لا حاجة لأن يكون المرء في سر الاتصالات السياسية حتى يلاحظ تأثير واشنطن على مواقف إسرائيل في المسائل المركزية الثلاثة التي هي على جدول الأعمال الأمني: مزايا الرد ضد إيران؛ والقتال في لبنان وبشكل محدد غارات سلاح الجو على بيروت؛ وإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع، حيث تجري عملية الجيش الإسرائيلي.
المرونة التي تضطر إسرائيل لإبدائها في هذه المسائل جزء من الثمن لقاء المساعدات الأمريكية لمواصلة القتال ولسيناريوهات الرد المحتملة من جانب إيران. لا يدور الحديث عن ثمن زهيد؛ فتقليص الغارات الإسرائيلية على بيروت والفهم بأن هذا نتاج توافقات بين واشنطن والقدس، يمس بالزخم الذي خلقته إسرائيل حيال حزب الله، ويعزز الثقة بالذات وإحساس الحصانة لمسؤوليه ويسمح له بالانتعاش. إذا أضفنا إلى ذلك إحساس الإنجاز عقب ضربة المُسيرة لقاعدة غولاني واستئناف النار الصاروخية نحو أهداف في عمق إسرائيل وشمالها، سنتمكن من فهم أسباب الخط الحازم الذي اتخذه نعيم قاسم، أمس. في خطابه، عاد وشدد على الارتباط بين لبنان وغزة، وروى بأن منظمته تجاهلت الاقتراحات التي جاءت لسحب قواتها 10 كيلومترات عن حدود الشمال.
إن لجم أعمال الجيش الإسرائيلي في لبنان لن يطيل الحرب فقط، بل سيزيد المخاطر للمس بأمننا وبالجبهة الإسرائيلية الداخلية. ومثله طلب إدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال القطاع؛ فهذه المساعدات تسمح لمخربي حماس بالبقاء في المناطق التي يطلب الجيش الإسرائيلي إخلاءها، وتعزز قوتهم، وتضعف الضغط الذي تمارسه إسرائيل على السنوار بعملها في هذه المنطقة.
ينبغي أن تضاف إلى هذا، النجاحات التي سجلتها حماس هذا الأسبوع في المس بقواتنا، ونار الصواريخ نحو إسرائيل، وسلسلة خطابات مسؤوليها في ختام سنة على مذبحة 7 أكتوبر. بالتأكيد، نفهم لماذا لم تسارع حماس لطلب “صفقة”.
إن مصلحة الإدارة الأمريكية تخفيض مستوى اللهيب في كل الساحات منعا لاشتعال حرب إقليمية،
تؤدي عملياً إلى الاستنزاف، وإطالة الحرب، وتفويت الفرصة لتحقيق حسم واضح، وذلك بالضربة القاضية وليس بالنقاط. لن تسمح إسرائيل بهذا لنفسها، ولا يحق لها أن تفوت الفرصة التاريخية الناشئة لإحداث تغيير جذري في الساحتين.
وعلينا العمل حيال واشنطن لإزالة الاضطرارات بالتوازي مع الاستعدادات المرتبطة بإيران. من الحيوي مواصلة الهجمات على بيروت ومنع إحساس حزب الله بالحصانة في كل مكان هم فيه. بالنسبة لشمال القطاع، فإن بتر المنطقة وإخلاء السكان منها ضروري لمنع انتعاش حماس. كما أنه يخدم الحاجة لممارسة الضغط لتحرير المخطوفين. ما دامت إسرائيل تسمح بتموين منتظم في مجالات قريبة، فمن الصواب أن تصر على موقفها بعدم السماح بتموين شمال القطاع.
هدم منازل مخربين إسرائيليين أيضاً
جملة العمليات وأعمال الإرهاب بمشاركة مواطنين عرب إسرائيليين، في ذروة حرب قاسية متعددة الساحات، تستوجب الخروج عن السياسة المتبعة واستخدام وسيلة ردع لم تستخدم حتى الآن ضد مواطنين إسرائيليين. ويجب هدم منازل المخربين.
سيقال على الفور: الغالبية الساحقة من المواطنين الإسرائيليين العرب تتحفظ من أعمال الإرهاب وتبتعد عن محافل الإرهاب. وهي محرجة من مثل هذه الأحداث التي شهدناها في بئر السبع والخضيرة، أو من كشف شبكات مثل تلك التي خططت لتفجير سيارة مفخخة في أبراج عزرائيلي. هذا الجمهور يفهم الإمكانية الهدامة التي تعكسها هذه الأحداث على علاقاته الحساسة مع الجمهور اليهودي، والقلق من التهديد الذي تشكله على اندماجه الاجتماعي والاقتصادي في الدولة.
في نظرة إلى مدى الظاهرة، يمكن رؤية أن معدل المشاركين في الإرهاب بين هؤلاء السكان زهيد أيضاً، غير أن آثار الظاهرة هدامة دون أن توازن بالنسبة لحجومها.
إن عملية إرهاب تنفذ بمشاركة مواطنين إسرائيليين تتسبب بفقدان الثقة وتضعضع الأمن، في ضوء خوف من “عدو داخلي” يستغل حرية الحركة وقدرة الوصول إلى أي مكان في إسرائيل للمس بها، كون المخرب مواطناً مديناً بواجب الولاء للدولة. فضلاً عن ذلك، إن عمليات إرهاب كهذه توفر تشجيعاً للعدو وتخلق ساحة تصدّ أخرى لجهاز الأمن، الغارق بمهام أخرى الآن.
كل هذا يستوجب من الدولة تحديد سياستها ليس وفقاً لحجوم الظاهرة، بل بناء على خطورتها وأضرارها. وهذا يتعلق بعقاب وبوسائل ردع الآخرين عن الانضمام إلى دائرة الإرهاب. سرعة رد أجهزة الدولة تؤثر على نجاعة الرد، ومن هنا الأهمية لإجمال السياسة الواجبة وتنفيذها بسرعة.
مئير بن شباط
إسرائيل اليوم 16/10/2024