لماذا أهملنَ رشاقتهن وجمالَهن…

حجم الخط
28

-ماذا تعرف عن الملل؟
-إنه شعورٌ رديءٌ جداً…
-صحيح، ولهذا السبب خدَمني الملَل عندما بدأت الدِّراسة في جامعة تل أبيب قبل عامين!
-كيف؟
-عشتُ في سكن مؤقت، وبحثت عن شريكات لاستئجار شقة، خلال بحثي رأيتُ أن هناك من يبحث عن طالبة جامعية لتسكنَ مع سيِّدة تشعر بالملل، هي قادرة على خدمة نفسِها بنفسها، ولا تريد ممن تسكن معها سوى إعانتها على تحدّي الملل ومحاربته.
تواصلت على الخاص مع صاحب الإعلان، فاتفقنا على اللقاء على مدخل حرم الجامعة، وبعد يومين جاء الرجل وزوجته وشقيقته.
الشقة المقترحة ممتازة، فهي لا تبعد سوى بضع مئات من الأمتار، فلا حاجة للتنقل في الحافلات، أمشي منها إلى حرم الجامعة.
ذهبنا إلى العمارة، وصعدنا إلى الطابق الثالث، فاستقبلتنا سيِّدة تبدو في الستين أو أقل، ترتدي لباساً رياضياً، جسدها متناسق، حتى أنني فكَّرت، رُبَّما أنها كانت يوماً من راقصات الباليه، أو ممن يمارسن الجمباز. ودُهشت جداً، بل لم أصدّق، عندما علمت بأنها دخلت في الثمانين من عمرها، يعني أكبر من جدّتي، ولكن كأن الأعوام مرّت عليها، فصَقلت جسدها إلى الأفضل.
استرسلت محدّثتي الصبيّةُ فقالت: ما يُميِّز الأجنبيات هو اهتمامهن بمظهرهن ورشاقة أجسادهن حتى في سنِ متقدمة، أكثرهن يمارسن نشاطاً ما، بينما في مجتمعنا، ما إن تبلغ السيدة السِّتين حتى تبدو وكأنها تعشق الشيخوخة، وترحِّبُ وتفرحُ بها قبل أوانها.
أخبرتها بأنني من قرية عربية من الجليل، وذكرت لها اسم قريتنا.
ابتسمتْ وقالت إن هذا مثير للاهتمام، فهي زارت بلدة عربية منذ زمن بعيد، عندما كانت في شبابها الأول، وكانت القرية في تلك الأيام عبارة عين ماء وقطيع ماعز ورعاة، أحضرتُ أغراضي وبدأت العيش معها.

