توقعُ الطالع
يأتي من يديكِ
وأنت نائمة أو مشغولة بالأولاد
من التعب المحموم الذي في سعي الأولاد
من المنسي في ذهاب الآباء في ممالك الكدّ والهمّ
ويأتي هكذا من دون موعد ودون طرقٍ على الباب
مثل صوفي يأتي ومن حوله السر..
حوله الطرق والمنحدرات
حوله أنبياء ماتوا ورحالة منسيون على شكل علامات ونذور.
حوله باعة بضاعتهم الحظ، وممثلات برعن بخطف الرجال..
حوله الحراس والاستعارات المنسية مع ملوك الجان.
حوله الأسماء وقد ذهب بأصحابها حتى آخر الضوء
حوله الآباء والأبناء وقد علقوا الأسماء على الأشجار
حوله البدايات والنهايات ونبوءات من ذهبوا.
حوله اللا أحد واللا شيء.
رثاء حزيران
الجَد الذي أنجبَ أبا فراس
الذي أخرج رأسه من النافذة وألقى بمفتاح البيت
رأيته في منامي قرب شجرة صنوبر، كان ينتظر ابنه الذي ذهب في حزيران
وابنته التي كبرت قليلاً وقد جف ماؤها، وذهب بها إلى البقعة القديمة ذاتها،
إلى الانتظار، وندب الحظ الذي تركها وسكن في أعالي الجبال.
كان مثل ابنته ينتظر أن يلوح له أحد أبنائه الخمسة من تحت الشباك.
أن يلقوا له بمفتاح البيت، أو أن يناديه الأحفاد بالرحمة أو الفاتحة.
رغم أنه لم ينتظر ولم يتوقف أمام الموت الخاطف قبيل حزيران
أنجب ثمانية أولاد مرة أخرى، اشترى بيتاً، وألقى بمفتاحه من الشباك.
الآن أناديه مثلما يفعل الأبناء وقد مات الأب، أتذكره من حين إلى حين
أدعو له بالمغفرة وأبلل تربته بالماء وأدير ظهري للجبال:
جنى على نفسه
ولم يجن عليّ..
توبة التوبات
سيذهب من كان يطرق بابي في الليل سكرانَ ووحيداً دائماً.
من جاء إلى السوق ولاحقه الغلمان المخلدة في النظرات والفتنة حتى أبواب النوم..
سيذهب مثلما جاء أول مرة وعلى وجهه إشارات الحرب.
القتلى الذين دون أسماء والهروب من زوجة الأب إلى بيروت.
والسكر على طريق عمان – نابلس، سيذهب وهو يضحك،
يضحك من مكره بسائق الشاحنة الذي غسل مؤخرته ‘بالويسكي’ بدلاً من الماء.
ثم يضحك على الذين خرجوا الى البحر وعادوا بخفي حُنين
ثم يضحك على أبيه بعد أن طرده من البيت وحرمه من الميراث
سيضحك وينام للمرة الأخيرة دون سقف أو بيت وفي العراء
مثلما سيضحك وهو يكرر قصة قديمة نعرفها وسيبدو بأنه لم ينم منذ الخروج،
وستبدو سترته الكاكية واضحةً بأنها لجندي ميت،
وسيبدو أنه ألف قصة أخرى وصدقتها.
سيذهب عندما يسمع خطوة الملاك في الممر
وقد أجّل التوبة حتى تفتحي له الباب،
وقد ناداك..
تبتُ وغفرتُ..
أنت نائمٌ الآن ولن تبصر خطوتي الذاهبة في نومك
أفعل ما كان يفعله رجل آخر منذ ثلاثين سنة: أعدُّ أنفاسكَ،
وأحاول التأكد من أنك حي وما نمت كمداً.
أنت نائم الآن، بينما أدور حولك باحثا عن مكان آمن
من وساوس التجار وآمن من ظنون الناس.
أدور حول نومك حتى تنام وترضى..
ثم أدور لأناديك بعناد الولد يعقك في النوم..
أدور وأناديك علك تفتح لي الباب :
تبتُ وغفرت.
أو يطرق الباب ..!
كان يفكر بك في الطريق إلى نابلس، وتذكر
كيف نسيَ وصف شعركِ حين حرّكته الريح المعاكسة.
أراد وصف غموضك وقدرتك المصطنعة على عدم الانتباه، ونسيَ..
رغم أنكِ منتبهة لصوته وانفلات يده في الحديث.
تذكر أن الوصف بقي خلف الصورة دون أن يكتبه أو يقوله.
تذكر وهو ينظر لمصاطب الجبال.. أن الجبال ستركض
ستركض حتى تصل نابلس بدمشق…
حتى تختفي أو يطرق الباب .
حاجة
أحتاج من يمسك يديمن يتفقدني في غيابي ويناديني إن نسيت أو تأخرت …أنا انسى دائما
ولا أتذكر إلا جرس الانصراف ،و الموت جرس يرتب مواعيده
حتى يجيء ويناديني …!أحتاج من يلومني في شؤوني الصغيرة ومن يغلق الباب بوجه أصدقائي وبفتح لي باب العتاب.
ومن يذكرني بواجبات الناسبيوت العزاء والأعراس والأصدقاء وبواجب الأخوات البعيدات.أحتاج من يشتري فاكهتي الذابلةو من يمسك يدي و يقول لي :من هنا الباب
صباح الخير ولا ترجع حتى المسا
أو شيئاً مثل هذا.
أحتاج من يُذكرني بالصباح
أو يذكره بي.
حزينة ومدفئتها بارد!
أبكي على الأولاد يا أبي
قلتَ لهم ألا يذهبوا…
وأن السودانية التي في البار ليست حبيبة
وبيتها دون ظل، دون باب..
قلتَ إنها حزينة ومدفئتها باردة.
أبكي على الأولاد يا أبي،
ابن الشيخ الذي لا يتوب وصديقه الأعمى
أضأت لهم العشرة أصابع
وأمسكت بقلوبهم في الطريق
لكنهم ذهبوا..