لماذا أسقطت أمريكا شرعية النظام السوري ثم حمته من السقوط؟

كلنا يتذكر التصريحات الأمريكية النارية ضد النظام السوري منذ نهاية العام 2011 وما تلاه، وقد كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما سباقاً إلى نزع الشرعية من بشار الأسد عندما قال حرفياً إن نظام الأسد فقد شرعيته تماماً بسبب جرائمه التاريخية بحق السوريين. وقد كانت واشنطن على وشك تلقين النظام درساً قاسياً بعد استخدامه السلاح الكيماوي، وكانت حاملات الطائرات الأمريكية وقتها على أهبة الاستعداد لقصف مواقع الأسد، لكن الوساطة الروسية أحبطت الهجوم الأمريكي بعد أن تعهدت موسكو بتجريد النظام من ترسانته الكيماوية بدل معاقبته عسكرياً.
وقد استمرت واشنطن في شيطنة النظام السوري وعزله سياسياً ودبلوماسياً من خلال ما سمي وقتها بمجموعة «أصدقاء سوريا»، حتى أن أمريكا استضافت مكتباً للمعارضة في العاصمة واشنطن وفرضت قيوداً على تحركات وسفير النظام لدى الأمم المتحدة. لكن أوباما على ما يبدو انقلب على سياساته السورية مائة وثمانين درجة عندما اعتبر في إحدى مقابلاته أن قوى المعارضة السورية غير مؤهلة وهي مجرد ثلة من المزارعين والفلاحين والأطباء والعمال. وقد بدا واضحاً وقتها أن أمريكا بدأت تتملص من تعهداتها السابقة حيال النظام السوري. وقد غسل أوباما يديه من الثورة السورية تماماً بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران، حيث على ما يبدو قد باع سوريا للإيرانيين مقابل الاتفاق النووي. وقد ذكر أحد مستشارية لاحقاً أن أوباما أخبر إدارته بأن تنسى الملف السوري تماماً وألا تذكره أمامه مطلقاً.
وبعد الاتفاق النووي مع إيران تقدمت أمريكا خطوة أخرى باتجاه النظام السوري عندما اتفقت مع الروس في خطوة غير متوقعة مطلقاً في أواخر 2015 على التعاون مع موسكو للتدخل في سوريا لحماية النظام. لقد انتهت وقتها كل التصريحات والتهديدات الأمريكية التي كانت تطالب بتغيير النظام وبدأ الحديث الآن عن إعادة تأهيل النظام وتقويته ومساعدته على استعادة الأراضي التي سيطرت عليها فصائل المعارضة. وفعلاً بعد اجتماع قصير في الجمعية العامة للأمم المتحدة بين أوباما وبوتين عام 2015 أعلنت روسيا أنها ستتدخل عسكرياً في سوريا على نطاق واسع لمحاربة داعش، مع العلم أن هدفها الرئيسي لم يكن له علاقة بداعش بل بالقضاء على فصائل المعارضة السورية عسكرياً. وقد أثبتت الأيام أن الروس حاربوا كل فصائل المعارضة ولم يقتربوا من داعش إلا بشكل سطحي.

هذا هو النصر الذي يتفاخر به الأسد ضد الصهيونية والامبريالية الأمريكية، مع العلم أن الذي يحميه حتى هذه اللحظة لا الروسي ولا الإيراني، بل أسياده الصهاينة في تل أبيب والامبرياليون في واشنطن كي يستمر في دوره الوظيفي التخريبي، وليكون قائد الفوضى الهلاكة

ما الذي كانت تريده أمريكا من سوريا يا ترى؟ كلنا يعلم أن واشنطن كانت على علم بكل شاردة وواردة تخص الثورة السورية، ولم تستطع أي جهة في العالم أن تتدخل في المسألة السورية من دون ضوء أخضر أمريكي وإسرائيلي. ولم تدخل بندقية واحدة إلى سوريا إلا بعلم ومراقبة من الأمريكيين. ولا ننسى أن واشنطن استخدمت تركيا كممر إلى الأراضي السورية تماماً كما استخدمت باكستان للعبور إلى أفغانستان. وقد ذكر الضباط السوريون الذين كانوا ينسقون مع الأمريكيين في شمال سوريا أن مجلس إدارة الثورة السورية كان في واقع الأمر بإدارة الاستخبارات الأمريكية التي كانت تتحكم بكل القوى الغربية والإقليمية والعربية المتورطة في الملف السوري. بعبارة أخرى فإن الأمريكيين كانوا يديرون اللعبة السورية من المقعد الخلفي، وليس صحيحاً مطلقاً أن أمريكا كانت بعيدة عن المسألة السورية. والسؤال المحوري، لماذا سمحت واشنطن للقاصي والداني بمن فيهم الدواعش لضرب النظام وإضعافه واستهداف قواته وترسانته العسكرية والتغلغل في سوريا ومساعدة قوات المعارضة على الاستيلاء على أكثر من سبعين بالمائة من الأراضي؟ لماذا فعلت كل ذلك ثم عندما أوشكت قوى المعارضة على الاقتراب من دمشق وأصبح النظام على كف عفريت، اتفقت مع الروس على إنقاذه بشهادة وزارة الدفاع الأمريكية؟ وقد اعترف أندرو إيكسوم مساعد نائب وزير الدفاع الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط في خطاب له أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي أن الأمريكيين شعروا بالخطر عندما أيقنوا أن النظام أصبح على وشك السقوط وأن سقوطه سيشكل خطراً على أمن إسرائيل، فما كان منهم إلا التنسيق مع الروس للتدخل فوراً لحماية الأسد ودعمه عسكرياً في وجه قوى المعارضة التي أصبحت على أسوار القصر الجمهوري. وقد اعترف وزير الخارجية الأمريكي نفسه بأن النظام كان فعلاً على وشك السقوط خلال أسبوعين لولا التدخل الروسي المدعوم أمريكياً.
من سوء حظ السوريين أن الروس والأمريكيين في صراع حقيقي في كل أنحاء العالم، لكن أمن إسرائيل دفعهم إلى التحالف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية لحماية أمن إسرائيل. ولا يمكن ذلك إلا من خلال إعادة الشرعية للنظام واستعادة أنفاسه عسكرياً. وهذا ما يحصل منذ التدخل الروسي عام 2015. واضح تماماً بعد تسع سنوات على الثورة أن الهدف من اللعبة الأمريكية في سوريا لم يكن النظام بل سوريا وطناً وشعباً، فقد تم تهجير نصف الشعب السوري وتحطيم الجيش وتدمير سوريا، بينما منع الأمريكيون سقوط النظام، لأنهم يريدونه أن يستمر في مهمته التاريخية ككلب حراسة لإسرائيل وككلب صيد ينهش لحوم السوريين على حطام بلد كان اسمه سوريا.
هذا هو النصر الذي يتفاخر به الأسد ضد الصهيونية والامبريالية الأمريكية، مع العلم أن الذي يحميه حتى هذه اللحظة لا الروسي ولا الإيراني، بل أسياده الصهاينة في تل أبيب والامبرياليون في واشنطن كي يستمر في دوره الوظيفي التخريبي، وليكون قائد الفوضى الهلاكة في المنطقة بامتياز.

كاتب واعلامي سوري
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول صالح/ الجزائر:

    2)- إن كان الرئيس الأمريكي انقلب ، على ما يبدو ، على سياساته السورية مائة وثمانين درجة فلكثرة “الطباخين” في الداخل وفي الخارج ، ولكثرة “أمراء الحرب” واختلافاتهم ، رؤوسهم أو المتحدثون بأسمائهم كانوا ، وربما مازالوا ، يملأون العواصم العربية والغربية .
    وسائل إعلام لندنية تقدر عدد الجماعات المسلحة المعارضة في سوريا بأكثر من 1000 جماعة . هل تكفي مساحة سوريا لكل الإمارات .
    وهذا هو فصل الخطاب ، وهذا هو ما يقوله “النظام” والعقلاء : أن تركيا استخدمت كممر لعبور السلاح والمسلحين إلى الأراضي السورية وتشجيع النزوح ، تماماً كما استخدمت باكستان للعبور إلى أفغانستان . السعودية كانت تقف وراء باكستان ، فمن يقف وراء تركيا ؟ .
    حتى ولو صدقت العاطفة الجياشة ل”المتأمركين” بأن سقوط “نظام الأسد” سيشكل خطراً على أمن إسرائيل . هل كانت “لإمارات” السورية ، غير المتحدة ، ستشكل خطرا على إسرائيل ؟ وخاصة أن بعضهم كانوا يعالجون فيها قبل قيام هذه الإمارات .

  2. يقول صالح/ الجزائر:

    3)- وهذا هو بيت القصيد ، أي أن اللعبة الأمريكية في سوريا ، وفي غيرها من دول العالم العربي والإسلامي ، لم يكن تفتيت “النظام” بل تفتيت البلد وطناً وشعباً ، أي تنفيذ “سايكس بيكو” لمصلحتها هي ، وليس لخدمة إسرائيل فقط لأن خطر الغزو الاقتصادي/التجاري الصيني على الأبواب .
    الإسلام يحرم التنابز بالألقاب .
    “سأقول شيئا ربما أقوله للمرة الأولى.. عندما بدأنا ننخرط في سوريا في 2012 كان لدينا ضوء أخضر بأن … هي التي ستقود لأن السعودية لم ترد في ذلك الوقت أن تقود. بعد ذلك حصل تغيير في السياسة ولم تخبرنا الرياض أنها تريدنا في المقعد الخلفي. وانتهى الأمر بأن
    أصبحنا نتنافس مع بعضنا وهذا لم يكن صحيا”.
    أما في شأن ليبيا ، بعد مقتل القذافي، حيث دعمت … والإمارات فصيلين متناحرين، أوضح المتحدث : “في النهاية كان هناك الكثير من الطباخين ولذلك فسدت الطبخة”.
    “لم يكن هناك أبدا توازن في العلاقات الخليجية الأمريكية. فعلى مدى 30 عاما ظلت منطقة الخليج تتحكم في أسعار النفط من أجل الغرب، فماذا ربحنا في المقابل؟ ”.
    وأضاف المتحدث : “عندما كانت أسعار النفط تهبط كثيرا كانوا يقولون تحكموا في السعر. وعندما ترتفع يبدأون بالصراخ ويسموننا كارتيل (اتحاد احتكاري) ويقولون لا يمكنكم فعل ذلك”.

  3. يقول سلام عادل(المانيا):

    تحية للجميع
    بعد كل هذه السنين من الحرب في سوريا انكشف الجميع ونواياهم وليست امريكا اوباما او ترامب فقط فالنظام كاي نظام عربي لا يمكن ان يترك السلطة بدون ان يدمر نفسه وما حوله اما المعارضة فهي لا علاقة لها بسوريا بل بمصالح داعميها وخاصة المسلحة بحيث ذهبوا مؤخرا الى ليبيا لتحرير سوريا من هناك وانكشفت ايران وحزب الله وطائفيته وروسيا ومصلحتها اما دول الخليج من ودعمهم بالمال والسلاح وصراخ شيوخ الفتنة فكل همهم كان تدمير سوريا واما تركيا فحدث ولا حرج فهي الاخطر فهي تريد سلب اراضي لضمها الى العثمانية الجديدة

    1. يقول أسامة كليّة سوريا/ألمانيا Ossama Kulliah:

      اتفق معك أخي سلام الا في نقطتين, أنت نسيت أن الشعب السوري هو الذي قام بالثورة وأن بشار الأسد أرادها فوضى خناقة وحرب دموية تحت شعار الأسد أو نحرق البلد, وقد كان النظام دائما لايهمه لا السلطة بجميع أنواع القمع والإجرام منذ خمسين عاماً, إذا بشارون أسدوف هو المجرم والمسؤول أولاً وأخيراً. والنقطة الثانية في أيام العسل والصداقة مع اردوغان, شطب الأسد المطالبة بلواء اسكندرون من الكتب المدرسية كرعبون صداقة لأردوغان! كما أعطى أبوه الجولان لإسرائيل للحفاظ على صداقة ضمنية معها. فمهما وضعنا اللوم على أردوغان ولا أجادل في ذلك فهو سياسي كغيره, لكن العلة في النظام السوري جملة وتفضيلاً! ولابأس أنا معك تماماً فبشارون وصدامون والقذافون والسيسون وبن سلمانون وبن زايدون ……. كلهم من طينة واحدة ولاحول ولاقوة إلا بالله

  4. يقول سامح//الاردن:

    *لنكن واقعيين .. الطاغية (الاسد )
    ونظامه الفاسد العفن مجرد واجهة..
    ومن يدير سوريا حاليا:-
    (روسيا // ايران // تركيا // امريكا // اسرائيل ).
    *العوض عليك يا سوريا ..
    * كان الله في عون الشعب السوري الأبي
    (المنكوب) والمغلوب على أمره..
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  5. يقول كريم الحلو:

    من البداية لم يكن الهدف هو إسقاط النظام في سورية كما حدث للعراق وإنما هو تدمير سورية لأنها الدولة الثانية بعد مصر ولاءاً لأخوان وبعد إقتلاع مرسي في مصر فكان لابد من تفعيل دولة الخلافة في سوريا بعد تفعيلها في مصر ورميها في السجن أمام العالم كله ولكن في سورية إختلف السيناريو حيث تدمير كل شيء في سورية وتوالت علينا الأحداث وعلى الهواء مباشرة برعاية أمريكية كاملة وبتمويل خليجي كما نقطها بادين سابقا وهذا برنامج الفوضى الغير خلاقة فهذا يهرب وذاك يعدم وهذا يُستهلك زهلم جرا وسيستمر الحال وستستجمع كل بقايا القاعدة وداعش ومن على شاكلتهم في أفغانستان جديدة قرب إيران لترفد المنطقة بين الفينة والأحرى بالأرهابيين لتبقى المنطقة متوترة وهذا علني وبدون رتوش وتحليلات وكشف مذكرات بعد 30 سنة ….

  6. يقول شحاده:

    بكل بساطه لان روسيا هزمت امريكا في سوريا والقرم والعراق واليمن وتسعى لهزيمة الغرب في ليبيا

  7. يقول Moustafa El-Sayed:

    لو كان سقوط النظام السوري هو خطر علي امن الكيان الصهيوني لكان ايضا سقوط ليبيا خطر علي دول الجوار اجمع اذا افترضنا ان الخطر علي الكيان من الجماعات المتطرفة فما الذي يحدث في ليبيا الان , لا رصاصة واحدة او صوت واحد ينادي بمعاداة الصهيانة ولكن بمعاداة بعضنا البعض تماما كما ارادو , واذا افترضنا ان عدم سقوط النظام السوري هو ضمان لامن الكيان فكيف لجيش منهك بحرب 9 سنوات ان يحمي او حتي يحافظ علي ارضه ونحن نشاهد تغول تركي واحتلال امريكي وسيطرة كردية علي الاراضي السورية .

  8. يقول مراد عاشور:

    صح الصح

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية