لماذا تراجع بشار الأسد؟

حجم الخط
37

اشتغل الرئيس السوري بشار الأسد بدأب على تكوين صورة لنفسه باعتباره طبيباً استدعاه قدر البشرية لتولّي شؤون سورية بعد وفاة أبيه للاستفادة من خبرته الأكاديمية، لا ليعالج أمراض بلده فحسب بل أمراض العرب والعالم أيضاً.
استطاب الأسد اللجوء الى مخزونه الطبّي ذاك ليطرح على وسائل الاعلام والقمم العربية والعالمية محاضراته العياديّة مستخدماً مصطلحات من عالم الطبّ والكيمياء ساخراً من زعماء العرب الجاهلين مرة ومن المثقفين الأكثر جهلاً مرة أخرى على علاجاتهم غير النافعة لأوبئة شعوبهم ومشاكلها.
في إحدى خطبه التي ألقاها بعد الثورة السورية شبّه الأسد ‘مؤامرات’ أعداء نظامه بالجراثيم التي ‘تتكاثر كل لحظة’ واقترح وقتها تقوية ‘جهاز المناعة’ في أجساد السوريين لأن الجراثيم يمكن ‘عزلها’ ولا يمكن ابادتها.
بين تلك الخطبة المبكّرة ومجزرة الغوطة الكيمياوية طوّر الأسد أطروحته العلمية تلك وقرّر ان يجرّب ابادة ‘الجراثيم’ من خلال جرعة كبيرة من دواء استخدمه عشرات المرّات ولكن بجرعات مخففة لم تكن كافية، على ما يبدو، لعلاج المريض، او لإقلاق ضمير المجتمع الدولي.
المفاجأة التي زلزلت الأسد أن الولايات المتحدة الامريكية اعتبرت هذه ‘الجرعة الزائدة’ تجاوزاً واضحاً لـ’خطّ أحمر’ لم يعد طبيب العيون قادراً أن يراه بعد أن خفّفت امريكا تعريفها للون الأحمر مرات لا تحصى، ثم قررت امريكا، على حين غرّة، تحريك آلتها الدبلوماسية والعسكرية العالمية الهائلة فاردة عضلاتها الفولاذية للقيام بضربة عسكرية للنظام السوري.
استعدادات النظام للهجوم تمثّلت باعادة موضعة قوات النخبة من حرس جمهوري وفرقة رابعة، وبتنفيذ حملات اعتقال عشوائية ووضع ضحاياها ‘المتطوعين’ (مع وجوه فنية واعلامية للتمويه) في مواقع متوقعة للهجوم الامريكي لتلقّي الضربة بدل قوات النظام، وبنزوح كبير لعائلات كبار الضباط والمسؤولين الى لبنان (في ظاهرة يمكن تسميتها ‘نازحون 5 نجوم’ رفعت معنويات وزير السياحة اللبناني فادي عبود فتحدث عن ‘سياح’ سوريين يدعمون السياحة في لبنان).
بذلك جهز النظام نفسه لينجو بنخبته العسكرية فيما يتحمّل تبعات الضربة ضحاياه المدنيون أنفسهم الذين شكّلت أمريكا جبهة عالمية لنصرتهم!
النظام السوري الذي عاش على مقوّيات ومهدئات الأسلحة الروسية، واستعان بقوات حليفة من لبنان والعراق وايران والبحرين واليمن أدرك مع ذلك أن ‘الضربة’ تلك، ولو محدودة، قد تشلّ قدرات جيشه المتهالك التي لا يعرف كيف يستخدمها إلا ضد شعبه، كما ستعرّي أطروحاته السياسية حول الممانعة و’التصدي لاسرائيل’ لأنه، كالعادة، سيتجنب الرد عليها.
الدرس الذي تعلّمه السوريون خلال خمسين عاماً من سيطرة النظام أنه يتراجع بسرعة أمام أية تهديد جدّي من قوّة خارجية لكنه مستعدّ لتدمير البلد بأكمله اذا تجرأ الشعب على المطالبة بالحرية.
تراجع النظام عام 1998 عندما هددت تركيا سورية بالحرب إذا لم تسلّم عبد الله اوجلان، رئيس حزب العمال الكردستاني، وكان أن سلّم النظام السوري اوجلان.
كما تراجع عندما اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وفيق الحريري عام 2005 وأدى الموقف الدولي القويّ آنذاك الى انسحاب الجيش السوري من لبنان خلال شهرين بعد 29 سنة طويلة من احتلال البلد ‘الشقيق’.
موافقة النظام السوري على المبادرة الروسية لوضع أسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية تدخل في باب هذه المعادلة المأساوية من الخنوع المخزي للضغط العالمي والرفض الاستكباريّ لمطالب الشعب السوري، وهي تأكيد جديد أن لا شيء يمكن أن يوقف النظام إلا وقفة دولية حقيقية تحاسبه على جرائمه.
يتضمن إقرار النظام السوري بوجود ترسانته الكيميائية اعترافاً ضمنياً بجريمته ضد شعبه، وهو يأمل مقابل وعده بتقديم سلاح الجريمة أن ينجو بفعلته، فهل سيسمح العالم بذلك؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو غضب - ألمانيا:

    لن يسمح العالم للمجرم الأسد بان ينجو من العقاب والملاحقة القضائية لقيامه بتسليم إحدى أدوات الأجرام ضد شعبه، العالم الغربي والذي يرفض الحرب وخاصة بلد مثل ألمانيا والتي يكره أهلها الحرب والعسكرة التي دمرت بلدهم قبل حوالي ستين عاما، يريدون تقديم الأسد ورجاله المسؤولين عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية للمحاكمة ولن يرضوا بأقل من ذلك، هذا يعني أن الضربة العسكرية قادمة لا محالة أن عاجلا أم آجلا.

  2. يقول عالية حياصات:

    انا اعتبر قبول النظام السوري الرقابه الدوليه خير دليل على انه لم يستخدم الاسلحه الكيميائيه ضد شعبه ….والا لما رضي بالرقابه …وسؤال للكاتب كيف يستخدم بشار الاسد السلاح الكيميائي مع وصول فرق التفتيش الدوليه وهو معروف بالحنكه والذكاء ؟؟؟

    1. يقول نادر نجم الدين:

      هناك قاعدة تقول: ” تتبدل الآراء مع تبدل الحقائق “. أمر غريب أن العالم أمامنا من أمريكان وروس وووو… يبدلون آراءهم كل يوم بل وكل ساعة وفقاً للحقائق والمعطيات وبالطبع الأهم وفقاً لمصالحهم في ديناميكية أي حركية عالية الجودة، وهذه ظاهرة صحية تتمشى مع النظام الكوني بكل مكوناته دقيقها وعظيمها، بينما نحن نبقى على حالنا في مكاننا، العالم يتحرك بشكل مذهل من أمامنا ومن خلفنا وعن يميننا وعن شمالنا ومن فوقنا ومن أسفل منا، بينما نحن في مكاننا، وكأن الأمر لا يعنينا، وكأن الحياة ليست حياتنا، وكأن هذه الأحداث ليست في بلدنا ومدينتنا وقريتنا وشارعنا وبيتنا وأبنائنا وبناتنا. أن أرى الحقيقة وفقاً للحقائق والمعطيات، لا يعني أنني غيرت مواقفي ومبادئي، ولكن يعني أنني تفاعلت مع الواقع بصفتي كائن حي ولكن بأقل الأضرار الممكنة. هل كان الروس سيطرحون مبادرة كهذه لولا تأكدهم من تورط النظام السوري باستعمال السلاح الكيميائي؟ أليست هذه مرونة في قبول الحقائق وتفاعل معها رغم تعارضها مع مصلحتهم؟ أليس موافقة النظام السوري على المبادرة الروسية هي أيضاً نوع من المرونة في قبول الحقائق وتفاعل معها رغم أنه الخاسر الأكبر في هذه المبادرة؟ ألا ترين أن هذا إعترافاً ضمنياً على التورط ومحاولة للخروج الآمن من هذه المشكلة لتفادي ضربة قد تؤدي بالجميع إلى مصير مجهول؟ إحترام ذكاء الآخرين يدل على أنك ذكيٌ أيضاً. الإنسان مطبوع على الخطأ ولكن الأغبياء هم الذين يصرون على التمسك بهذا الخطأ، وأنتِ تقولين أن بشارمعروف بالحنكة والدهاء؟ وما يفعله من قبول المبادرة الروسية يؤكد كلامك!!!

  3. يقول محمد يعقوب:

    التردد أصبح أحد سمات الرئيس الأميركى أوباما،وهذا ما أدى الى تدهور مكانة الولايات المتحدة كقائدة للعالم الحر. نعرف جيدا أن الشعب الأميركى سئم الحروب بسبب حربى أفغانستان والعراق اللتان أديتا الى تدهور الإقتصاد الأميركى وزيادة البطالة ومشاكل إجتماعية أخرى. ولكن هناك مسؤولية تاريخية تقع على عاتق الولايات المتحدة التى ينظر إليها العالم كله على أنها الأعظم تسليحا وعلما وقوة لا تقهر،ولهذا بات الجميع يتوقعون _مهما كانت الظروف_ أن تكون الولايات المتحدة هى القائدة والمدافعة عن حقوق الإنسان أينما وجد. أميركا إعترفت بأن السلاح الكيماوى إستعمل فى سورية 14 مرة منذ إنطلاق الثورة الحالية وأن المرة الأخيرة كانت الأكبر والأعظم بسبب ضحاياها الذين وصل تعدادهم الى1400 قتيل،نصفهم من الأطفال. لم يستطع العالم السكوت على هذه الجريمة الفظيعة وهى التى جعلت الرئيس أوباما يتذكر خطه الأحمر الذى حدده للرئيس السورى إذا إستعمل الأسلحة الكيماوية! رغم كل هذا،إلا أن الرئيس أوباما إستمر على نهجه فى التردد الذى بدأه فى عدم تسليحه للمعارضة السورية وعدم ردعه للنظام الذى قتل حتى اليوم ما يزيد عن 100 ألف قتيل وشرد الملايين الى دول الجوار. أليس ما جرى فى سورية حتى اليوم كاف لقيام أميركا بقيادة قوة دولية لتأديب النظام السورى ووضع نهاية لمأساة الشعب السورى ويقضى على هذا النظام الفاشى الدموى الذى جثم على صدر السوريين أربعة عقود ونيف…..

    1. يقول حسن - الإمارات:

      أخ محمد انت شايف ان امريكا قائدة العالم (الحر)…؟؟

  4. يقول محمد مرسي:

    الغرب متواطئ بمنعه السوريين من الحصول على سلاح يدافعون به…والان يزداد تواطئهم بمسرحية نضرب او لا نضرب ….النصر من عند الله فقط

  5. يقول bashar the killer:

    The world should stand together and punish the criminal who slaughtered his own People whom he is supposed to protect ! Shame on him ! May he and his children and cronies be gone and gone for ever ! Ameen

  6. يقول Peaceman:

    للحقيقة، وبغض النظر هن الموقف من النظام، لم أسمع قبل الآن عن وجود “قوات حليفة” للنظام من …. “البحرين واليمن”!!! يعني قولوا لنا ماهي هذه القوات؟ وما هو عديدها وتعدادها؟ كما أنه ليس صحيحا أن النظام قام بتسليم أوجلان لتركيه، فهو قام بطرده من سورية وقد قبض الأتراك على أوجلان في عملية سرية خاصة في إفريقيا.

  7. يقول سامح // الامارات:

    تحليل وسرد وتشريح وتفسير المشهد السوري بطريقة رائعة …رائعة …رائعة .
    بارك الله في قدسنا العزيزة وشكرا .
    بشار الأسد ونظامه الفاشي الأسود …على استعداد لتسليم : الكيماوي والنووي
    ( تحت الإنشاء ) مقابل البقاء ( بالسلطة ) …؟؟؟
    ( أمريكا ) في مأزق حقيقي …لا تستطيع توجيه الضربة العسكرية اذا وافق
    النظام السوري الأسود فعلا على تسليم وتفكيك ( الكيماوي ) .
    عموما : رب ضارة نافعة …( كشف بشار الأسد عن وجه الحقيقي ) وتعرى :
    أمام العالم أجمع وأنه مستعد لفعل أي شيء مقابل ( الكرسي والسلطة ) .
    الغريب العجيب …أنه ما زال يوجد البعض : يهلل ويصفق لبشار الأسد
    على إقدامه على هذه الخطوة الجبانة والتي تُثبت بلا شك أنّ مؤيدي بشار
    إماّ طُبع على قلوبهم فهم لا يبصرون أو متعصبين وطائفيين ليس إلاّ …؟؟؟
    عموما : بعد تسليم الكيماوي …سيبدأ المجتمع الدولي بالعمل على إقامة
    المناطق الآمنة وقصقصة بشار الأسد قطعة …قطعة وربما يبقون على ورقة
    التوت الأخيرة والتي ستكون من نصيب الثوار الأبطال لنزعها والقضاء على هذا
    النظام الفاسد الأهوج المغرور .
    حياكم الله ولقدسنا العزيزة الصادقة المباركة بإذن الله .
    شكرا .

  8. يقول حسام:

    يجب اَن يتنحى سريعاً هو وحزبه وبطانتيته وزبانيته والايرانيون من حكم سورية….واِلا يجب اَن يُسلم لمحكمة لاهاي كمجرم حربٍ…

  9. يقول فاروق قنديل ـ النمسا:

    ياسادة ؛ لم يسلم اوجلان فقط ، ولكن تنازل عن لواء اسكندرون ـ إقليم هاتاي ـ المغتصب من قبل الاتراك الطورانيين بمساعدة فرنسا والغرب منذ عام 1939 ، باتفاقية امنية مهينة ولا تعطي المواطنين العرب من اصل سوري اي حق حتى لو كان ثقافياً . للعلم لواء اسكندرون مساحته اكبر من مساحة لبنان وهو من أغنى المناطق زراعياً واقتصادياً ، وربما نصف انتاج تركيا من القطن يأتي من لواء اسكندرون لخصوبة اراضييه وغناه بمياه الانهار والينابيع والامطار ، ناهيك عن باقي الزراعات . هذا هو النظام الممانع اللذي فرط في كل شيئ ودمر سورية واعادها الى الوراء لاكثر من خمسين عاماً ، كي يبقى على الكرسي ، وفي خدمة صانعيه في الغرب الصهيوني ، وتقر عين إسرائيل لاكثر من مائة عام قادمة . لاسمح الله

    1. يقول Ossama Kullijah:

      فاروق قنديل : كلامك مظبوط وانا من سوريا واعرف ذلك جدا

  10. يقول أنور محمدين كاتب سوداني:

    أتابع باهتمام يومي رأي القدس العربي، ولكني أعجب كيف يفوت عليكم أن المطلوب مصادرة سلاح سوريا وضعضعتها كما العراق خدمة لإسرائيل لا غير، إن الغرب لا يهمه إن قتل العرب أجمعين، بل حبا وكرامة ولكن من يجرؤ على مس ضفائر تل أبيب؟!

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية