إنهم عرفوا وتوقّعوا حدوث ما حدث من عمليات مسلّحة، سواء بسلاح ناري أو أبيض، ويعرفون أنه لن يتوقف عن الحدوث في العقود القريبة المقبلة. إنهم يعرفون أن الاحتلال هو أسوأ أنواع الإرهاب، ويدركون أن أي شعب يقع تحت الاحتلال سوف يقاوم، خصوصاً أنه ليس احتلالاً عادياً، بل هو احتلال إحلالي، يسعى لنهب أكبر مساحة ممكن من الأرض وإبقاء أقل ما يمكن من أصحابها عليها، بكل وسائل القمع الذكية والغبية، على حد سواء، بالقوة أو بالشّراء، بالاتفاق أو بالاغتصاب، ولكنّهم يقدّرون أنهم قادرون على استيعاب تكلفة هذه السياسة.
إنهم يعرفون أنهم يمارسون العنصرية ويعرفون أنهم دولة أبرتهايد، ويتمنّون أن يمارسوها بأقذر صورها، ويتمنّون تكرار ما حدث عام النكبة من تهجير. إنهم يعرفون ويمارسون العنصرية بوعي تام، عندما يبنون مستوطنات في النقب لجذب سكان يهود إليه، وفي الوقت ذاته يهدمون بيوت أهله البدو، ويحرمونهم من مقومات الحياة التي يبدعونها بأيديهم وبدون أي جميل من الدولة.
لا يمكن وجود جسر تفاهم ثابت بين محتل يطرد إنساناً من أرضه وصاحب الأرض، حتى إن وُجدت علاقات عمل وتجارة، فهي مؤقتة ولا تلغي وجود الصِّراع
إنهم يعرفون إلى ماذا يمكن أن يؤدي كل هذا، ولكنهم يعتقدون أنهم قادرون على امتصاص النتائج. إنهم يفكّرون على طريقة اليانصيب، حيث تكون نسبة أن تتلقى رصاصة أو طعنة أو حادثة دهس وأنت في الشارع، هي نسبة واحد من المليون، أنت وحظّك، وهي نسبة لا تقارن بنسبة «الرِّبح» المرتفعة في سحب اليانصيب الفلسطيني، حيث أن فرصة الإصابة بالرصاص، أو بالهراوات، أو الاختناق بالغاز ترتفع إلى مئات الأضعاف. هم يعرفون ويدركون جيّداً، أن كل ما يفعلونه لن يمرَّ بهدوء، ويدركون أن الفلسطينيين أصحاب حق، وعلى الرغم من ذلك لا بد من التنكر لهم ولحقوقهم، لأن الاعتراف بالحق الفلسطيني يعني تآكل المشروع الصهيوني ونهايته، فهو قائم على أساس عدم الاعتراف بالشعب الآخر في فلسطين، بل هذه هي ركيزته الأساسية. إنهم يعرفون لماذا حدثت الانتفاضات السابقة منذ عام 1928 إلى 1936 إلى يومنا، ولماذا نشأت تنظيمات مسلحة، وماذا كانت أهدافها، ويعرفون أن انتفاضات شعبية لاحقة آتية في الطريق لا ريب في ذلك، ولكنهم يعتقدون أنهم قادرون على دفع الثّمن، وابتلاع كل فلسطين، بخسائر ممكن لهم استيعابها. إنهم يعرفون أن الاستيطان والمستوطنين لا يجتمعان مع السّلام، ويدركون جيّداً هم والعرب الذين يطبّعون معهم، أنهم عندما ينادون بالرغبة في السّلام، لا يعنون سوى أمر واحد، هو وصول الفلسطيني إلى نقطة اليأس وانسحابه من الصراع. إنهم يدركون أنه لا يمكن وجود جسر تفاهم ثابت بين محتل يطرد إنساناً من أرضه وصاحب الأرض، حتى إن وُجدت علاقات عمل وتجارة، فهي مؤقتة ولا تلغي وجود الصِّراع.. حتى التنسيق الأمني، لا يعني أنها خطوة نحو السّلام، لأن هدفهم من التنسيق ليس الوصول إلى سلام، بل إلى فرض أمر واقع، وأداة أخرى من أدوات قمع إرادة الشعب الفلسطيني، هذا ما تفهمه إسرائيل من التنسيق الأمني، ويستطيع أبو مازن أن يشكو أمره لمن يشاء. إنهم يعرفون أن الاحتلال كارثة حيثما حل في أي زمان وأي مكان، ولا بد لمن يكتوي بناره أن يقاوم، ولكنهم ما زالوا يتوقّعون من الفلسطيني أن ييأس من قضيته ويعترف بأنها خاسرة. إنهم ينتظرون من الفلسطيني أن يرى في الهندي الأحمر مثالاً ونموذجاً، أن يعترف بأنه خسر معركته رغم كل التضحيات الجسيمة، وأن يترك أمر تقرير مصيره للاحتلال القادر على كل شيء.
يلعب العرب المطبّعون دور الأبرياء، ويدعون جميع الأطراف إلى السلام والابتعاد عن العنف، وهم يدركون أن هذا الذي ينسّقون ويطبّعون معه هو بؤرة العفن والصديد التي تكبر وتتّسع، يعرفون أنهم في تطبيعهم هذا يخدمون الاحتلال مباشرة وبلا لف ولا دوران، وأنهم يصطفّون إلى جانبه ليحصلوا على مكافأة على حساب قضية شعب فلسطين، فالنظام العربي الذي يطبّع يعرف أبعاد هذا، وأنه يخون قضية الفلسطينيين، ولكنه يأمل بأن يستلم ثمن خيانته، ويحاول رفع ثمنه، لدى إسرائيل وأمريكا، طبعاً لا ينسى الدعوة إلى السلام والتفاهم والعودة إلى مائدة المفاوضات، يقولون هذا وهم يدركون أن الاحتلال لم يترك شيئاً للتفاوض عليه سوى التفاوض على العدد الأقصى الذي يجب أن يكون عليه الفلسطينيون بين البحر والنهر. إنهم يعرفون أن أي سلطة مقبلة بعد سلطة رام الله الحالية، لن تكون أكثر مرونة، ولكنهم يقاطعونها، فالمشكلة الحقيقية ليست بالتوصل إلى حلول وسطية، ولا بتنازلات، وذلك أنه حتى لو اعترف الفلسطيني بهزيمته وخسارته، وقرّر الاستسلام، فمجرد بقاء سبعة ملايين فلسطيني في وطنهم هو مشكلة غير قابلة للحل، ولهذا فهم عرفوا ويعرفون، وتوقّعوا ويتوقعون ما حدث وما سيحدث في المستقبل القريب والبعيد، فمن يزرع احتلالاً وقمعاً ينتظر الحصاد.
كاتب فلسطيني
( تكمله ثالثه ) وقد تحوّل بفعل الواقع الراهن الى مؤامرة ضد النضال والاستقلال الفلسطيني، وتحوّل الى سيف على رقبة القيادة الفلسطينية يطلب كل يوم خدمات امنية استخبارية مجانية للاحتلال.
وتستغل قوات الاحتلال، و”المنسق” حاجة السلطة لمعالجة المرضى والطلبة والمسافرين ورجال الدين لتتدخل وتقرر نيابة عنهم، وهو أمر يخلق حاليا (تصادم مهماتي) مع الارتباط المدني الفلسطيني، بل ان الاحتلال تعمّد خلق تصادم مهماتي بين الارتباط العسكري والارتباط المدني الذي تحوّل الى وزارة الان.
ان حياة الفلسطينيين في الارض المحتلة معقّدة جدا، وتحتاج يوميا الى اتصال بضباط الاحتلال الذين يتحكمون بالمعابر حول غزة والضفة الغربية. ويحاصرون القدس ومشافيها وجامعاتها. ولكن التنسيق الامني الراهن وبشكله الحالي يجعل من الخسائر اكبر من الفوائد.
لكن الاسئله التي تطرح نفسها الان هي:
اولا البحث عن شكل اخر لتسيير حياة المواطنين بطريقة تليق بكرامة الشعب الفلسطيني وتحفظ كرامة الجنود والضباط.( يتبع)
( تكمله اخيره ) ثانيا ان يكون القرار القادم بمشاركة واستشارة باقي القوى والفصائل، ليكون محط اجماع وتوافق وليس قرارا منفردا لا يحظى بقبول التنظيمات والقوى والمجتمع.
ثالثا الشعب الفلسطيني هو كابينيت القيادة. ومن يستمد قراراته من كابينيت الشعب لا يضيع أبدا، ولن يخسر اية معركة قادمة.
سلمت كاتبنا ودمت ودام يراع قلمك نابضا بكل جميل رمضان كريم وكل عام وانت بالف خير .