أطلق بنيامين نتنياهو، منشورا على منصة إكس يوم الجمعة الماضي يقول فيه إن إسرائيل لن تقبل بأي محاولة من جانب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي «لتقويض حقّها الأساسي في الدفاع عن نفسها».
جاء التصريح بعد تداول أنباء عن احتمال أن يصدر كريم خان، المدعي العام للمحكمة، مذكرات اعتقال دولية بحقه، وكذلك بحق وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس أركان جيشه، هرتسي هاليفي، على خلفية انتهاكات للقانون الدولي وارتكاب جرائم حرب في غزة.
ستلزم أوامر الاعتقال، إذا صدرت، 120 دولة من الأعضاء في المحكمة، باعتقال الشخصيات الإسرائيلية الصادرة بحقها إذا وصلت إلى أراضيها وتسليمها، من ثم، إلى المحكمة في لاهاي.
مزاعم نتنياهو التي تجعل «حق الدفاع» لإسرائيل مبررا لجرائم الحرب وانتهاك الشرع الدولية والأممية تسحب ذيلا طويلا من التناقضات التي تتلبس، من جهة، وضعية الدولة الاستعمارية، فتبرر الجرائم ضد الإنسانية بأن حلفاءها الأمريكيين والأوروبيين «المنافقين» ارتكبوا أسوأ منها، ولا يحق لهم، بالتالي، محاسبتها أو الضغط عليها لوقفها، أو تنحو، من جهة ثانية، إلى تلبّس لبوس الضحية، كما يفعل الوزير الإرهابي بن غفير بتكرار كل من يعارضه، بمن في ذلك زملاؤه في «مجلس الحرب» مثل غالانت، باتهامهم بممارسات النازية ضد اليهود!
أظهر نتنياهو قلقا واضحا من إمكانية حصول الأمر، فبدأ خطوات احترازية ضد الخطوة، ومنها مناقشة رؤساء دول هولندا والنمسا والتشيك، غير أن إرساله وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وسفيره في واشنطن، مايك هرتسوغ، لإجراء محادثات مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، دليل على مخاوف من إمكانية تمرير الإدارة الأمريكية لهذا القرار إذا لم تستخدم حق النقض (الفيتو) ضده.
تعبّر المسألة برمّتها عن وصول مفاعيل الحرب على غزة إلى ذروة عالمية وإقليمية وحتى داخلية إسرائيلية.
إذا بدأنا بالمستوى الإسرائيلي أولا فسنلاحظ وصول التجاذب بين وزيري الصهيونية الدينية، بن غفير وسموتريتش، ووزير الدفاع بيني غانتس، إلى أقصى مداه، على خلفية الصفقة التي عرضتها مصر لوقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن رهائن إسرائيليين لدى «حماس»، فثنائي الصهيونية الدينية يهددان بفرط الحكومة إذا وافق نتنياهو على الصفقة، وغانتس يعتبرها ساقطة إذا لم يوافق.
على المستوى العربي نلاحظ تطورا مهما تمثل باجتماع عربي – إسلامي في العاصمة السعودية الرياض، أمس الأحد، حضره وزراء خارجية قطر وتركيا ومصر والأردن (إضافة إلى السعودية) وكذلك أمين سر منظمة الفلسطينية حسين الشيخ، وأمين عام منظمة التعاون الإسلامي. استخدم الاجتماع كلمات واضحة لتوصيف ما يحصل في غزة باعتباره إبادة وجرائم حرب، وبمطالبة المنظومة الدولية بفرض عقوبات «فاعلة» على إسرائيل ردا على ارتكابها انتهاكات وجرائم حرب، ويكتسب هذا أهمية لصدوره على لسان وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في إشارة واضحة إلى فشل الإدارة الأمريكية في مسعاها للضغط على الفلسطينيين عبر عرض متابعة مشاريع التطبيع في الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بسفك الدم الفلسطيني.
إقليميا، كان وصول التوتّر بين إيران وإسرائيل إلى حد هجمات مسيّرات وصواريخ طهران التي شاركت ثلاث دول غربية كبرى في صدها إشارة هائلة إلى احتمالات الانزلاق إلى حرب شاملة تزعزع كل الشرق الأوسط، وهو أمر لم ينحسر بعد مع استمرار التبادلات النارية في البحر الأحمر بسبب هجمات صواريخ ومسيرات الحوثيين، وكذلك المجابهات المستمرة بين «حزب الله» اللبناني وإسرائيل.
على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية أدت الاحتجاجات الطلابية إلى تشكل مشهد نضالي جاذب لطلاب العالم، كما أنه فتح الباب، بشكل واسع، لمراجعة معنى إسرائيل، رغم كونها أشبه بـ «البقرة المقدسة» التي صنعها اللوبي الإسرائيلي، تحت دعوى «معاداة السامية»، وتيارات المسيحية الخلاصية التي تعتبر الدولة العبرية قرارا إلهيا، ولمناقشة قضايا الجينوسايد الإسرائيلي للفلسطينيين، ولاعتبارها جزءا من الكولونيالية الاستيطانية الغربية.
ما تقوله هذه الوقائع كلها أن العالم بعد غزة لم يعد كما كان قبلها، وأن إسرائيل لم تعد «الصنم المقدس» الذي لا يمكن المساس به.