حملت المناورات الروسية الكوبية رسالة واضحة بقدرة الجيش الروسي على خلق قلق مستمر لواشنطن في حدوها الجنوبية سواء بتواجد عسكري مستمر أو تسليح الحلفاء مثل كوبا وفنزويلا.
لندن ـ «القدس العربي»: تستمر الحرب في أوكرانيا ورغم تراجع حدة المواجهات الحربية إلا أن هذا الملف يسجل تطورات موازية وملحوظة، ولاسيما من طرف الجانب الروسي الذي يحاول توسيع خريطة نفوذه عسكريا أكثر منه سياسيا في العالم للرد على تكتل الغرب ضده. ومن أبرز العناوين الأخيرة لهذه الحرب التنسيق بين روسيا وكوريا الشمالية واستمرار التضييق على القوات الغربية في القارة الأفريقية.
وميدانيا، تستمر روسيا في الأراضي التي تعتبرها روسية وهي شرق أوكرانيا بعد ضمها، ويفتقد الجيش الأوكراني إلى مبادرة عسكرية تشكل خطرا على ضم موسكو لشرق هذا البلد. وعلاقة بالنقطة الأخيرة، لا يمتلك الجيش الأوكراني السلاح المناسب لتوجيه ضربات قوية للجيش الروسي، فمن جهة يفتقد لأنظمة الدفاع الجوي، ومن جهة أخرى لم يتوصل بأسلحة نوعية قادرة على إحداث خسائر كبيرة بالقوات الروسية أو خرق صفوفه.
وتستغل روسيا ضعف القوات الأوكرانية التي لم تعد تشكل عليها أي خطر، وبدأت تواجه أكثر مخططات الحلف الأطلسي الذي يعمل على رفع التنسيق بين الدول الأوروبية من خلال تسليح متكامل ومناورات حربية تشمل الجو والبر والبحر تحسبا لأي مفاجأة روسية مستقبلا. وتعمل روسيا على توسيع نفوذها العسكري في القارات الثلاث، آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
وهكذا، رفعت روسيا من حضورها العسكري في منطقة أمريكا اللاتينية بالرهان على بلدين وهما كوبا وفنزويلا بالدرجة الأولى ثم البرازيل ونيكاراغوا وبوليفيا، حيث وقعت روسيا اتفاقيات عسكرية كثيرة. ويمكن العثور على منعطف حقيقي لهذا التعاون وهو أنه خلال منتصف حزيران/يونيو الجاري، أجرى الجيش الروسي مناورات حربية مع كوبا على مقربة من ولاية فلوريدا الأمريكية. وشارك في هذه المناورات بالغواصة الصاروخية الموجهة «كازان» والفرقاطة الصاروخية الموجهة «أدميرال غورشكوف» وسفينة الإنقاذ «نيكولاي تشيكر» وسفينة النفط «أنجيل باشين». وتعد الفرقاطة غورشكوف والغواصة كازان من بين أكثر القطع الحربية الروسية ذات الطابع الإستراتيجي والأكثر تقدماً، وهي مسلحة بمجموعة متنوعة من الصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الهجومية البرية.
حملت هذه المناورات رسالة واضحة بقدرة الجيش الروسي على خلق قلق مستمر لواشنطن في حدوها الجنوبية سواء بتواجد عسكري مستمر أو تسليح الحلفاء مثل كوبا وفنزويلا بشكل أكبر. علاوة على أن الاتفاقيات العسكرية مع دول المنطقة تشكل كابوسا مزعجا لواشنطن. وكان الجنرال غلين فانهيرك من القيادة الجوية الأمريكية قد صرح أمام الكونغرس بعد اندلاع الحرب الأوكرانية أن تواجد المخابرات العسكرية الروسية في أمريكا اللاتينية وخاصة في المكسيك التي تجمعها حدود بالولايات المتحدة ملفت ومقلق ويجب مواجهته.
الواجهة الأفريقية
لم تمنع الحرب روسيا من تعزيز نفوذها في القارة الأفريقية. والمفارقة أنه بعد اندلاع الحرب الأوكرانية تضاعف التوسع الروسي في القارة السمراء وخاصة في منطقة الساحل وتقوده المخابرات العسكرية الروسية أساسا. وأبدت موسكو اهتماما بالقارة الأفريقية وبدأت عملية حضور ملحوظة سنة 2017 في أفريقيا الوسطى، وكانت تتبنى إيقاعا بطيئا نسبيا. غير أنه بعد حرب أوكرانيا وتورط الغرب في دعم كييف، غيرت موسكو من إيقاعها بشكل كبير جدا. ونجحت في السيطرة على منطقة الساحل تقريبا مع وجود قوي في دول أخرى. وتعتمد روسيا الدعم العسكري والدعم السياسي لهذه الدول.
ويبقى التطور الملفت هو التنسيق المتين بين روسيا وكوريا الشمالية والذي سيعرف قفزة نوعية بعد زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى هذا البلد خلال الأسبوع الماضي. ووقع الزعيم الروسي مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون اتفاقيات دفاع والذي أكّد «دعمه الكامل» لموسكو في حربها على أوكرانيا. ويندرج تعهّد التعاون العسكري في إطار معاهدة استراتيجية بين البلدين. وقال بوتين في مؤتمر صحافي في عاصمة كوريا الشمالية في تعليق على اتفاقية الدفاع «إنها وثيقة ثورية» مضيفا أنها تنصّ «من بين أمور أخرى، على المساعدة المتبادلة في حالة العدوان على أحد طرفي هذه المعاهدة». ومن أهم بنود التعاون بين البلدين هو تفويت روسيا للتكنولوجيا الحربية إلى كوريا الشمالية.
وتوجد ثلاث دول قدمت وتقدم الآن دعما عسكريا مباشرا لروسيا وهي الصين وإيران وكوريا الشمالية. وتبقى كوريا الشمالية هي التي قدمت أعلى نسبة من العتاد العسكري ما بين عشرة آلاف إلى 12 ألف حاوية أغلبها من القذائف والصواريخ، حسب التقارير الغربية التي نشرتها غلاكسيا مليتار. وبعد اتفاق الدفاع الثنائي العسكري، ينتظر أن ترفع كوريا الشمالية من دعمها لروسيا على مستوى إرسال مزيد من القذائف الحربية بحكم أنها من أكبر الدول التي تنتج القذائف، وتلائم العتاد الروسي، ثم احتمال إرسال جنود إلى أوكرانيا.
وكتب المحلل السياسي بروس بنيت في مجلة «إنترناشنال إنترست» الأمريكية خلال هذا الأسبوع بأن التزام روسيا بالمساعدة العسكرية التقنية لكوريا الشمالية يثير القلق بشكل خاص لواشنطن وسيول. فروسيا يمكن أن تقدم أنواعا كثيرة من المساعدة لكوريا الشمالية من شأنها أن تعرض كوريا الجنوبية وحتى الولايات المتحدة لخطر كبير. وما يثير القلق بشكل خاص المساعدة الروسية في برنامج كوريا الشمالية للأسلحة النووية، والتي يمكن أن تسمح لها ببناء أسلحة دمار شامل أكثر قوة. لكن روسيا يمكن أن تساعد كوريا الشمالية أيضاً في تطوير الصواريخ الباليستية والأقمار الصناعية ومنصات إطلاق الأقمار الصناعية وأنظمة الدفاع الجوي وغيرها من الأسلحة».
ويربط هذا التطور في التعاون العسكري بأوكرانيا، مشيرا إلى رغبة كوريا الشمالية إرسال جنود إلى روسيا للحصول على مساعدات لتطوير نفسها، وبالتالي تكرار سيناريو إرسال كوريا الجنوبية لنسبة كبيرة من الجنود لدعم الولايات المتحدة في حرب الفيتنام، وقامت واشنطن بدعم الاقتصاد الكوري الجنوبي مما جعل هذا البلد يتطور بشكل ملفت.
كان رد فعل السلطات الكورية الجنوبية دبلوماسيًا، حيث استدعت السفير الروسي لدى كوريا الجنوبية. كما دعت موسكو إلى «الوقف الفوري لجميع أشكال التعاون العسكري مع بيونغ يانغ والامتثال لقرارات مجلس الأمن». وحذر كيم هونغ كيون نائب وزير خارجية كوريا الجنوبية من أن «انتهاك قرارات مجلس الأمن ودعم كوريا الشمالية سيقوض أمننا وسيكون له حتماً تأثير سلبي على العلاقات بين كوريا الجنوبية وروسيا». كما أعلنت حكومة كوريا الجنوبية أنها «ستعيد النظر في مسألة توريد الأسلحة إلى أوكرانيا» على الرغم من أنها امتنعت حتى الآن عن بيع الأسلحة التي يمكن استخدامها في الصراع الدائر، وذلك بسبب عدم وجود فرصة لقبول هذا الطلب.
وهكذا، تعيد حرب أوكرانيا تغيير خريطة النفوذ العسكري في العالم، كلما عزز الحلف الأطلسي نفوذه في القارة الأوروبية بضم دول جديدة مثل السويد وفنلنذا، ويرفع من مستوى التنسيق بين جيوش الدول المكونة له، تعمل روسيا على الرفع من حضورها العسكري في القارات الثلاث.