في الثامنة مساءً، تدخل إلى فراشها استعداداً للنوم، كل ما تطلبه هو الهدوء، ويطمئنها وجودي في الشّقة، دَعتني إذا ما كنتُ أرغب بمرافقتها للمشي في الخامسة صباحاً حتى شاطئ البحر.
الحقيقة أنني أعشق النوم، ولكنني وافقتُ على سبيل التّجريب، فهي فرصة بأن أغيّر شيئاً من منهاج حياتي الفوضوي، إلى نهج حياة صحِّي.
شعرتُ بالخجل، سيِّدة في الثمانين تهتم بلياقتها البدنية أكثر مني أنا ابنة السادسة والعشرين، كذلك فهي تمارس اليوغا.
كنت قد أحضرت معي علبة من الكعك بالتَّمر من صنع والدتي، عرضتُ عليها واحدةً منها، توقَّعت أن تلتهمها، ولكنها اعتذرت بأن نظامها الغذائي خالٍ تماماً من السُّكر والخُبز، ولا تدخلُ الحلوى فمَها إلا من خلال الفاكهة الطازجة، المحسوبة بعناية، فهي حريصة جداً على نوعية طعامها الذي يحمل الحدَّ الأدنى من السُّعرات الحرارية، كذلك فهي تذهب في كل يوم جمعة إلى عيادة لتدليك جسدها والعناية بأظافرها.
أثارت إعجابي أكثر وأكثر، بأنها تقرأ كتاباً واحداً في كل أسبوع، في العبرية أو الإيطالية أوالإنكليزية، قد تكون رواية، أو بحثاً علمياً أو قصصاً وشعراً، وفي التنمية البشرية وغيرها.
يوماً بعد يوم، صارت تحكي لي عن بعض التفاصيل من حياتها الخاصة، عرضَت عليّ ألبومات صور من أيام شبابها، كانت حسناءَ بالفعل، أرتني صورة لزوجها الأول الذي أنجبت منه بكرَها، ثم صورَها مع عشيقها الذي تركت زوجها لأجله، وهو والد ابنها وابنتها اللذين عرّفاني عليها، ثم عرضت صوراً لها في مناسبات كثيرة، وفي رحلات إلى مناطق مختلفة من العالم، في أوروبا والشرق الأقصى وكندا وأمريكا.
تنفّست محدثتي الشابة الصعداء وتساءلت: لماذا تهمل أمهاتنا وجداتنا أجسادهن، فمعظمهن بعيدات عن الرِّياضة والرشاقة والمطالعة والسَّفر ومختلف الفنون الجميلة؟
– يا عزيزتي، هذا الملل الذي تحدّثتِ عنه اسمه «مشاكل أغنياء»، العيش في نظام غذائي ورياضي ورحلات وعيادات تدليك، هذا ترفٌ يعيشه الميسورون، صحيح أن الأجنبيات يهتممن أكثر من أمهاتنا وجدّاتنا بأجسامهن وصحتهن، ولكن ليس لأنهن يحببن أن يكنَّ جميلات أكثر من جداتنا وأمهاتنا، فكل امرأة تحب أن تكون جميلة ورشيقة، ولكن هذا الاهتمام يأتي بعد رخاء اقتصادي واستقرار سياسي وليس صُدفة.
أمهاتنا وجدّاتنا مثل ملايين الأمَّهات العربيات ونساء العالم الثالث، كافحن لأجل بقاء أسرهن، أمهاتنا بطلات حقيقيات، وقعت عليهن مسؤوليات وأعباء كبيرة، معظمهن أهملن العناية بأنفسهن وجمالهن ورشاقتهن ولياقتهن البدنية وحتى صحتهن، إلا ما منحته لهن الطبيعة، اقتصدن في كل شيء لضمان بعض السَّعادة لأبنائهن وأزواجهن وأحفادهن وأبناء أسرهن.
أذكر هؤلاء النسوة، ليس فقط في يوم الأم، أذكر أولئك اللاتي حَرمن أنفسهن من ترف الحفاظ على الرّشاقة والنعومة، لم يمارسن رياضة على شاطئ البحر، ولا يوغا على صخرة في غابة، لم يدخلن يوماً معهداً للتدليك على أنغام موسيقى هادئة وشموع وروائح طيّبة، لم يقتنين أدوات أو موادّ للتجميل، واكتفين بالكُحل ورائحة طيّبة وحنّاء وزيت زيتون وبعض الكريمات الرخيصة، معظمهن لم يصلن مطاراً أو ميناءً، لم يكن لديهن وقت ولا إمكانيات، إنهن أولئك اللاتي حملن حملات الحطب من الوعور إلى بيوتهن، وجمعن بقول الأرض، وعشن مع أزواجهن شظف العيش والقلّة، واجترحن معجزة إنجاب وتربية أجيال من الرجال والنساء والأحفاد الّذين يملأون الأرض صخباً وحياة، في الجامعات وغيرها من مرافق الحياة في الوطن وخارجه، لم يواجهن مللاً قط، فقد كُنَّ مشغولات في صراع شرسٍ مع قسوة الحياة والقمع السياسي الذي تعرض له شعبهن وأسرهن، والقمع الاجتماعي الذي لا يقل قسوةً عن القمع السياسي، ولكلٍ منهن قصتها، وقد انتصرن، نعم انتصرن في معاركهن، وها هي ثمارهن الجميلة، تنتشر بذاراً يملأ أرض الوطن، وتنتشر في كل جهات الرِّيح.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    عندنا بالنرويج سيدات بعمر الثمانين والتسعين يركبن الدراجة لمشاويرهن وتسوقهن!
    النظام الغذائي لديهن صارم, والأجمل هو بإبتسامتهن مع الجميع!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول فاطمة كيوان:

    **0الجمال لا يكون بامتلاكك وجها جميلا ..
    بل يكون باٌمتلاكك قلبا حنونا .. ونفسا معطاءة تقدم الاخربن عليها.**
    انها تلك المرأه الكادحة العاملة الفلسطينية االام  التي دأبت دائما على انارة الطريق لابنائها واسرتها وتقدم بيتها وبلدها وتحمل هم الوطن في  القلب قبل نفسها .
    انها الذراع الحامي والواقي والسند ومن تحملت شظف العيش وانتهاك الحقوق والوقوف على الحواجز والصدام ومواجهة الاحتلال في ارضها لترسخ وجودها وحقها المستباح يوميا . وفي ذالك سعادتها وسر وجودها لا مكان للملل ولا للاستسلام بحياتها ولا وقت لمعالجة اثار الشمس ولا وقت للتفكير كاليوم لعمل تبييض للبشرة او تكبير للشفاه او تصغير للمعده مثلما يحدث الان . حيث اصبحت عيادات التجميل  منتشرة في كل الاماكن وعليها اقبال رهيب .  . ورغم ذالك التعب الا ان امهاتنا كانوا يتمتعون بالقوة والرشاقة والجمال الرباني .اما  الحداثة غيرت كل المفاهيم حتى الجمال. فلم يعد شئ طبيعي . ورغم ذالك ازداد الفراغ وحالات الملل وتفكك الاسرة والطلاق لا بل ازدادت نسبة الامراض النفسية وحالات العنف الكلامي والجسدي ونسوا ان الجمال هو جمال الخلق قبل الجسد . وان الغراس لا تتبت ان لم ترو بماء القلب والعين لتنبت مستقرة وتنعم بالخضرة والجمال.
     

    1. يقول سنتيك اليونان:

      بالإضافة الى كل ما ذكرتيه الا تعتقدي ان منظر امرأة نحيفة القد جميلة الوجه يشرح القلب … قال غريغوري ان الله يحب الجمال لذالك خلق الطبيعة جميلة

  3. يقول رائدة ابوصوي/ القدس:

    من غير ليه .
    لكم دينكم ولي دين
    عندنا في المجتمع المحافظ لكل عمر طقوس خاصه به وصورة نمطية من غير المقبول تجاوزها وبصراحة صورة تستحق الاحترام والتقدير
    الوقار والهيبة عند المسنات . عند جداتنا تضفي لمسة جمال غير موجودة لدى النساء الغربيات
    تراثنا وحضارتنا العربية لها طابع خاص بها . من غير المقبول رؤية جداتنا بالبنطلون .تهتز الصورة التي نفتخر بها وهي صورتها بالثوب الفلسطيني الجميل جدا . وبالنسبة للعطور
    عطر النعنع والليمون اجمل من افخر العطور

    1. يقول سنتيك اليونان:

      كلامك ذهب نساء العرب عملهم مقدس داخل المنزل لتربية الاولاد والطبخ والغسيل والكوي ولا حاجة لهن خارج المنزل لا سيما ان رجال العرب بنوا مجتمعات عربية حرة مستقلة مزدهرة وبنوا صناعة متطورة وزراعة رائدة وها هي منتوجاتهم يتسابق عليها العالم لا سيما العقاقير الطبية

  4. يقول احمد مناع:

    يا استاذ سهيل ربنا يسعدك لما النساء عنا بتخلف ١٠ كيف جسمها بدوا يكون رشيق .والطبخ والغسيل والزرع . صحيح للوضع المادي له القسط الأكبر في بناء أجسام رشيقه .وهاذا عند مجتمعنا قليل من الاغنياء حتى لو فيى نسائهم لا يهتمون بالرشاقه لهيك يجب توعيه نساؤنا وبناتنا عل الرشاقه الدائمه.

  5. يقول محمد اسماعيل الو حسين:

    جميل جدا ان يصنع الإنسان لنفسه عالمه الخاص و هنا انا لا أدعو الى العزلة عن بني البشر .. بقدر ما أدعو الى التمرد على الحياة النمطية الروتينية التي يعيشها معظم الناس و خصوصا في بلداننا العربية .. مهم جدا ان تكون لدينا ثقافة كيف و ماذا ناكل و ماذا نشرف و ماذا نقراء و كيف نمارس الرياضة و الحفاظ على صحتنا .. مهم حدا أن نعي ما يدور حولنا في هذا العالم المليء بالمتناقضات

  6. يقول د. نبيل طنوس:

    مقالة رائعة. أحببت ما قرأت. توجهك لأمهاتنا وجداتنا هو حقيقي فهن مفعمات بالحب والحنان وغيرها للابناء والأحفاد والزوج ولكل الأسرة. وعلى الرغم من ذلك عليهن الاهتمام برشاقتهن وهذا لا يكلف الكثير.

  7. يقول محمد الحسنات:

    هل مقالك عن،، الرشاقة والجمال،، يعني آنك قرفان من عجائب وغرائب،، تحالفات جديدة بإسم الدين في الإنتخابات ؟!

  8. يقول ابراهيم هوارب:

    امهاتنا هامات منتصبه، ملح هذه الارض، لا يعرفن المل ولا الكلل حتى في سن التسعين، تجمع اولادها واحفدها حول صحن الكبه والمجدره ، لهن كل التحيه والاكبار والاجلال

  9. يقول هاديه:

    مقاله رائعه سلمت أناملك الذهبيه وكل المحبه لامهاتنا وجداتنا ?

  10. يقول علي مناع:

    جمال امهاتنا وجداتنا هو جمال طبيعي يعكس الظروف الصعبة التي عاشوها ولكنه يبقى بدون رتوش او تصنعات ..فهل اجمل من الطبيعة كما هي

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية