غزة: ينبش الشاب الفلسطيني الأصم، هيثم غزال (25 عاماً)، بيديه الممزقتين بين حجارة أنقاض منزله الذي دمرته طائرات الاحتلال الإسرائيلي شرقي مدينة غزة، بحثًا عن جثمان والده الذي لا يزال مدفونًا تحت الركام.
وبالرغم من الجروح الغائرة التي تعرضت لها يديه خلال البحث، وعدم توافر الإمكانيات الكافية، إلا أن الفلسطيني غزال يتجاهل تلك العوائق، مصرًا على استخراج جثمان والده.
بلغة الإشارة
وبلغة الإشارة، يحاول الشاب غزال الذي تبدو عليه علامات الإرهاق والحزن أن يوجه الملاحظات لمن يعاونه في استخراج الجثمان، كي لا يتعرض أحد للخطر.
تأتي هذه المحنة بعد توقف فرق الدفاع المدني عن البحث، نظرًا لاحتياجها لمعدات ثقيلة غير متوفرة في ظل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وقد تمكنت فرق الدفاع المدني من انتشال سيدة وأربعة مصابين، وتبقى الأب هاشم غزال بعد قصف منزلهم من طائرات الاحتلال الإسرائيلي قبل نحو أسبوع في منطقة شارع يافا بحي التفاح شرقي مدينة غزة.
ورغم مرور أسبوع على قصف المنزل، ما زال الأصم غزال يصر بقوة على استخراج جثمان والده الذي يرقد تحت أنقاض المنزل، ليتم دفنه في مقبرة الشهداء.
نقص معدات
ويعاني جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة من قلة الإمكانيات لاستخراج الجثامين من تحت أنقاض المنازل التي قصفتها قوات الاحتلال.
ويرجع ذلك إلى الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عام 2006، الذي يمنع دخول معدات ثقيلة، بالإضافة إلى قصف إسرائيل خلال الحرب للمعدات الموجودة سابقاً، وفقًا لتصريحات للجهاز الدفاع المدني.
ويشعر غزال بالحزن والألم الشديدين جراء فقدان والدته ووالده في القصف الإسرائيلي، فهما كانا سندًا له ودعمًا في كل محنة، وهذا ما أشارت إليه ابنة عمه، التي قامت بترجمة ما يتحدث به غزال بلغة الإشارة.
لماذا قصف المنزل؟
ويتساءل الأصم بلغته ، لماذا قامت طائرات الاحتلال بقصف المنزل الآمن الذي لا يشكل أي تهديد عليهم؟ ولماذا استهدفوا منزل يضم عائلة صم، لا تشكل أي خطر على الآخرين؟.
وجاء الاستهداف قبيل لحظات قليلة من استهداف طائرات مسيرة أخيه قرب منزله، حيث أصيب بجروح وتم نقله للعلاج في مستشفى المعمداني بمدينة غزة.
وعندما عاد من المستشفى، وجد غزال سيارات الإسعاف والمواطنين ينقلون مصابين، دون أن يدرك أن المنزل المدمر هو منزل عائلته، فصدمته الحقيقة عندما عثر على حطام المنزل وجثمان والدته وهي تخرج من تحت الأنقاض والدماء تتناثر على جسدها.
وينتاب غزال شعورًا باليأس والعزلة لفقدان والدته، التي كانت تساعده في التواصل مع الناس، خاصة في ظل ما يعانيه من إعاقة في السمع والكلام، حيث كانت حلقة وصل.
وكانت والدته داعمة له ومصدر قوة وتشجيع، وتركت فراغًا كبيرًا في حياته برحيلها جراء القصف الإسرائيلي.
نظرة وداع أخيرة
وقال: “أبحث عن والدي تحت الأنقاض لأدفنه في المقبرة بالقرب من والدتي التي استشهدت بقصف منزلنا وألقي نظرة الوداع الأخيرة”.
وأضاف: “الاحتلال قتل والدتي التي كانت تساعدني في التواصل مع الناس بلغة الإشارة”.
وأوضح أنه لم يكن متواجدا في المنزل عندما تعرض للقصف، حيث كان يسعف أخاه الذي تعرض لإصابة جراء قصف إسرائيلي أخر قرب المنزل، وهذا ما أبقاه على قيد الحياة.
وأشار إلى أنه عندما عاد، وجد المنزل قد تحول إلى أنقاض، وتبين له أن والدته قد استشهدت، وأن والده ما زال تحت أنقاض المنزل المدمر، حيث يسعى بكل جهوده أن يخرجه.
ولم يتمكن الشاب غزال من استخراج جثمان والده بسبب كمية الركام الضخمة التي تتراكم فوق بعضها البعض، حيث يحتوي المنزل على ثلاث طوابق تم تدميرهم بالكامل.
ورغم الجهود الجبارة التي بذلها الشاب المكلوم برفقة أقربائه، إلا أنهم واجهوا صعوبات كبيرة بسبب نقص الإمكانيات.
وفقًا لوزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، لا يزال عدد من الضحايا تحت الركام وعلى الطرقات، حيث لا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
ويبلغ عدد من يعانون من إعاقة سمعية في غزة 2409 أشخاص فوق سن الـ18 عاما، و1243 شخصاً تحت سن الـ18 عاماً، بحسب إحصائيات رسمية.
ومنذ 7 أكتوبر تشن قوات الاحتلال الإسرائيلي حربا على غزة خلفت أكثر من 114 ألفا بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وقرابة 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين.
وتواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورا، ورغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.
(وكالات)