حين عرف المناطقة الإنسان بطريقتهم قالوا إنه حيوان عاقل أو ناطق، أو كاتب أو ضحاك. هذه هي شروط بشريته التي تميزه عن الحيوان بما هو جنس تحته أنواع كثيرة. العاقلية هي قدرة الإنسان على أن يفكر بوعي ويختار ويقرر ويخطط بإرادة؛ والنطق هو القدرة التي للإنسان لا على أن يصوت فهذا مشمولة به أنواع الحيوانات الأخرى؛ بل على أن يصدر بالأصوات لغةً؛ فمن المعلوم أن المستعمل المفهوم من المنطوق أو الملفوظ هو ما يؤلف اللغة.
أما الكاتبية فهي قابلية الإنسان أن يمثل اللفظ بالخط. وأخيرا، فإن القدرة على الضحك هي سمة من السمات الرمزية التي تطلق على الحالات النفسية الخاصة بالبشر من بشاشة وهشاشة وحزن ونكد وغيرها. جميع هذه الفصول الذاتية أو الشروط الضرورية والكافية للإنسانية ليست على قدم المساواة فجميعها تتحكم فيه العاقلية، أي القدرة على معالجة الأنشطة البشرية المذكورة (النطق الكتابة والضحك) معالجة ذهنية، لكن ماذا لو يحدث أن يصاب العقل بـ«لوثة» اسمها الجنون: هل يؤثر ذلك في معالجة اللغة بما هي نشاط بشري؟
جاء في كتاب التعريفات للجرجاني «الجنون هو اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأفعال والأقوال على نهج العقل إلا نادرا». وقال عن المجنون هو: «من لم يستقم كلامه وأفعاله». ولا يختلف تعريف الجنون بالمعنى القانوني حديثا من أنه «حالة مرضية تصيب عقل الإنسان وتفكيره وتعطل قدرته على الإدراك، سواء بصفة دائمة أو مؤقتة». لا شك في أن التعريف القانوني الذي وضع لإسقاط ركن المسؤولية على الأفعال، يحيل على الخلل ذاته ويجعل المرض «عقليا» «يعطل القدرة على الإدراك» وهذا في رأينا البسيط يحتاج تدقيقا وضبطا، لأن العقل لا يمرض وأنه لا تعطيل لقدرة الموسوس على الإدراك بالمعنى العرفاني للكلمة.
نسمع ونحن نمر في الشارع كلاما يصدره من أصيبوا بهذه «اللوثة» العقلية، فإذا هو كلام مسترسل وصحيح؛ بل إننا ربما تواصلنا معه بالكلام عن جهل بلوثته أو عن دراية، فنجد محدثنا يكلمنا بقول عادي ليسألنا شيئا أو ليفيدنا بأمر، وكل ذلك بكلام مفهوم. ونتأمل الكلام الذي يصنعه فنجده خاليًا من جهة نظامه الأدائي للغة من الخلل. فاللغة بما هي نظام من القواعد المتقاسمة بين جماعة لغوية واحدة تشتغل لديه اشتغالا سليما، مثلما تشغل عند غيره من «العقلاء». هناك أمراض تصيب الدماغ فتؤثر على الأداء اللغوي السليم وأشهر الأمثلة عليها الحبسة التي هي اضطراب في الأداء اللغوي نتيجة إصابة بعض مواضع الدماغ بضرر أو بعطل ومنها حبسة بروكا (أو الحبسة التعبيرية) التي هي فقدان جزئي أو كلي للقدرة على الكلام أو التعبير ؛ وكذلك حبسة ورنايك (أو حبسة التلقي أو الطلاقة) التي هي فقدان للقدرة على الكلام، وبالتالي على فهم معانيه، لكن الحبسة ليست معدودة بكل تأكيد في الجنون.
إن ما يجعلك تنتبه في الكلام إلى أن بالمتكلم مسا من الجنون، ليست اللغة في ذاتها فهي سليمة لا لحن فيها صحيحة لا عوج فيها؛ بل تنتبه إليه من خلل عمل سياق Context الكلام.
إن ما يجعلك تنتبه في الكلام إلى أن بالمتكلم مسا من الجنون، ليست اللغة في ذاتها فهي سليمة لا لحن فيها صحيحة لا عوج فيها؛ بل تنتبه إليه من خلل عمل سياق Context الكلام. السياق في هذا المضمار هو كل معرفة مفيدة تعيننا على فهم القول، سواء أكان السياق لغويا يرتبط بمحيط الكلام اللغوي، أم كان مجاوزا للغة يرتبط بما يخرج عن الكلام ويتعلق بالظروف الاجتماعية والثقافية والسياسية والتاريخية.. المحيطة بالكلام، التي هي عناصر ضرورية في فهمه فهما جيدا وفي تقييمه. قد يدل السياق بما فيه من خلل على أن بالمتكلم جنونا لكنه لا يمكن أن يكون دليلا قاطعا ولا كافيا بمفرده على ذلك. يستخدم من يستمع إلى كلام من بعقله لوثة عناصر غير لغوية للحكم على أن ما يقال غير مفهوم؛ ومن هذه العناصر يستنتج أن ما يقوله غير مفيد. إن نظرنا إلى انسجام بناء الكلام وهو الذي يسمى ترابطا أو اتساقا، فإن أغلب العناصر المؤسسة له لا يختل فيها النظام من الجانب النحوي والنصي؛ فالتركيب في الجمـــل سلــيم يراعي قواعد اللغة والترابط من جهة الانتقال بين العناصر يمكن أن يكون موجودا، وحتى لو حدث انتقال بين جملتين لا رابط يشدهما فذلك نابع لا خلل في الترابط نفسه، بل من غموض أو ضبابية في إدراك مقاصد الرسالة. لكن المشكل الحقيقي يكمن في ما يسمى بإبداعية السياق الذي يجعل المحادثة تتطور بتطور التفاعل بين المتخاطبين؛ هذا العنصر هو منطقة الضعف الدالة أكثر من غيرها على أن في عقل المتكلم لوثة انعكست في كلامه. هي قد تدل مع غيرها من العناصر التي ذكرنا (الهيئة، السلوك) لكنها ليست في ذاتها دليلا عليه.
وإن نحن نظرنا إلى سلاسة الكلام من جهة معناه وهو الذي يسمى انسجاما Coherence، فإن قوله يبدو من هذه الناحية غير مرتب ولا منسجم إحاليا أو غرضيا في الغالب وليس العيب فيه في ذاته، بل في عدم امتلاك المستمع لتلك العناصر التي بها يصنع الانسجام المختل في الكلام؛ فهي في قبضة المتكلم لوحده لا يحيط بها مستمع الصدفة علما؛ ولمَ تراه يفعل وهو لا يحدثه، بل كأنه يحدث بكلامه طرفا آخر لا يعلمه إلا هو؟ العناصر المقامية هي أقوى في الدلالة على عدم انسجام كلام مم من فيه هوس. يمكن أن يستعمل الممسوس جملا مكررة أو منقوصة لا تفهم لغموض السياق، ويمكن أن يستعمل جملا شهيرة يعرفها المستمع في سياقاتها التي قيلت فيها، غير أنها تكون عندئذ منتزعة من سياقها كأن يقول: «هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية». هذه جملة تونسية شهيرة قيلت إبان الثورة. يمكن أن تستمع إليها فجأة فتتذكر سياقها التاريخي الذي قيلت فيه، ولن تجد ما يصلها مع المقام الذي تقال فيه. يمكن الحديث لدى الموسوس عن كلام أو أقوال تفقد في الغالب ترابطها مع محيطها وتشكو من تداخل أو إبهام إحالي بالنسبة إلى من يستمع إليها، لكن تلك الأقوال باعتبارها جملا هي مفهومة أو دالة لكن الدلالة فيها لا تقود أبعد من فهم معاني الجمل غير أن البعد التداولي فيها مبهم.
أن يقول المجذوب بالتونسي وحده ومن غير سبب «برة زمر إنتِ واللي حطك!» (اذهب إلى الجحيم أنت ومن نَصبك) فلك أن تفهم أن الضمير (أنت) في كلامه هو ضمير حضور ولكنه في ذهنه ضمير يحيل على حاضر في الذهن لا في المقام؛ هو يخاطب غائبا يستحضره في الذاكرة ويجعله ماثلا بين يديه ويتمرد عليه بكلام ربما تمنى أن يقوله يوم كان عاقلا. نحن الحاضرين مع هذا الشخص الذي يقول هذا الكلام في الفضاء نفسه ( الشارع، القطار، مشفى المجاذيب..) لسنا معنيين بقوله، دليلنا أنه لا يوجهه إلينا، بل عبرنا؛ لكننا مستمعون متقبلون غير معنيين مباشرة وربما كنا معنيين مباشرة حين نخاف أن نكون ذات يوم مثله قد فقدنا عقلنا، بوصلتنا.. فليس بين العقل والمس غير خيط عنكبوت واهٍ.
٭ أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية
تحياتي صديقي توفيق
لماذا عنوان (لغة الممسوسين)، وما الفائدة من الاهتمام بلغة المجانين، بعد قراءة ما ورد تحت العنوان، بدل لغة أهل العقل، والأهم بناء على ذلك، لماذا لا يهم عند أي موظف جودة الإنتاج؟!
لأن من وجهة نظري هذا مثال عملي عن عنوان فلسفة/سياسة التشكيك، التي ثار ضدها الإنسان والأسرة والشركة المُنتجة للمُنتجات الإنسانية، في أجواء العولمة والإقتصاد الرقمي/الإليكتروني،
فالموضوع نفسه في الصين التي قبلت أن تجرّب حتى دولة بنظامين رأسمالي (هونغ كونغ) أو شيوعي (تركستان الشرقية)،
والذي من وجهة نظري هو نفسه سبب حصار قطر، الذي بدأ في الذكرى (50) سبحان الله (5/6/2017)، بعد تشغيل التقييم الآلي في الرياض لتقنية أتمتة الحوكمة/الإدارة الآلية، في الحرب على الإرهاب،
مقابل ذلك لا يقوم دلوعة أمه (دونالد ترامب) تطبيق قانون جاستا ضد العرب والمسلمين،
لأن الزعيم الوحيد الذي لم يفهم الطبخة يومها، كان العاهل الأردني، الذي طلب بكل صراحة أن كرسي سلطة الحكم بالعربي والإنجليزي تخصيصه فقط لآل البيت الهاشمي/العلوي،
ولذلك كان رد الملك سلمان بن عبدالعزيز واضح وصريح ومباشر ويتجاوز كل الأعراف الدبلوماسية،
عكس طريقة تصرفات دولة الإمارات العربية المتحدة مع طريقة هروب (الأميرة هيا)، كما هو حال خطاب (الملكة رانيا)، للتبرأ من سوء مناهج التعليم والأجور في الأردن، التي تجاوزت بها كل الأعراف والأخلاق والعادات.
ولذلك السؤال هنا من يضحك على من، أو من هو أخبث مِن مَن، ولحساب من، ومن ضمنهم دولة الكيان الصهيوني من جهة والفارسي من جهة أخرى الديمقراطية؟!
لإشكالية الحوكمة والإدارة في أجواء العولمة والإقتصاد الرقمي الإليكتروني، ولكن السؤال كيف، هو الأهم، لماذا؟!
الإصلاح يبدأ من إصلاح مناهج التعليم بلا بخل يماني أو فهلوة مصري،
Arabic request, Turkish cooked, Taiwanese make tools for cooking,
So we can cooked it at any home,
That’s basically Taiwanese Saleh Project, to save any state Economy, to survive in Globalization e-Economy environment.
فمثلاً ما دام تجارة الترفيه هي ما تدعمه السلطة في دول مجلس التعاون في الخليج العربي،
من أجل دفع عدم تطبيق قانون جاستا لسرقة أموال العرب والمسلمين من دلوعة أمه (دونالد ترامب) فلم لا ندخلها إلى المساجد، كذلك؟!
ولكن السؤال هنا، من أخبث مِن مَن هنا، القنّاص/المقاول الذي أحضر الأجهزة للمسجد كمبادر، ومساهم مع السلطة في خدمة أهدافها من أمواله كنموذج وتطبيق عملي، أم هي عقلية لاس فيغاس لدى البدو، في الترفيه الصحراوي حتى داخل بيوت الله؟!??
??????