أر أجهزة رقابة إدارية توافق على «ترقية إدارية» لشاب يعمل حلاقا ولم يزر مكتبه في بلدية العاصمة منذ سبع سنوات وقد يكون سكان الطبقة إياها الأغرب حيث يصلح أحدهم للوزارة ولموقع متقدم في الرتبة العسكرية وسرعان ما يتقاعد ليصبح نائبا في البرلمان ثم عضوا في مجلس الأعيان يبدأ بإستراتيجية إعاقة رئيس الوزراء العامل للإطاحة به وإسقاطه والجلوس مكانه.
لذلك لا تشعر في الطبقة السياسية الأردنية بوجود «متقاعدين» أو حتى مفكرين.
٭ مدير مكتب «القدس العربي» في الاردن
بسام البدارين
كلامك صحيح مئة بالمئة, عدم المنطقية والعجز التام في تحليل الامور, ومن ثم ايجاد حلول مناسبة لها, لا يقتصر على السياسيين فقط… بل ان تلك الحالة من الشلل الفكري, تنطبق عى معظم شرائح المجتمع الاردني وافراده, هي فعلا حالة محيرة وتستدعي الدارسة والتحليل.
كل مواطن تقريبآ…الا ما ندر, هو جزء من منظومة الفساد الاخطبوطية المسيطرة.
ربما الجواب يكون في علم النفس والامراض العقلية… فقد يكون التفسير له علاقة في تركيب الجينات الوراثية وفي الصحة العقلية في كل المجتمعات العربية بلا استثاء
ربما “النرجسية والشيزوفرينيا” هما السبب للانحطاط والفساد الفكري والسياسي والاجتماعي في الوطن العربي. لا بد ان يكون هناك تفسير علمي للعجز التام في عدم قدرتنا على التفكير المنطقي الذكي, لحل المشاكل.
محاولة رائعة يا بسام البدارين لتشخيص الأزمة من خلال فكفكة وتحليل أزمة الحكم في الدولة الديمقراطيّة/الديكتاتورية الحديثة ليس فقط في الأردن من وجهة نظري بل على مستوى جميع أعضاء الدول في نظام الأمم المتحدة التي تعتمد اسلوب نظام شعب الرّب المُختار من قبل السّامري (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) والدليل على ذلك استفتاء اسكتلندة الذي حصل وفي الطريق كتالونيا والباسك وبافاريا وغيرها وقبل كل ذلك فلسطين والكيان الصهيوني.
وأضيف أنَّ نظام الحكم في الدولة الديمقراطية الحديثة مشابه لطريقة لعب كرة القدم الأمريكية، حيث يجب أن لا تبتدأ أي لعبة بدون رئيس الفريق، وهو يعتمد في نفس اللعبة بشكل اساسي على دور السّامريّ (المدرّب وإدارة النادي) ومن ورائهم يأتي دور المثقف لتبرير كل تحركاتهم مثل دور المعلق الرياضي.
في حين نظام الحكم في عصر العولمة فرض طريقة لعب كرة القدم التقليدية، حيث رئيس الفريق دوره لا يتعدّى كونه دور تنسيقي أثناء اللعب، والجميع يعمل على خدمة من يملك الكرة للمساعدة في تسجيل هدف في مرمى الخصم.
الشعرة التي قصمت ظهر البعير كما يُقال في الأمثال هو ما حصل من قبل داعش في العراق وسوريا، وما حصل من قبل الحوثيين في اليمن قلب الطاولة تماما على الجميع.
حيث العولمة وأدواتها قامت بفضح كل من يدعي أنّه يلعب كرة قدم تقليدية، مع العلم أنّ كل نظامه مبني على اسلوب لعب كرة القدم الأمريكية، فظهرت كل التناقضات على السطح بشكل فاقع، حيث تبين أنَّ حتى السّامريّ (الجيش والأجهزة الأمنية والقضائية) بلا سيادة ولا وطنية أي لا يستحق أن تكون له هيبة؟!
فكيف سيحترم المواطن أي مسؤول بعد ذلك وهو لا يستحق أن تكون له أي هيبة؟!
ما رأيكم دام فضلكم؟
يا أستاذ ممكن تعرج على موضوع عادل أمام و هيفا رجاء !