للعرب خيالهم العلمي!

حجم الخط
0

تمثل هذه المختارات من القصة القصيرة المستمدة من عالم الخيال العلمي في إبداعنا العربي المعاصر نماذج خاصة وليس الحالة جميعها، هي تعبر عن هذه النزعة المتخيلة الممتزجة بتكنولوجيا وعلوم العصر والمستقبل في شريحة منتقاة من أدبنا العربي المعاصر.
وقد راعينا قدر الإمكان أن تكون نصوصها متناغمة مع ما نجده الآن في عالمنا الواقعي، قد تبدو في بعضها ثمة شطحات أو خوارق غرائبية وعجائبية نابعة من المتخيل، ولكنها تمثل جزءا من الحقيقة التي قد تكون أحيانا أغرب من الخيال، وقصة الخيال العلمي هي القصة التي تعتمد على تقنيات العلم في رفد حدث إنساني يستخدم تكونولجيا العلم في تنضيد نصوصه ويستوحي الخيال الممزوج بالواقع في أغلب الأحيان على أن يتضمن رؤية يستفيد منها الإنسان في حياته ومن خلال لغة تمتزج فيها مفردات لغة العلم مع اللغة الفنية المرعية في الفن القصصي والسردي. ففي قصة ‘الهجرة إلى المستقبل’ التي انتخبناها من أعمال رائد أدب الخيال العلمي نهاد شريف يجسد الكاتب نفس التيمة التي جسدها في روايته ‘قاهر الزمن’ تيمة تبريد الأجساد والبحث عن مقومات الشباب وإطالة العمر والاستفادة من هذه التجربة في صنع مستقبل أفضل للبشرية، والقصة حوارية تتعدد فيها الرؤى حول فضيلة تبريد البشر وطبيعة هذه الإشكالية العلمية حيث تقول العمة ريم وهي شخصية من شخصيات النص ‘: بمقدوري أن أعدد لكم كنوز التبريد التي تقصدونها.. إطالة الحياة.. التعلم وتلقي المعلومات أثناء ثبات الجسد.. العلاج عبر الزمن.. التأريخ واقعيا.. السفر بين الكواكب.. الهرب من كوارث الطبيعة وأهوال الحروب.. اتقاء المجاعات والأوبئة.. الحفاظ على العلماء وذوي الطاقات المتميزة.. وتلك البدعة الحديثة.. السياحة والهجرة عبر الحضارات.. عبر المستقبل (ص61). كما تتحلق القصة حول إحدى المشاريع المهمة في مستقبل مصر وهي زراعة الصحراء من النيل إلى منخفض القطارة ووادي النطرون ف الصحراء الغربية.
ثمة كاتب عربي آخر كان الخيال العلمي هو ديدنه، وبؤرة إبداعه، هذا الكاتب هو الدكتور طالب عمران، من مواليد سوريا 1948، يعمل مديرا للفضائية التربوية السورية، شغل العديد من المناصب العلمية التي شكلّت خياله الإبداعي في قفزة نوعية طالت القصة القصيرة والرواية في مجال الخيال العلمي وأصلت لديه أحلام هذا النوع من الكتابة النوعية. هو يشير إلى أن أدب الخيال العلمي هو الذي أختاره ليقيم في منطقته وعن ذلك يقول: ‘فخر لي أن أقول أنني لست من أخترت طريقي العلمي، وإنما الطريق العلمي هو الذي اختارني. لأنني أحب العمل والتطلع نحو العديد من المعارف، وأحب أيضا أن أحلم بعوالم الفضاء؛ هذا ما جعلني أدرس الفلك وكان لي مقالات مختلفة لها علاقة بالبيئة المحلية بشكل عام، وكنت متابعا للعديد من المعارف حتى في الذاكرة العربية الحديثة’. (الأسبوع الأدبي، دمشق، ع 1254، 9 يوليو 2011 ص 13)، كتب الدكتور عمران أكثر من خمسة وعشرين كتابا ما بين القصة والرواية إضافة إلى الكتب العلمية المبسطة. وفي قصتة ‘الأشباح’ والتي كتبها في هافانا بكوبا، ربما كان المكان الذي كتبت فيه القصة كان له تأثير وانعكاس على طبيعة النص ومضمونه وما يحمله من رؤى علمية ونفسية طالت ذات السائق إبراهيم الذي كان يقود هذه الشاحنة الكبيرة، استهلال القصة تقليدي وواقعي ‘: كانت الشاحنة الكبيرة تزفر وهي تنوء بحملها على الطريق الملئ بالحفر والمطبات في تلك المنطقة من الصحراء، وكان السائق يترنم بمقاطع أغنية قديمة وقد غفا معاونه الشاب، وهو يحاول أن يبعد النوم عن عينيه فأمامه ست ساعات كاملة قبل أن يصل إلى الحدود، حيث يفرغ حمولته ويعود من حيث أتى في حمولة جديدة. إلى هنا والنص يسير سيرا طبيعا في نسق سرده، إلى أن الغرائبية تبدأ في الظهور حين ينتبه إبراهيم على خيالات وأشباح تعترض الشاحنة في الطريق، يقف حيث يجد مخلوقات وكائنات غريبة تطلب منه المساعدة، وحين يهم بمساعدتهم يجد نفسه رغما عنه في حلم غريب، فقد وجد زوجته تستقبله وتخبره بوجود ضيوف ينتظرونه، ويكتشف إبراهيم وزوجته اختفاء ابنهما الصغير، ولم يلبث أن وجد نفسه هائما في بقعة غريبة وأمامه يقف شيخا متسربلا بوشاح أبيض يخبره ‘: تعال ياإبراهيم، سترافقنا في رحلة سريعة تتعرف بها على عالمنا على الطرف الأخر من المجرة. لا تقلق لن تكون الرحلة طويلة، ولن تكون متعبة لك. سترى أشياء كثيرة، قد لا يسمح لك ذهنك بفهمها، سنحاول تقريب الصورة لك حتى تستوعب ما سنقدمه من معلومات’. (ص124) ويستعرض الكاتب نوبات الحروب وفناء الشعوب والكواكب جراء تحكم الإنسان في العالم بعقليته البشعة في عرض الكائنات لهذه الممارسات أمام إبراهيم، ومن خلال مشاهداته حول فناء العالم وقيام حضارة جديدة يعم فيها الخير والحق والجمال، يدخل إبراهيم في تجربة علمية يشاهد فيها الكثير من تأزمات الإنسان وأعماله المأسوية من تدمير وإبادة وحروب ونهب وسلب، ولكنه يشاهد أيضا الخير والحب والجمال الذي يعم الكون إذا أحب الإنسان أخيه الإنسان في صور مختلفة. وفجأة يستيقظ إبراهيم ليجد نفسه جالسا على مقعده في الشاحنة ومعاونه الشاب يغط في نوم عميق.
تجسد هذه القصة البحث عن المدينة الفاضلة في قالب فانتازي عجائبي يلعب فيه العلم وتجاربه دورا في بلورة هذه التيمة الكاشفة.
وفي قصة ‘قصاصة ورق’ للكاتب الليبي عبد الحكيم عامر يجسد الكاتب رؤية المعلومات والمعرفة وفائدتها للعالم في ضوء الاحتفاظ بها والتحكم في آثارها وتقنياتها، هي رحلة عبر الزمن يقوم بها شابان هما (سانرا) و(عحمور) إلى آخر كواكب نجم الظلمان وهو نجم أقرب إلى الشمس عبر مركبة فضائية معدة لهذا الغرض، في تقنية رحلات الفضاء، يحاولان التواصل مع مخلوقات كوكب آخر لترجمة قصاصة قديمة عثر بطريق الصدفة في إحدى مناجم المجرة والتي يتوقف عليها المستقبل المهني لكوكبهم، يخاطب إحدى سكان هذا الكوكب القادمين من الأرض من البشر قائلا: ‘إنك تذكريني بالعبث البشري الذي طالما ضحكت عليه قبل مغادرتي مسقط رأسي أورانوس، إن البشر يصنعون أدوات لحياتهم ثم يتلفونها، ثم يقضي بعض أحفادهم أعمارهم كلها في إعادة اكتشافها ودراستها مرة أخرى بشق الأنفس تحت ما عرف بعلم الأثار’. تحاول كل من (سانرا) و (عحمور) فك شفرة هذه القصاصة الغريبة عن طريق الاتصال بأهل الخبرة من سكان الأرض كما عرفا من جدهما الأرضي، وبعد انتهاء هذه المهمة التي عرف منها الجميع أن مضمون هذه القصاصة هو ملخص لكل بديهيات الحياة اليومية للكائن البشري التي لم يعد لشرحها معنى، وهي مختزلة في هذه القصاصة، معنى ذلك أن ترجمة كل ما في القصاصة يعد غالبية كل معلومات الدماغ الكامن فيه كل ما يعتمل في الحياة الأرضية تقريبا. ‘: ما هي إلا دقائق حتى كانت عيون الرجل تتابع من خلال فتحة على الجدار إرتفاع مركبة الشابين إلى السماء، ظل يتأملها ببرود وهي تصغر وتصغر حتى ابتلعها الظلام، عندما تحولت نظراته إلى ما يشبه المذبح القريب منه، كان يتمعن في العينة التي تركها الشابان، وظل لدقائق يتأمل مبتسما كلماتها القليلة المكتوبة بلغة أرضية منقرضة’.
وفي قصة ‘مؤسسة السلام’ للكاتبة الكويتية الراحلة طيبة الإبراهيمي وهي قصة مشوقة إلى حد كبير تجمع ما بين رؤية سردية سياسية ورؤية علمية إنسانية في قالب حكائي يعتمد على العلم وتكنولوجيا العصر من خلال راوي يجيد اللغة الروسية توقف في ترانزيت احد المطارات وبطريق الصدفة سمع إلى حوار بين شابين أحدهما أمريكي عائد إلى وطنه بعد فترة دراسية قضاها في روسيا والثاني روسي في طريق العودة إلى الوطن. يتحدث كل منهما إلى الآخر باللغة الروسية التي يجيدها الراوي ويتنصت الراوي بطريق الصدفة إلى حديثهما الذي وضح منه محاولتهما تكوين مؤسسة علمية الغرض منها السلام وتطرق الحديث إلى القنبلة النيوترنية التي تقوم كل من دولتهما بصناعتها ومخافة أن تقع هذه القنبلة في يد رئيس مجنون فيقوم بعمل غير محسوب وتندلع بسبب ذلك الحرب العالمية التي تودي بالكرة الأرضية جميعها، لذا يتفق الشابان على إطاحة كل منهما برئيس بلده، وبعد فترة يفطن الشابان إلى أن الراوي يتنصت عليهما، ويعرفان أنه يجيد الروسية وتنتهي الحكاية على تسلل كل منهم في طريقه. القصة لها مغزى سياسي كما أن لها مغزى مجازي حول الجانب العلمي وقنبلة النيوترون التي تفوق القنابل الذرية والهيدروجينية في مفعولها التدميري على وجه الكرة الأرضية. نجد أيضا في قصة الكاتب التونسي الهادي ثابت ‘شهر بصل في غزة’ هذا العنوان الساخر لهذا النص السياسي في أدب الخيال العلمي فكما وضعت طيبة الإبراهيم قصتها ‘مؤسسة السلام’ في هذا القالب السياسي وهذه النزعة النابعة من أيديولوجية الوعي بالبحث عن السلام من خلال قتل وتصفية من يحاولون النيل من الإنسانية وفرض حالة القلق والخوف والترقب من الرؤساء، نجد أن الكاتب التونسي ‘الهادي ثابت’ استاذ الأدب الفرنسي المتخرج من كليات فرنسا والذي يجيد الفرنسية حديثا وكتابة ورجل الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي يقتحم عالم الخيال العلمي ليعبر عن الواقع السياسي من خلال مشروع روائي كبير يعتمد على الخيال العلمي، فكتاباته في مجال الخيال العلمي تحاول أن تنقد الواقع وتعّريه وتفكك معضلاته، لذلك هو ابتعد عن طريق السياسة كمنهج ولكنه وظفها واستخدم معها أدب الخيال العلمي كقناع ليرفد من خلاله رؤاه السياسية في المشهد السردي كاسرا بذلك أفق الانتظار في الخروج بأعمال مباشرة إلى الساحة السردية فقارب الراهن العربي وحركة الإمبريالية العالمية من خلال استنساخ القائد القرطاجي وإعادة بعثه إلى الحياة خاصة في رواية ‘لو عاد حنبعل’، بجانب إصداراته الروائية الأخرى التي شكلّت نزعة كتابية في تونس تناولت أدب الخيال العلمي سرديا، فقد صدرت له ‘غار الجن’ 1999، ‘جبل عليين’ 2000، ‘القرنفل لا ينبت في الصحراء’، وقد حصت هذه الرواية جائزة الكومار الذهبي المرموقة في تونس، كما صدرت له أيضا روايات ‘لو عادل حنبعل’، ‘الاغتصاب’، ‘معبد تانيت’. ويعتبر الهادي ثابت من الكتّاب أصحاب المشاريع الثابتة في الكتابة السردية ذات النزعة العلمية شأنه شأن العديد من الكتّاب العرب أمثال نهاد شريف والدكتور طالب عمران وصلاح معاطي ولينا الكيلاني وغيرهم من صفوة الكتّاب الذين لهم مشاريع كتابية في أدب الخيال العلمي العربي. وفي قصته ‘شهر بصل في غزة’ (م قصص ع151 /مارس 2010 ص 11) ينزل زوج من الطيور العملاقة ذكر وأنثى إلى غزة في اجازة شهر العسل قادمين من مجرة أخرى خارج نطاق الأرض، وهناك يقضون شهر بصل طبقا للعنوان الذي وضعه الكاتب في بداية عتبة النص من هول ما شاهدوه من (عدوان الإنسان على أخيه الإنسان) متمثلا في العدوان الأسرائيلي على العرب في مدينة الغزة والذين كادوا هم أيضا ينالون جزءا من هذا العدوان. وتنتهي اجازتهم ويعودون إلى مجرتهم مرة أخرى بعد أن عرفوا أي جنس بشري يعيش على وجه الأرض الآن.
وفي قصة ‘آليات بشرية’ للقاصة منة الله سامي تجسد الكاتبة في قصتها هذا الانطلاق المفاجئ لشخصية الرجل الذي يبدأ يومه العادي بركوبه الحافلة التي ستقله إلى عمله في مشهد واقعي عادي، فإذا به يجد نفسه وقد عبر الزمن إلى عام 2999 ليجد الإنسان الآلي يحتل المدينة بل والعالم بأكمله، ويجد أن شكل الحياة قد تغير تماما، وفي احد المطاعم يتعرض لموقف متأزم يتعرف فيه على فتاة ويكتشف أنها فتاة آلية من الروبوت، تعرض عليه الفتاة أن يقيم معها في منزلها ليتغلب على أزمة النقود القديمة التي لا يمتلك غيرها. يقول لها وهو يضحك:
أتعرفين.. من الممكن أن أكون جدك الأكبر.. هذا ليس ببعيد!
وتتصاعد ضحكاته في حين تخفض الفتاة عينيها وتترقرق فيهما قطرات دموع لؤلؤية وهي تقول:
من المستحيل أن يكون لي أجداد بالمرة.. فأنا إنسان آلي.
وتخبره الفتاة الآلية بأن العالم قد تغير وأن الحرب العالمية الرابعة قد قامت وأفنت الجنس البشري بأكمله وأن شركات الروبوتات أنتجت إنسانا آليا جديدا هي التي حلت محل الجنس البشري في الكون.
وفي اليوم التالي تساعده الفتاة على أن يرحل من المكان، ويحاول أن يصحبها معه إلى عالمه القديم ولكنها تعتذر له بأن هذا ليس ممكنا. ويستقل الفتى نفس الحافلة التي تعود به مرة أخرى إلى عام 2009. القصة تعتمد على الجانب التخييلي الغرائبي الممزوج بنسغ علمي مستقبلي وإن كانت المبررات العلمية التي أخذت هذا الفتى إلى هذا العالم قد بدت مضمرة وغائمة في مشهدية النص.
وفي قصة ‘السيد بايت’ للقاص المصري صلاح معاطي الذي تخصص هو الآخر في كتابة القصة والرواية العلمية ونجح في أن يشق طريقه ويحقق حضورا متميزا في هذا المجال، تتردد أبناء عن تورط الدكتور مشهور رئيس المؤسسة العامة للأبحاث النووية في تسريب معلومات خطيرة تمس الأمن القومي وسلامة الوطن حول المفاعل النووي الذي أنشئ حديثا بمنطقة المقطم، فيقبض عيه ويساق إلى مبنى الشرطة للتحقيق معه، وهو يردد ‘السيد بايت’، ويقبض أيضا على الممثل الشهير ‘فادي بايت’ الذي اتهم بالتجسس وهو يردد نفس العبارة ‘السيد بايت’، ثم يقبض على الممثلة المعروفة ‘سوسن وجدي’ في قضية آداب ونطقت أثناء ترحيلها إلى سراي النيابة بنفس الأسم ‘السيد بايت’، من هنا نجد أن هناك شفرة محددة مشتركة في هذه القضايا جميعها وظف لها الكاتب معدل البايت المستخدم في جهاز الكومبيوتر لكشف غموض كل من يتلاعب بالوطن وتسوّل له نفسه خيانته أو اللعب به، وأصبح هذا الفيروس الإيجابي شريكا في كل جائم الخيانة والمخلة بالشرف هو يكشفها لتواجده على صفحات الكومبيوتر، وله خاصية الكشف عن هذا التلاعب، من هنا نجد أن توظيف العلم في تأمين الوطن وكشف المتلاعبين بأقداره كان هو التيمة الرئيسية التي استخدمها صلاح معاطي في هذه القصة الكاشفة. صدرت لصلاح معاطي مجموعة ‘أنقذوا هذا الكوكب’ ومجموعة ‘العمر خمس دقائق’، ورواية ‘الكوكب الجنة سنة 2001’، ومجموعة ‘بدرية بالخلطة السرية’، وهو يقول عن أدب الخيال العلمي :’ الآن أصبح أدب الخيال العلمي ضرورة حتمية لأسباب ثلاثة: أولها أن لدينا الآن المناخ والأرضية المهمة لاستقبال هذا اللون من الأدب، والثاني إنه لا بد أن يكون لدينا الحس القومي والوطني لاستشراف ما يحمله المستقبل ولا سيما ونحن نعيش في عالم متغير في كل لحظة ولا أجد تعبيرا أبلغ مما ذكره المؤلف (جاك فان هيرب) في كتابه بانوراما الخيال العلمي حيث قال :’ إنه من حيث المواضيع تبدو مؤلفات الخيال العلمي أكثر تعبيرا عن زمنها من الروايات الكلاسيكية التي تبقى على ضفاف أفكار الزمن، في حين تغرق مؤلفات الخيال العلمي في اهتمامات زمنها وقلقها’. ( صلاح معاطي وحوار، ج العرب العالمية، لندن، 26/10/2004 ص 14)
لا شك أن أدب الخيال العلمي قد أصبح حقيقة واقعة داخل الساحة الأدبية العربية لتفاعله مع الواقع وتجسيده للعديد من القضايا الإنسانية ما يجعل هذا الأدب هو فعلا أحد صناع الأحلام التي تتحقق فعلا بعد مزجها بالواقع من خلال الكتاب الذين يعكفون عليه في صومعتهم ويجسدون من خلاله مدنا فاضلة تعيد صياغة الواقع من جديد من خلال الحلم، ومن خلال رؤية جديدة تستخدم العلم وتحقق من الخيال أجمل ما فيه من متعة ذهنية وفكرية وثقافية . و:’وقد أطلقه النقاد على ذلك الفرع من الأدب الذي يعالج بطريقة خيالية استجابة الإنسان لكل تقدم في العلوم والتكنولوجيا سواء في المستقبل القريب أو البعيد، كما يجسد تأملات الانسان في احتمالات وجود حياة في الاجرام السماوية الأخرى. وهو يهدف إلى عرض الحقيقة العلمية بأمانة وصدق وبنظرة مستقبلية وإن تغلفّت بغلاف له تألق وبريق القصة، وهو يعالج أيضا الافكار الاجتماعية والعلمية بشكلها الصرف الخالص. وليس من هدف أدب الخيال العلمي التنبؤ بالمستقبل، بل إنه يقوم بشئ أهم من ذلك بكثير، فهو يحاول أن يصوّر المستقبل الممكن. وإذا نظرنا إلى الجنس البشري كأنه مهاجرة ضخمة خلال الزمن تتجول خلاله آلاف الملايين من البشر خلال القرون المتعاقبة، فإن كتّاب الخيال العلمي هي المستكشفون الذين يطلقون قصصهم التي تنذرنا بالصحراء الجرداء التي أمامنا أو التي تبهرنا بأنباء الوديان والجبال المتألقة التي تقع وراء الأفق مباشرة. إنه لا يوجد مستقبل فقط يأتي ويكون محددا من قبل وجامدا لا يلين، فإن المستقبل تبنيه شيئا فشيئا ودقيقة بدقيقة تصرفات البشر، ودور الخيال العلمي هو أن يظهر أي نوع من المستقبل قد ينشأ من بعض التصرفات البشرية’. (أدب الخيال العلمي، رؤوف وصفي، آفاق عربية، بغداد، ع 5 س 9، يناير 1984 ص101).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية