لماذا تراجع المغرب؟ ولماذا ستنظمها مصر؟

■ كثيرة هي التساؤلات التي لا تزال مطروحة على الساحة الكروية المغربية والعربية والإفريقية، حول امتناع المغرب عن تقديم ترشيحه لاحتضان نهائيات كاس أمم افريقيا 2019 التي سحبت من الكاميرون بحجة عدم جاهزيتها، رغم أن كل التكهنات كانت تشير إلى ترشح المغرب بعدها وحصوله على تنظيم الدورة بحكم النفوذ الذي صار لديه في «الكاف» والعلاقات الوطيدة التي تجمع رئيس الهيئة القارية أحمد أحمد مع الجامعة الملكية لكرة القدم، وبدافع الثأر من الرئيس السابق عيسى حياتو الذي رفض تأجيل الدورة التي كانت ستنظمها المغرب سنة 2015، ومنحها لغينيا الاستوائية، وكذا انتقاما من الإمبراطور السابق الذي تربع على عرش «الكاف» لثلاثة عقود منح اثرها تنظيم أربع دورات دفعة واحدة لكل من الغابون والكاميرون وكوت ديفوار وغينيا، وقام ببيع حقوق بث وتسويق كل المنافسات القارية لشركة «لاغاردير» الفرنسية إلى غاية 2028.
حياتو رهن «الكاف» قبل رحيله، تاركا خلفه حساسيات ورواسب، وأحمد أحمد انتقم منه فسحب تنظيم الدورة المقبلة من الكاميرون أملا في تعويضه بحليفه الاتحاد الملكي لكرة القدم، لكن السلطات المغربية فاجأت الجميع بقرارها عدم الترشح لاعتبارات اجتهد البعض في وصفها بالسياسية والاقتصادية التي لا علاقة لها بجاهزية المرافق ولا بزيادة عدد المنتخبات المشاركة، لكنها أبعدت عن المغرب نسبيا شبهة التواطؤ مع الكاف ضد الكاميرون التي تربطها معها مصالح وعلاقات سياسية لا تريد التفريط فيها، مثلما لا تريد التفريط في علاقات طيبة مع عديد البلدان الافريقية التي يبدو أنها تضامنت مع الكاميرون بعد قرار «الكاف» واحتجت سياسيا لدى السلطات المغربية التي كان عليها تأكيد حسن نواياها فتراجعت عن الترشح.
ورغم أن قرار المغرب سيادي ولم يسبق له إبداء نيته علنا تعويض الكاميرون، الا أن بعض التحاليل فسرت تراجع السلطات السياسية عن الترشح بصعوبات اقتصادية تحول دون قدرة المغرب على احتضان «الكان» والألعاب الإفريقية في الصيف ذاته، ما سيكلفه نفقات إضافية يصعب تحملها في ظل الأزمة المالية الحالية، في وقت ذهبت تحاليل أخرى إلى حد وصف القرار بالصفعة القوية في وجه رئيس الاتحاد الملكي وعضو اللجنة التنفيذية للكاف السيد فوزي لقجع الذي لم يعد يستشير السلطات في بعض شؤون الكرة، خاصة تلك التي تلزم السلطات السياسية للبلاد، فجاء القرار السياسي بعدم الترشح والتركيز على لعب ورقة مونديال 2030 الذي يبقى غاية سياسية وحلما مغربيا يراوده منذ ثلاثة عقود.
عدم ترشح المغرب شكل خيبة كبيرة في الأوساط الكروية المغربية التي كانت تحلم باحتضان العرس وتوفير الشروط لمنتخبها من أجل التتويج باللقب القاري للمرة الثانية في التاريخ، لكنه كان بالمقابل فرصة لمصر للعودة إلى الواجهة والتموقع مجددا على الصعيد القاري، وكذا استعادة مكانتها التي تأثرت بتداعيات ثورة يناير 2011 وانعكاساتها على الوضع السياسي والأمني في البلاد رغم الترشح المشروط لبلد افريقي كبير وهو جنوب افريقيا منظم مونديال 2010، والذي يملك بدوره كل المقومات ويتوفر لديه كل الأساسيات التي تسمح له بتنظيم الحدث القاري للمرة الثالثة بعد 1996 و2013، لكن كل التوقعات تشير الى أن مصر هي التي ستنظم العرس القاري المقبل بعد ستة أشهر من الآن ليس لأن ملفها أفضل ولكن لاعتبارات أخرى.
مصر ستنظم العرس لأنها تريد التأكيد على أنها بلد آمن، تريد التنظيم لإيصال رسالة سياسية للعالم مفادها أن مصر بخير وما زالت قبلة الأفارقة وقادرة على احتضان حدث قاري كبير يعيدها الى الواجهة، ويعيد للاتحادية المصرية الدفء المفقود بينها وبين الهيئة القارية، ويعيد ذلك التوازن في ميزان القوة الذي مالت كفته للمغرب منذ وصول فوزي لقجع إلى رئاسة الاتحاد الملكي المغربي سنة 2013 ثم عضوية المكتب التنفيذي للكاف والفيفا. مصر تريد الإستثمار في المعطى الجديد، لذلك ستفوز بالتنظيم لأن أحمد أحمد لا يريد خسارة مصر التي تحتضن مقر «الكاف» رغم أنها لا تزال تفاوض على تحديد عدد الجماهير التي سيسمح لها بدخول الملاعب لدواع أمنية. مصر ستنظم بطولة 2019 لأن الظروف الأمنية والإقتصادية والإجتماعية في جنوب القارة أدت بجنوب إفريقيا الى إتخاذ إجراءات وقائية صارمة للحد من ظاهرة الهجرة السرية وهي ليست مستعدة للتراجع عنها والسماح للجماهير الافريقية باستغلال الفرصة لدخول البلد ثم البقاء فيه بحثا عن فرص العمل ولقمة العيش.
هذه المعطيات تجعل كل التوقعات تصب في صالح مصر للظفر بعد أسبوعين من الآن، بفرصة تنظيم كأس أمم افريقيا للمرة الرابعة والتتويج بها للمرة الثامنة، ومن ثم استعادة وزنها القاري رياضيا، وثقة المجتمع الدولي سياسيا، وإعادة التوازن لخارطة كرة القدم الافريقية من حيث النفوذ بعد التغيير الذي حدث على هرمها السنة الماضية برحيل حياتو ومجيء أحمد أحمد، ما أدى الى تغير في الموازين في سيناريو لا يحدث سوى في القارة السمراء، امتدادا لسيناريوهات سياسية واجتماعية وعرقية خاصة بإفريقيا دون غيرها من القارات الخمس! طبعة الصيف الإفريقي ستكون ساخنة حتى قبل وقتها ودرجة الحرارة المتوقعة ستعرف بعد الفصل الرسمي في اسم البلد المستضيف.

إعلامي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول أحمد علي:

    المفترض أن اللجان المشرفة على اختيار البلد المضيف لنهائيات كأس إفريقيا لكرة القدم ملزمة باحترام معايير موضوعية وذات طابع تقني لا يرتبط بالمواقف السياسية للبلدان الأعضاء ولا بتحالفات أعضاء هيئة معينة داخل الكاف، من جهة أخرى لا أعتقد أن عدم ترشح المغرب لاحتضان بطولة إفريقيا سيكون له تأثير على تنظيم ونجاح هذا الحفل الكروي مادام هناك بلدان قادرة على احتضان البطولة دون الحاجة لأكثر من ٦ أشهر للإستعداد كجنوب إفريقيا والجزائر ومصر.

  2. يقول Hocine:

    Excellente rédaction
    Merci

إشترك في قائمتنا البريدية