لماذا الإصرار على اغتيال ترامب؟

نجا الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، المرشح الحالي للرئاسة، من محاولة إغتيال ثانية، جرت يوم الأحد، حيث تم إطلاق النار قرب ملعب للغولف يملكه في بالم بيتش، في ولاية فلوريدا.
وقد أعلن مكتب التحقيقات الفدرالي أن المشتبه فيه كان يختبئ بين شجيرات تفصله عن ترامب مسافة تتراوح بين 300-500 متر، ويحمل رشاشاً من نوع كلاشنيكوف.
ومن مزايا هذا السلاح أن طلقاته سريعة، وتقطع مسافة 715 متراً في الثانية الواحدة، مما يعني أنها تستغرق نصف ثانية للوصول إلى مكان تواجد ترامب ضمن مدى الكلاشنيكوف.

حرب أوكرانيا

وأُعلن أنه تم رصد المشتبه فيه من قبل الحرس الرئاسي الذين كانوا يرافقون ترامب في ملعب الغولف، عندما رأى أحدهم فوهة بندقية بارزة من سياج الملعب، بين الشجيرات. فقاموا بإطلاق النار باتجاهه، وإذ به يفر بسيارته. وقد أُلقي القبض عليه لاحقاً.
وكشفت السلطات عن اسم المشتبه فيه “ريان ويسلي روث”، 58 عاماً، من ولاية هاواي.
وذكرت وكالات أنباء أنها عثرت على مساهمات له على مواقع التواصل أشارت جميعها إلى أنه كان مؤيداً قوياً لأوكرانيا في حربها الدائرة مع روسيا، وأنه يكره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وذكرت جريدة “نيويورك تايمز” أن “روث” تطوع للمجهود الحربي في أوكرانيا، وسافر إلى هناك، حيث أمضى عدة أشهر، وكان يحاول تجنيد الجنود الأمريكيين الذين فروا من طالبان للقتال في أوكرانيا.
وفي انتخابات الرئاسة الأولية للحزب الديمقراطي، عام 2020، دعم “روث” المرشح اليهودي اليساري البارز بيرني ساندرز، وكان معارضاً للرئيس جو بايدن.

الأجواء المشحونة

يبدو واضحاً أن الجهة، أو الجهات، التي وقفت وراء محاولة اغتيال ترامب الأولى، قبل شهرين، تصر على تكرار المحاولة مهما كلف الأمر.
وربما ستكون هناك محاولات أخرى في قادم الأيام. ناهيك عن وجود احتمال كبير أن تقود الأجواء المشحونة في الولايات المتحدة، والاحتقان السياسي، والانقسامات الحادة، إلى تطورات غير متوقعة، لا يُحمد عقباها.
فكل الاحتمالات أسوأ من بعضها البعض، فلو نجحت محاولة أخرى لاغتيال ترامب ربما تؤدي إلى إشعال البلاد على الفور.
وإذا بقي ترامب ثم خسر الانتخابات ستقود إلى النتيجة ذاتها، فهو الذي توعد مراراً بـ “بحمام دم” لو خسر. وإذا فاز ترامب وتولى الرئاسة فإنه سيدير البلاد بطريقته المعهودة، التي لا تنسجم مع الأعراف والتقاليد السياسية التي يعرفها الأمريكيون، وهذا أيضاً لن يكون مقبولاً هذه المرة بتاتاً من قبل المؤسسة الحاكمة، التي يبدو أنها مرعوبة من احتمال عودته. إذن نجد أن جميع الاحتمالات، مهما كانت، ربما تقود إلى النتيجة نفسها وهي الصدام بأشكاله المختلفة.

سر الرعب

لكن يبقى السؤال لماذا كل هذا الرعب من عودة ترامب الى البيت الأبيض؟ تشير قراءة متأنية لأدبيات المعارضين لترامب، من خصومه الديمقراطيين، ومن خصومه الجمهوريين، ومن المنظومة الحاكمة، تشير الى أن هذه الجهات تشترك معاً في توجيه التهم نفسها إلى ترامب، أبرزها زعزعة أسس الجمهورية الأمريكية، واحتقار الدستور، والقضاء، والقوانين الناظمة للحياة السياسية. وهذه تهم تقود بالطبع إلى حبل المشنقة في دول أخرى في العالم.
هناك جمهوريون كبار يعارضون لترامب، وهم الذين يُفترض فيهم أن يكونوا الأقرب إليه فكرياً على الأقل. فكثير من القادة البارزين في الحزب الجمهوري يتنصلون من دونالد ترامب، ولا يعتبرونه مرشحهم. من أهم هؤلاء الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، الذي أعلن أنه لن يؤيد ترامب في هذه الانتخابات.
أما نائبه ديك تشيني فقد اتخذ موقفاً أكثر تطرفاً إذ أعلن أنه يؤيد المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
ووصف تشيني ترامب أنه أخطر شخص على البلاد منذ تأسيسها. وكتب يقول: “انه لم يمر في تاريخ أمريكا، على مدى قرابة 250 عاماً، من هو أشد خطورةً على الجمهورية من دونالد ترامب. إذ حاول سرقة الانتخابات السابقة، عام 2020، عن طريق الكذب والعنف كي يبقى على رأس السلطة، بعد أن عزله الناخبون من منصبه. فلا يمكن الوثوق به مرة أخرى في السلطة”. كما اتخذت ابنة تشيني، النائبة السابقة، ليز تشيني موقفاً مشابهاً من موقف والدها، وهي التي تُعتبر من قيادات الحزب الجمهوري.
كما رفض قادة جمهوريون بارزون تأييد ترامب، منهم المرشح الرئاسي السابق، السيناتور مت روني، وعائلة المرشح الرئاسي السابق السيناتور الراحل جان ماكين، ورئيس مجلس النواب السابق بول راين، إضافة الى مايك بنس، نائب ترامب السابق، الذي قال انه لن يؤيده في هذه الانتخابات. وهذا أمر يحدث لأول مرة.

برنامج هاريس

ويتحدث الجمهوريون المعارضون لترامب عن المخاطر العالية التي تواجهها البلاد لو عاد دونالد ترامب الى البيت الأبيض. ويقولون إنه يمثل تحديًا وتهديداً لأسس الدولة الأمريكية، وأن الخطورة تكمن في استعداده لاستخدام العنف للاستيلاء على الانتخابات من أجل البقاء في السلطة، الأمر الذي يُعتبرونه كارثة لن تتعافى منها البلاد. ومن الجمهوريين من يدعو الى منح أصواتهم إلى هاريس لضمان عدم عودة ترامب إلى سدة الحكم.
وهناك من الجمهوريين من هم معجبون ببرنامج هاريس الانتخابي. ويقولون إن برنامجها كان يمكن أن يقدمه أي رئيس جمهوري، مثل جورج بوش، أو رونالد ريغان. ويصفونه أنه يُعبّر عن تبنيها وفهمها للطبيعة الاستثنائية للمجتمع الأمريكي، وحبها له، واعترافها بخصوصية البلاد، وبضرورة الحفاظ على التماسك الداخلي، وذلك نقيض ما يسمعونه يومياً من دونالد ترامب، من وصفه لبلاده أنها بلادٌ فاشلة.
ولذلك يطالب هؤلاء الجمهوريون المرشحة هاريس أن تستغل هذه الانتخابات لتبْني تحالفًا سياسياً يضم كل الأطياف المؤيدة لوحدة البلاد، من جمهوري وديمقراطي ومستقل، وأن تكون رئيسة للجميع، في مواجهة ترامب المستعد لانتهاج سياسات تشكل خطراً أساسياً على وجود الدولة. وعلى هذا يبني الجمهوريون المعارضون لترامب اصطفافهم خلف المرشحة الديمقراطية هاريس.

عقلية الكاوبوي

مما تقدم نكتشف أن الولايات المتحدة، لم يسبق أن واجهت معضلة حقيقية كهذه. فاللجوء للاغتيالات السياسية، وسط حملة انتخابية، أمر غريب أن يجري في الدولة الديمقراطية الأولى والأقوى في العالم، التي تفتخر بالتداول السلمي للسلطة. لكن الأمر يصبح عادياً لو تذكرنا أن المجتمع الأمريكي برمته تأسس على “عقلية الكاوبوي”، المنبثقة عن الغرب الأمريكي المتوحش، والقائمة على العنف والقتل. العقلية التي ما زالت هي المهيمنة حتى يومنا هذا.

كاتب من الأردن

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية