لقمان سليم الناشط السياسي الجريء والباحث المهووس بقضايا الذاكرة والتاريخ

حجم الخط
1

بيروت: الناشط السياسي والاجتماعي لقمان سليم الذي عثر عليه مقتولا الخميس في سيارته في جنوب لبنان، باحث ومفكر عمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والتوعية على أهمية المواطنة والمساواة في بلد يعاني من انقسامات وصراعات سياسية وطائفية عميقة.

كان لقمان سليم (58 عاما) ينتمي الى الطائفة الشيعية، لكنه كان من أشد المنتقدين للقوة الشيعية والسياسية والعسكرية الأكبر في لبنان، حزب الله المدعوم من إيران. ولم يمنعه ذلك من تركيز كل عمله ونشاطه في منزله في حارة حريك في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل حزب الله حيث أقام مركز “أمم” للأبحاث والتوثيق.

وإذا كان الكثير من مداخلاته التلفزيونية في الآونة الأخيرة تناول حزب الله الذي كان سليم يعتبر أنه يأخذ لبنان رهينة لإيران، لم يتردد في انتقاد كل الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والعجز في لبنان.

واستعانت مراكز أبحاث عدة ومنظمات غير حكومية ودولية بخبرته ومنشوراته بسبب استقلاليته وجرأته في تناول أكثر المواضيع حساسية.

وصفه المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش الخميس بأنه “ناشط محترم” و”صوت مستقل وصادق”، معبرا عن حزنه “لخسارته المأسوية”.

ومعروف عن سليم أنه كان نشيطا وغزير الإنتاج في النشر والمشاريع التوعوية والثقافية، جريئا في التعبير، ومتمردا على السياسات التقليدية ورافضا للطائفية.

على مواقع التواصل الاجتماعي، ندد كثيرون بقتل “الرأي الحر” من خلال قتله بالرصاص في قرية في جنوب لبنان.

الذاكرة والمصالحة والمواطنة

ولد لقمان سليم في حارة حريك في العام 1962 من أب كان محاميا لامعا ومعروفا وأم مصرية. درس الفلسفة في جامعة السوربون في باريس.

في “دار الجديد” للنشر التي أسسها في التسعينات، تمت ترجمة كتب الرئيس الإيراني الإصلاحي آنذاك محمد خاتمي، للمرة الأولى الى العربية. وعبرها، أنتج سليم مع زوجته الألمانية مونيكا بورغمان فيلمين وثائقيين أحدهما حول مجزرة صبرا وشاتيلا خلال الحرب الأهلية في لبنان، والثاني حول سجن تدمر في سوريا حيث تعرض سجناء لبنانيون للتعذيب.

في منزل العائلة في حارة حريك الذي تتوسطه حديقة واسعة، وحيث مركز “أمم”، كان سليم يحتفظ بنسخ عن الصحف الصادرة في لبنان منذ عقود. وكان من أبرز نشاطات المركز مشروعه الهادف الى شفاء جراح الحرب الأهلية. فجمع أرشيفا هائلا عن تاريخ لبنان الاجتماعي والسياسي وضعه في تصرف الباحثين والإعلاميين. ونظم أنشطة ولقاءات للدفع في اتجاه مواجهة جراح الذاكرة والمصالحة بين اللبنانيين.

وحوّل، اعتبارا من العام 2007 مستوعبا قرب منزل عائلته، إلى مساحة ثقافية فريدة من نوعها كانت تقام فيها معارض صور وعروض أفلام وحوارات مع فنانين ومخرجين محورها الحرب الأهلية (1975-1990).

ولقيت مؤسسته دعما من دول أوروبية عدة خصوصا سويسرا وألمانيا.

وكان يعمل في الفترة الأخيرة على مشروع لتوثيق يوميات الحرب السورية.

في 2008، أسس جمعية “هيا بنا” من أجل مواطنية جامعة” معددا بين أهدافها “الدفاع عن قيم المواطنة والتسامح والتعدد والديموقراطي وحقوق الإنسان”.

اتهمه مناصرون لحزب الله مرارا بأنه من “شيعة السفارة”، أي من الناشطين الشيعة الذين ينسقون مع السفارة الأمريكية في بيروت، وبالتالي، هوجم مرارا على أنه “خائن وعميل”.

في كانون الأول/ديسمبر 2019، تجمع عدد من الأشخاص أمام منزله في حارة حريك، مرددين عبارات تخوين، وألصقوا شعارات على جدران المنزل كتب عليها “لقمان سليم الخائن والعميل”، و”حزب الله شرف الامة”، و”المجد لكاتم الصوت”.

وعلى الأثر، نشر سليم بيانا اتهم فيه من أسماهم بـ”خفافيش الظلمة” بالقيام بذلك، وحمّل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وحليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري مسؤولية ما جرى و”ما قد يجري” له ولعائلته ومنزله.

يصفه عارفوه وزملاؤه بأنه “هادئ الطباع”، و”قارئ نهم”، و”خفيف الظل”. وكان كذلك “متواضعا جدا” و”كتوما” بحسب صديقة له، ويتحلى بـ”فصاحة كبيرة” باللغة العربية. وهو يكتب تغريداته على “تويتر” واضعا كل الحركات والهمزات على كل الأحرف.

على حسابه على “تويتر”، كتب الصحافي نديم جرجورة أن سليم انتهج “سلوكا أخلاقيّا وثقافيا وفكريّا” في “مقارعة تنانين السلطة، النظام الحاكم في لبنان، بأطيافه المختلفة، وإنْ يكن حزب الله أكثر من يُواجهه سليم ويُقارعه”.

وأضاف “اغتياله منبثقٌ من سيرته كناشطٍ يُنظّر ويُحلِّل، ويعمل ميدانياً على توثيق وتسجيل ذاكرةٍ، يريدها حيّة دائماً”.

واستذكرت هناء جابر وهي صديقة لقمان سليم، ملاحظات شقيقها الذي كان يعلّم لقمان التاريخ في الصفوف الثانوية. وروت هذه الباحثة المتخصصة في تاريخ العالم العربي المعاصر في معهد “كوليج دو فرانس” أن شقيقها “كان يتحدث كثيراً عن مدى اطلاع هذا التلميذ المميز جداً وحسّه النقدي”. وأضافت “يمكن اختصار شخص لقمان بكلمة واحد: نبل الروح”.

(أ ف ب)

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الشيعة هم من خسر هذا الصوت المعارض!
    يجب عل الشيعة الأحرار قبل غيرهم التظاهر والإحتجاج على قتله!! ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية