في الأول من تموز/يوليو الحالي، جرى تنفيذ هجومين، أحدهما نسب لإسرائيل، ضد أهداف إيرانية في سوريا، والثاني نسب للولايات المتحدة على لقاء عقد لنشطاء القاعدة في مدينة حلب. الهجومان نفذا بعد أسبوع على لقاء مستشاري الأمن القومي لروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل في القدس، في منطقة تحت حماية أنظمة الدفاع الجوي الروسية، بدون رد روسي عملياتي. السؤال هو: هل تم عرض أهداف الهجوم على الروس في لقاء مستشاري الأمن القومي في القدس؟ حسب التقارير، تمت مهاجمة 12 هدفاً، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل إظهار التصميم على إعاقة وإحباط التواجد الإيراني في سوريا والجهود لنقل الوسائل القتالية لحزب الله. في المقابل، تصمم إيران على عدم التنازل وتواصل جهودها للتواجد، أيضاً بثمن تلقي الدمار والإصابات في أعقاب الهجمات الإسرائيلية المتكررة، بهدف بناء قدرات عسكرية تهدد مباشرة إسرائيل من الأراضي السورية واللبنانية، وتحسين وتعظيم نظام الصواريخ لحزب الله في لبنان.
لقاء مستشاري الأمن القومي الذي جرى عقده في 24 حزيران/يونيو الماضي في القدس كان لقاء استثنائياً من ناحية المضمون، وأبرز مكانة إسرائيل كلاعبة مؤثرة في الساحة الإقليمية والدولية، إلى درجة التدخل في العلاقات بين الدولتين العظميين، روسيا والولايات المتحدة. اللقاء حسب التقارير جرى في أجواء إيجابية بدون تسرب أي تفاصيل للمحادثات منه. يمكن التقدير بأنه بحثت فيه مسائل على المستوى الدولي، تتعلق بعلاقات روسيا والولايات المتحدة، إلى جانب مسائل إقليمية في مركزها إيران ومستقبل سوريا. من ناحية روسيا والولايات المتحدة، هذا كان لقاء تمهيدياً قبل انعقاد قمة الرئيسين ترامب وبوتين، التي عقدت في مؤتمر “جي 20” في أوساكا في 27 – 29 حزيران/يونيو الماضي. الرئيسان تباحثا في مواضيع عدة على جدول الأعمال؛ منها مسائل تتعلق بسوريا وإيران، ومروراً بأوكرانيا وكوريا الشمالية وفنزويلا. ولم يتم الإبلاغ عن مضمون اللقاء واستنتاجاته، لكن في رسائل علنية، أشار الطرفان إلى أنهما راضيان عن النتائج، ويعتبرانه مرحلة هامة في استئناف الحوار بينهما وتشكيل شبكة علاقات مستقبلية إيجابية بين الدولتين العظميين.
وفي عودة إلى الساحة السورية: الهجوم الإسرائيلي برهن على أنه حتى لو كانت هناك تفاهمات في لقاء مستشاري الأمن القومي، جون بولتون ومئير بن شبات ونيكولاي بتروشوف، فهي لن تؤدي إلى نتائج فورية. يمكن التقدير بأن الطلب الأساسي الذي طلبه الأمريكيون والإسرائيليون هو إخراج إيران من سوريا. وفي المقابل، طلب المستشار الروسي رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا، والموافقة على بقاء بشار الأسد على كرسي الرئاسة في سوريا. من المعقول الافتراض أنه لم يتم إغلاق الصفقة بعد، التي ستضعف العلاقة بين روسيا وإيران، وتقلص وجود إيران ومبعوثيها في سوريا. ولكن هناك من يرون في رفض موسكو أن تبيع إيران أنظمة دفاع جوية متقدمة (إس 400)، وفي ظل غياب رد روسي على الهجمات الإسرائيلية في سوريا إشارة لواشنطن بأن روسيا مستعدة لصفقة شاملة. هذا رغم أن الأقوال تسمع مختلفة بشكل علني (إيران نفت أنها تريد شراء الأنظمة الروسية، في حين أن روسيا تطلب رسمياً بأن تتوقف إسرائيل عن الهجمات وتحترم سيادة سوريا).
في الأشهر الأخيرة، نشرت أبحاث وأوراق سياسية كثيرة، تظهر أن بوتين مستعد لبيع إيران والاستجابة لطلبات الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن إخراج إيران من سوريا. ولكن لا يوجد لهذا التقدير تأكيد في تصريحات بوتين أو متخذي القرارات الروس الكبار الآخرين. على المستوى العلني على الأقل، يبدو أن هناك خلافات بين الدول العظمى حول ذلك. من أقوال المستشار الروسي حول الموضوع الإيراني، قبل وأثناء اللقاء، ظهرت صورة لدعم روسي للجمهورية الإسلامية. هذا الانطباع يثير الاستغراب، إذ إنه من الواضح أن مصلحة الدولتين في التوصل إلى تنسيق في المواقف والتعاون في حل الأزمة الإيرانية، حتى في المجال النووي، أي محاولة فرضهما على إيران اتفاق نووي محدد، وكذلك في تقليل نفوذ إيران في فضاء الشرق الأوسط.
وحول التواجد الإيراني في سوريا، حسب المستشار بولتون، لا يوجد خلاف بين الدول العظمى بخصوص الحاجة في انسحاب إيران ومبعوثيها من سوريا. بتروشيف في المقابل قال إنه “يجب العمل على تقليل التوتر بين إسرائيل وإيران”. بالنسبة له، هجمات إسرائيل في سوريا غير مرغوب فيها. “يمكن حل القلق الإسرائيلي بوسائل غير عسكرية”. وفيما يتعلق بسوريا، ربما تم الاتفاق على أن روسيا والولايات المتحدة ستعملان بتعاون من أجل الدفع قدماً بتسوية سياسية، الأمر الذي كما يبدو يجعل المنتديات الدولية القائمة غير ذات صلة (الأستانة وجنيف)، التي تجري فيها محاولة لاستقرار الدولة. في هذا السياق، ليس واضحاً دور إسرائيل (باستثناء كونها يتم إبلاغها بصورة الوضع)، ولكن يجدر الذكر بأن هناك تفاهمات بين روسيا وإسرائيل، تتركز في نظام لمنع مواجهات عسكرية بين قوات الجيش الإسرائيلي والقوات الروسية الموجودة في سوريا، وهناك إستراتيجية لإبعاد القوات الإيرانية ومبعوثيها إلى مسافة 100 كم عن الحدود في هضبة الجولان، وتسليم إسرائيل فعلياً بحقيقة أن نظام الأسد هو العنصر المنتصر في الحرب الأهلية والوحيد الذي يمكنه تثبيت النظام السوري. هذا الفهم تم التعبير عنه بغياب رد إسرائيل على سيطرة قوات الأسد من جديد على هضبة الجولان وجنوبي سوريا في صيف 2018.
إضافة إلى التنسيق مع روسيا، هناك إدراك أمريكي بأنه يجب التدخل في جهود التسوية في سوريا. في الإدارة بواشنطن قلقون من تجدد سفك الدماء بسبب قرار محتمل لنظام الأسد –برعاية روسيا– باحتلال معقل المعارضة الأخير في محافظة إدلب. في هذه المحافظة، يعيش 3 ملايين نسمة، من بينهم كثيرون هجروا من بيوتهم، في وقت يكون فيه الهدف الأساسي للولايات المتحدة هو منع كارثة إنسانية جديدة وهرب جماعي للاجئين. منطقة أخرى توجد في قلب المصالح الأمريكية هي المنطقة الكردية: تقريباً ثلث مساحة سوريا، وتحكمها القوات الديمقراطية السورية، وهي ميليشيات بهيمنة كردية أنشئت على أيدي الولايات المتحدة، وحملت معظم عبء القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا. الميليشيات الكردية تسيطر على معظم منطقة الحدود بين العراق وسوريا، وهي ذخر إستراتيجي للولايات المتحدة وإسرائيل في كفاحهما لمنع إقامة جسر بري من طهران حتى البحر المتوسط. فقط مؤخراً كانت هناك تقارير تتعلق باتفاقات لوضع سكة حديد تربط إيران بمطار اللاذقية في سوريا. الصورة المركبة الآخذة في التبلور تنضم إليها تركيا التي أعلنت بأنها لن تسمح بأي حكم ذاتي للأكراد في شمال وشرق سوريا، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة تقترب من نقطة الأزمة بسبب قرار تركيا شراء أنظمة دفاع جوية روسية (إس 400). روسيا من ناحيتها تحظى بالمقابل المادي، وبدق إسفين بين عضوة في حلف الناتو والولايات المتحدة.
الخلاصة
تمتد أمامنا صورة مضللة ومتعددة الوجوه، وما زال هناك عدد من الأمور التي يجب استخلاصها منها. من الواضح أن لقاء مستشاري الأمن القومي كان مرحلة أولى في تجدد التعاون بين موسكو وواشنطن بعد نجاة ترامب من لجنة تحقيق المدعي العام الخاص، روبرت مولر، الذي لم يجد أي أدلة دامغة على العلاقة بين حملة ترامب الرئاسية في 2016 وروسيا. هدف اللقاء كان تنسيق جدول الأعمال للقاء في أوساكا، وبالتحديد بخصوص مسألة سوريا في محاولة للضغط على موسكو، من أجل تقليص المساعدات لإيران ودعمها لها، مقابل تخفيف العقوبات الغربية المفروضة عليها. روسيا من ناحيتها تعمل على تأطير نفسها كوسيطة بين الولايات المتحدة وإيران في معظم المواضيع، بدءاً بالمشروع النووي وحتى مسألة النفوذ الإقليمي. من تصريحات المستشار بتروشيف فيما يتعلق بإسرائيل التي تقول إنه يمكن حل مشاكلها مع إيران في سوريا بدون استخدام الوسائل العسكرية، ثمة إشارة إلى أن موسكو تريد أن تعمل أيضاً كوسيط لنقل الرسائل ومنع تقديرات خاطئة بين تل أبيب وطهران.
من الصعب رؤية وضع تعطي فيه الولايات المتحدة لروسيا دوراً رئيساً في التنسيق مع إيران، خصوصاً بين إسرائيل وإيران. الشك الكبير في الغرب بالنسبة لروسيا، بخصوص دوافعها ونفوذها، لا يسمح بإعطائها دوراً رئيساً في وضع تسوية إقليمية في الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، من الواضح أنه لا يمكن إجراء تسوية بدون روسيا. وبالتالي، إسرائيل مطلوب منها الامتناع عن وضع كل مصالحها في سلة روسيا المثقوبة. وبالمناسبة، يجب عليها زيادة استعدادها بالتحديد ازاء التحدي الإيراني مثلما حدث مؤخراً في سلسلة أحداث عنيفة في الخليج الفارسي.
الثقة الإيرانية بالنفس مهزوزة؛ فمن جهة تتزايد المخاوف في طهران من “بيع بالمزاد” ليس فقط من جانب الغرب، بل أيضاً من جانب حليفتها روسيا. من جهة أخرى، إيران خرجت قوية على ضوء غياب رد عسكري أمريكي، سواء على خطواتها في الخليج أو تجاوز الاتفاق النووي – تسريع تخصيب اليورانيوم إلى النسبة والكمية المسموح بهما. يبدو أن إيران تنتظر الفرصة الصحيحة بالنسبة لها من أجل العمل. إيران استخدمت الميليشيات الشيعية التابعة لها في سوريا من أجل مهاجمة إسرائيل بسلاح عالي المستوى. وهي من شأنها أيضاً استغلال فشل الوساطة الأمريكية من أجل ترسيم حدود بحرية اقتصادية بين إسرائيل ولبنان، لتشجيع حزب الله على الرد بالقوة على هجمات إسرائيل في المستقبل.
بقلم: تسفي ميغن وأودي ديكل
نظرة عليا 9/7/2019