من عارضها في البداية قد يحدوه الأمل الآن بأنها حتى إن لم تقطع بعد، فإنها لن تبلغ مدى أوسع مما بلغته.. ومن تحمس لها وناصرها قد يصاب، وعلى النقيض، بقدر من الإحباط. لكن ما حال علاقة الرباط بتل أبيب؟ وهل أصابها الوهن والضعف؟ أم أن ما ظهر على السطح من جفاء وبرود، ليس سوى مؤشر خادع يعطي انطباعا زائفا وغير دقيق عن وضع آخر غير الذي تمرّ به بالفعل؟
من الواضح أن غياب حركة الوفود والمستثمرين والسياح، والمشاريع والصفقات المعلنة بين هذا الجانب أو ذاك، يطلق الكثير من التكهنات، فالرحلات الجوية بين تل أبيب ومراكش مجمدة ومعلقة، إلى أجل غير معلوم. كما أن الخدمات القنصلية في مكتب الاتصال المغربي بتل أبيب والسفارة الإسرائيلية بالرباط، ومثلما أشارت إلى ذلك عدة مصادر هي الآن شبه مشلولة ومتوقفة.
وكل العلامات تتعاقب وتتالى لتدل على أن عجلة العلاقات المغربية الإسرائيلية لا تسير وفقا لما خطط له، وأعلن عنه قبل شهور، بقدر ما أنها تعاني من بطء ملحوظ، وربما حتى من تراكم بعض الأعطاب. والأمر قد لا يكون، وكما قد يتبادر للوهلة الأولى للأذهان، موقوفا فقط على تصرف أحد الطرفين، أو كلاهما في الوصول إلى تلك الوضعية، بل بالأساس بتقصير طرف ثالث في ما بذله من جهد غير كاف للإيفاء ببعض تعهداته والتزماته، بما قد يسمح بالدفع بتلك العلاقة لمدى أبعد. فالثابت الآن أن دخول أمريكا على خط التطبيع المغربي الإسرائيلي، جعلها تصبح ضلعا أساسيا لا تستقيم تلك العلاقة من دونه. والمفارقة التي قد تكون جديرة بالتأمل هي وجود قنصلية أمريكية على الورق على هذا الجانب، ووجود سفارة مغربية على الورق أيضا على الجانب الآخر. لكن لا القنصلية الأمريكية التي أعلن مطلع هذا العام عن إنشائها بمدينة الداخلة قد رأت النور بعد، كذلك السفارة المغربية التي كان مفترضا أن تفتح أبوابها في تل أبيب لزوارها لم تر النور بعد أيضا. لكن ما علاقة هذه بتلك؟ وهل أن هناك ارتباطا بين المسألتين قد يكون في حال وجوده مؤشرا على بوادر أزمة، ربما سطحية، أو عميقة تلبد الآن سماء العلاقات المغربية الإسرائيلية؟ من البديهي جدا أن الإسرائيليين كانوا يدركون جيدا طبيعة الظروف والدوافع والأسباب، التي جعلت الرباط تقدم قبل ما يقرب العام على استئناف علاقاتها الدبلوماسية معهم. فبغض النظر عن الضغوط الأمريكية التي سلطت عليهم حينها، وعلى باقي الدول العربية أيضا، فإنه لم يكن بإمكانهم أن يمضوا قدما في مسار التطبيع، بدون أن يقدموا للعراب الأمريكي الذي قاد العملية بعض المطالب والشروط، وعلى رأسها أن ترتبط تلك الخطوة بحصولهم على نوع من الدعم الدبلوماسي في معركتهم الشاقة والطويلة، لغلق ملف الصحراء بشكل نهائي، من خلال الحصول على إقرار دولي بمغربيتها. وفيما أظهر الأمريكيون بعد التوقيع في الرباط على استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية، بوادر حسن نية نحو المغرب، حين أمسك السفير ديفيد فيشر داخل مقر السفارة ما وصفها بـ»الخريطة الرسمية الجديدة للمملكة المغربية، التي ستعتمدها الحكومة الأمريكية» التي غاب عنها الحد الذي كان يظهر في السابق بين المغرب والصحراء، مصرحا بأنها، أي تلك الخريطة «تمثيل ملموس للإعلان الجريء للرئيس ترامب الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية قبل يومين فقط « ثم تلاه وصول وفد أمريكي برئاسة مساعد كاتب الدولة الأمريكي المكلف بشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا ديفيد شنكر، في يناير الماضي لتفقد المبنى الذي أعلن أنه سيكون مقرا للقنصلية الأمريكية بالداخلة، إلا أن الأمور توقفت على ما يبدو عند ذلك الحد. ولم تقطع الإدارة الأمريكية الجديدة أي خطوات إضافية، ما غذى تكهنات بأن تراجع قرار الإدارة السابقة الاعتراف بمغربية الصحراء، وهو ما نفاه مسؤولون أمريكيون في عدة مناسبات قد يكون آخرها ما قاله مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط جوي هود، في رده على سؤال أحد الصحافيين له خلال مؤتمر صحافي عقد في الرباط مع وزير الخارجية المغربي الناصر بوريطة، عن نية الولايات المتحدة مراجعة موقفها من مغربية الصحراء بأنه «ليس هناك أي تغيير في الموقف الأمريكي» من تلك المسألة. لكن السؤال الذي يطرح بشدة هو، هل أن المغرب حصل حتى الآن ومن وراء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء على كل المكاسب التي انتظرها؟
كل العلامات تتعاقب وتتالى لتدل على أن عجلة العلاقات المغربية الإسرائيلية لا تسير وفقا لما خطط له
الثابت أن الأمريكيين والإسرائيليين متفقان على اعتماد أسلوب واحد وهو المماطلة في إبداء موقفيهما من المشكل الصحراوي، والرغبة الواضحة في عدم الحسم فيه بالنأي عن إعطاء أي إشارة واضحة وقوية قد تدل على انحيازهم الصريح والمطلق للمغرب في ذلك الملف، رغم تأكيدهم المستمر على أنهم ملتزمون بالبحث عن تسوية دائمة للنزاع في إطار الأمم المتحدة. ومن المؤكد أن رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، لم يخرج عن الاتجاه العام للسياسة الأمريكية والإسرائيلية، حين صرّح الأحد الماضي لوكالة الأنباء الإسبانية وجوابا على سؤال حول الموقف الإسرائيلي من مغربية الصحراء بأن «إسرائيل دولة ديمقراطية تساند كل قرار سلمي وهي مبدئيا تؤيد المفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية بالنزاع. فالأساس هو إيجاد حل سياسي سلمي لكل النزاعات» على حد تعبيره، لكن ما أضافه في المقابلة نفسها وفي رد على سؤال آخر حول ما إذا كانت العلاقات بين المغرب وإسرائيل، بمعزل أم لا عن الموقف الأمريكي، من سيادة المغرب على الصحراء، من أن «العلاقات المغربية الإسرائيلية مستقلة ولها جذور تاريخية» بقي موضع استفهام. فمن كان معنيا بالتحديد بذلك النوع من الجواب؟ قطعا لن يكون المغرب الذي لطالما شدد على أهمية تلك الجذور هو المعني بذلك. فلا شيء يدعوه إلى أن يفصل كما يرغب الدبلوماسي الإسرائيلي أو يتمنى بين علاقاته بالكيان المحتل، وبحثه عن دعم موقفه من نزاع الصحراء من خلال السعي إلى ترجمة الاعتراف الأمريكي بمغربيتها إلى مبادرات ومساع وقرارات دولية.. إذ ما قيمة هذه وما مبرر الحفاظ عليها إن غابت تلك؟
ومع أن خطوط التواصل بين الطرفين ما زالت مفتوحة، إلا أنه ليس معروفا بعد ما إذا كانت تل أبيب قد أدركت بالفعل مضمون رسالة الرباط من وراء تجميدها غير المعلن لعلاقتها بها. لكن الأمر ليس مبهما، فلا سبيل لأن يتقدم المغرب نحو إسرائيل بخطى الأرنب، في الوقت الذي تسير فيه أمريكا في ملف الصحراء بخطى السلحفاة. أما ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى تل أبيب؟ وهل أن عليها إن هي أرادت تحسين علاقتها مع الرباط أن تضغط على واشنطن لتعدل بوصلتها في الصحراء؟ فهذا ما لا تقوله تصريحات المغاربة بل أفعالهم.
كاتب وصحافي من تونس
كل الدول الغرب صناع الحروب و الفتن تستغل ضعف السياسيين العرب في حل نزاعاتهم و تتدخل لأجل مصالحها السياسية و الاقتصادية و نهب ثروتهم. يأتون لك بوجه انك على حق سياسيا و تعاون عسكري. و يذهبون لآخر نعم نحن معك عسكريا نزودك بما هو في السوق الأسلحة(لأنك و لان الفاتورة مضمونة بالغاز و البترول .