لندن ـ «القدس العربي»: بعد حوالي 24 ساعة من الآن، من المفترض أن يصل المدرب البرتغالي الشاب روبن أموريم، إلى مدينة مانشستر، ريثما يستهل مغامرته التدريبية الجديدة مع زعيم الأندية على المستوى المحلي مانشستر يونايتد، خلفا للمدرب الهولندي السابق إيريك تين هاغ، الذي وصل بالفريق إلى قاع الحضيض الكروي لأكثر من عامين ونصف العام، حتى بعد حصوله على فرصة العمر، بتجديد الثقة فيه من السير جيم راتكليف وباقي أصحاب القرار في «أولد ترافورد»، من خلال الإبقاء عليه في وظيفته للموسم الثالث على التوالي، على أمل أن يجلب الاستقرار الفني والإداري المطلوب لتحقيق آمال وتطلعات الجماهير والإدارة الجديدة، بيد أنه سرعان ما خذل الجميع في الجزء الأحمر لعاصمة الشمال، بسلسلة أخرى من العروض والنتائج المحطمة للآمال، على إثرها اضطر راتكليف، لاتخاذ القرار المؤجل من نهاية الموسم الماضي، بالتخلص من الكابوس الهولندي إلى يوم يبعثون، مع إسناد المهمة بشكل مؤقت لأيقونة النادي رود فان نسيتلروي، إلى أن يتسلم المدرب البالغ 39 عاما، مهام عمله اعتبارا من اليوم الأول لعطلة نوفمبر/تشرين الثاني الدولية، وسط حالة من التفاؤل بأن يكون أموريم، هو كلمة السر ومفتاح عودة الشياطين الحمر إلى سابق عهدهم، كفريق كان يهابه العمالقة قبل الأندية المتوسطة والصغيرة في إنكلترا وأوروبا، في حقبة مؤسس نهضة النادي في العصر الحديث السير أليكس فيرغسون، الذي حقق مع الفريق كل الألقاب المحلية والقارية على مدار أكثر من ربع قرن من الزمن، قبل أن يضطر لرفع الراية البيضاء أمام آلة الزمن، باتخاذ قرار التقاعد والاكتفاء بوظيفة إدارية خلف الكواليس، ومعها انقلبت أوضاع النادي من النقيض إلى النقيض، بالأحرى من منافس ومرشح فوق العادة للفوز والمنافسة بكل قوة وشراسة على كل الألقاب، إلى فريق أقل ما يُقال عنه إنه على مسافة بعيدة من الكبار والمنافسين الحقيقيين على لقب البريميرليغ ودوري أبطال أوروبا، وفي رواية أخرى، فريق لا يقوى على دخول دائرة المنافسة على المراكز المؤهلة للكأس ذات الأذنين.
والمثير للريبة، أن الإدارة لم تبخل بالمال على جُل المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الفريق في فترة ما بعد شيخ المدربين الاسكتلندي، بضخ مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية على مشاريع المدربين الثمانية الذين تناوبوا على تدريب اليونايتد في آخر 11 عاما، مع ذلك، في كل مرة كانت الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، باستثناء بعض الومضات النادرة، على غرار ثنائية جوزيه مورينيو «كأس كاراباو واليوروبا ليغ» عام 2017، وفوز تين هاغ بكأس الاتحاد على حساب مانشستر سيتي في نهائي «ويمبلي» الأخير، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يجد اليونايتد ضالته في مدربه البرتغالي الجديد؟ على غرار صحوة برشلونة مع مدربه الألماني هانزي فليك، الذي يسير مع البارسا بخطوات عملاقة نحو الطريق الصحيح، وذلك بعد مرور النادي الكتالوني بالكثير من الظروف المعقدة تحت قيادة أغلب من أشرفوا على تدريب الفريق بعد رحيل لويس إنريكي ومن قبله بيب غوارديولا، لكن هذا بالنسبة لمدرب منتخب ألمانيا السابق وعراّب موسم ثلاثية بايرن ميونيخ الأخيرة في موسم جائحة كورونا، وصاحب الانتصار الأشهر على برشلونة في العصر الحديث، الذي وصل قوامه لثمانية أهداف مقابل اثنين في حضور ليونيل ميسي في ربع نهائي الأبطال عام 2020، فماذا عن هذا الأموريم الذي لم يكن يعرفه سوى المتابعين الجيدين لأخبار انتقالات المدربين واللاعبين؟ أو بعبارة أخرى لماذا وقع اختيار اليونايتد على مدرب سبورتنغ لشبونة السابق؟ وهل يملك المقومات والكاريزما التي يبحث عنها النادي في مهندس رحلة البحث عن استعادة أمجاد الماضي غير البعيد؟ دعونا نلقي نظرة على إنجازاته وأفكاره التدريبية والتحديات التي تنتظره قبل أن يشتعل الشيب في رأسه وهو على مشارف الأربعين من عمره.
صائد الألقاب
قبل موافقة أموريم على قبول المهمة الانتحارية مع اليونايتد، كانت الصحف والمواقع الرياضية البريطانية، تتسابق في نهاية الموسم الماضي، في تحديث الأنباء والإشاعات عن اهتمام إدارة ليفربول بخدماته، كبديل إستراتيجي محتمل للأسطورة يورغن كلوب، بعد استقراره على مغادرة «الآنفيلد» في صيف 2024، وبدرجة أقل، وستهام اللندني، الذي كان يبحث هو الآخر، عن بديل لمدربه الاسكتلندي ديفيد مويز، لكن في الأخير، لم يحدث أي شيء ملموس على أرض الواقع، بل توجهت أنظار إدارة الريدز، نحو الهولندي آرني سلوت، لخلافة الأب الروحي الألماني، وبالمثل حصل نادي المطارق على توقيع المدرب الإسباني جوليان لوبيتيغي. وفي المقابل استمر أموريم، في القيام بدوره مع ناديه البرتغالي على أكمل وجه، متقمصا دور الرجل المخلص، الذي جاء بعد قرابة العقدين، لإعادة مفهوم وثقافة المنافسة الثلاثية في الكرة البرتغالية، بعد انحصارها بين الكبيرين بنفيكا وبورتو منذ بداية الألفية الجديدة، عكس الفترة الذهبية وما بعدها، والحديث عن سبورتنغ لشبونة العظيم، الذي فاز بلقب الدوري البرتغالي عشر مرات بين 1941 و1958، وما تبعها من نجاحات متقطعة، انتهت بانتعاشة خجولة في مطلع الألفية الجديدة، ليدخل بعدها قطب البرتغال الثالث ما عُرفت بـ «أطول فترة جفاف في كل التاريخ»، مكتفيا بمشاهدة بنفيكا وبورتو يتقاسمان لقب الدوري لمدة 19 عاما على التوالي، والأسوأ من ذلك، ما كان يُعرف حتى الليلة الموعودة في 2018 بـ«الأجواء السامة» داخل النادي، والتي تسببت بشكل أو آخر في انفجار الأوضاع في أحلك يوم في تاريخ النادي، حين قام حوالي 50 مشجعا مقنعا، باقتحام غرفة خلع الملابس في ملعب التدريب، بهدف مهاجمة اللاعبين وتهديدهم بالقتل، إذا لم تتحسن الأوضاع، ما عجل بهروب سبعة لاعبين دفعة واحدة، منهم الثنائي البرتغالي روي باتريسيو وويليام كارفاليو، بالإضافة إلى المراهق اليافع آنذاك رافائيل لياو، بخلاف تصويت أعضاء الجمعية العمومية على عزل الرئيس برونو دي كارفاليو، لكن بعد ثلاث سنوات، تمكن لشبونة من إنهاء هيمنة بورتو وبنفيكا على لقب الدوري، بعد حصول الفريق على اللقب في موسم 2020-2021، للمرة الأولى منذ 2001، وكان مهندس هذا التحول هو رجل الليلة روبن أموريم، الذي وقع اختيار راتكليف عليه ليحل محل تن هاغ في المرحلة المقبلة، مع الوضع في الاعتبار، أن إنجازاته مع لشبونة لم تنته بعد فوزه باللقب، بل في الموسم التالي قاده للتأهل إلى مراحل خروج المغلوب في دوري أبطال أوروبا، وفي 2023 أطاح بآرسنال ومدربه ميكيل آرتيتا من ربع نهائي اليوروبا ليغ، وفي الموسم الماضي، استعاد تاجه المحلي، بمعانقة لقب الدوري للمرة العشرين في تاريخه، وبفارق عشر نقاط عن أقرب مطارديه بنفيكا، والآن يستعد لترك الفريق وهو في صدارة الترتيب برصيد 30 نقطة، وبفارق 3 نقاط عن وصيفه بورتو، قبل بداية الجولة الحادية عشرة. وعلى مستوى دوري الأبطال، نجح في جمع 10 نقاط في أول 4 مباريات، منها انتصار سيبقى عالقا في الأذهان لسنوات طويلة، ذاك الذي تحقق على حساب بطل البريميرليغ آخر 4 سنوات، بنتيجة 4-1 في أمسية الثلاثاء الماضي التي احتضنها ملعب «خوسيه الفالادي»، لحساب الجولة الرابعة لدوري الأبطال، لذا يمكن القول إنه كان من المتوقع أن يلجأ اليونايتد إلى هذا الشاب الطموح، على أمل أن ينقل سحره وتأثيره الإيجابي السريع والفوري إلى عملاق البريميرليغ، الذي يبحث عن تغيير ثوري داخل قطاع الكرة، حتى يستيقظ النادي ويعود إلى سابق عهده، كواحد من الكبار والمنافسين والمرشحين المفضلين للفوز بلقب البريميرليغ قبل التفكير في خطوة مقارعة كبار القارة في منافسات الكأس ذات الأذنين.
حجر الزاوية
أشرنا أعلاه، أن واحدة من أهم مزايا المدرب أموريم، هو تأثيره الفوري والسريع على فرقه، كما فعلها منذ بداية صعوده في عالم التدريب، بتجربته الحقيقية الأولى مع سبورتنغ براغا قبل أربع سنوات، عندما قاده إلى سلسلة من الانتصارات والنتائج التاريخية، منها على سبيل المثال، الفوز على بورتو في نهائي كأس الدوري، وتحقيق أول انتصار لبراغا خارج قواعده على بنفيكا منذ 65 عاما، ما حفز المسؤولين وأصحاب القرار في لشبونة لاستقطابه من براغا، رغم أن تكاليف الصفقة بلغت نحو عشرة ملايين يورو، نظير تفعيل الشرط الجزائي في عقده مع ناديه الأسبق، ما كانت أشبه بالصدمة للمشجعين، الذين علموا بعد ذلك، أن تكاليف التوقيع مع المدرب الجديد، فاقت إجمالي ما أنفقته الإدارة على الفريق، لكن سرعان ما أثبت أموريم، أنه كان الصفقة الأكثر ذكاء، وفي رواية أخرى «حجر الزاوية» لإعادة بناء وترتيب الفريق في وقت قياسي، وحسنا فعل منذ يومه الأول في «خوسيه الفالادي» وحتى إطلاق صافرة مباراته الأخيرة أمام فريقه السابق براغا، تاركا لغة الأرقام والألقاب تنوب عنه بعد انتقاله إلى الخطوة التالية في رحلته التدريبية مع الشياطين الحمر، مثل تفاخر عشاق لشبونة بأن فريقهم صاحب أعلى نسبة انتصارات (77%) في الدوريات الأوروبية العشرة الكبرى منذ تولي أموريم مهمة تدريب الفريق في مارس 2020، وعودتهم لمزاحمة بنفيكا وبورتو على لقب الدوري المحلي، وهذا ما يتوق إليه الشباب العشريني من عشاق اليونايتد، برؤية ما سمعوا وقرأوا عنها من إنجازات في حقبة السير أليكس فيرغسون تتحقق على أرض الواقع، وكما تخبرنا السيرة الذاتية للمدرب الجديد، عادة ما ينجح في إحداث تأثير إيجابي يفوق توقعات أكثر المتفائلين من مشجعي فرقه، عكس سلفه الهولندي، الذي ظل يدعو أنصار النادي ومجلس الإدارة للتحلي بالصبر، حتى بعد السقوط المروع أمام مطارق وستهام، الذي قضى على شعرة معاوية بينه وبين راتكليف والمسؤولين، متجاوزا فكرة، أن الإدارة منحته وقتا أطول بكثير مما يستحق، لاسيما بعد الإصرار على صياغة أسوأ بداية في تاريخ النادي في العصر الحديث، بالتأخر عن أستون فيلا، الرابع في جدول أندية البريميرليغ، بسبع نقاط كاملة، بالإضافة إلى 6 نقاط في أول 4 مباريات في اليوروبا ليغ، منهم 3 نقاط من 3 تعادلات أمام تفينتي الهولندي، وبورتو البرتغالي، وفناربخشة التركي، وانتصار وحيد تحت قيادة المدرب المؤقت تحقق على حساب باوك اليوناني بثنائية نظيفة الخميس الماضي.
والسؤال البديهي الذي يبحث عشاق اليونايتد عن إجابته هو: من أين يستلهم أموريم هذه القوة لإخراج أفضل ما لدى لاعبيه في وقت قياسي؟ أولا من أسلوبه الواضح وتمسكه بفلسفته، منذ دخوله مهنة البحث عن المشقة والعناء مع فريق كاسا بيا، المغمور في دوري القسم الثالث البرتغالي، ثم بتجربته الانتقالية الفارقة مع براغا، وما تبعها من إنجازات تاريخية مع لشبونة، من خلال اعتماده على طول الخط على طريقة 3-4-3، كواحد من الأسماء القليلة في القارة العجوز، التي ما زالت تعتمد على الطرق الكلاسيكية، بالاعتماد على ثلاثة لاعبين في الخط الخلفي، مع إمكانية التحول إلى خمسة مدافعين من خلال عودة الظهيرين الطائرين إلى الخطوط الخلفية في المواقف الدفاعية الصعبة، ما يعني أنه يعطي الأولوية لوحدة خط دفاعه، الذي كان يقوده سيباستيان كوتس، على أكمل وجه في لشبونة، مع دعم وحماية من قلب الوسط النابض جواو بالينيا قبل ذهابه إلى فولهام في 2022، جنبا إلى جنب مع الدور الجوهري للظهيرين نونو مينديز وبيدرو بورو، قبل انتقال الأول إلى باريس سان جيرمان والثاني إلى توتنهام، كقوة ضاربة ومفتاح لعب وهجمات في الثلث الأخير من الملعب، بجانب القيام بدورهما الرئيسي الدفاعي على أكمل وجه، وفي الوقت ذاته، أنهى الجلاد السويدي فيكتور غيوكيريس، الموسم الماضي على رأس قائمة هدافين الدوري برصيد 23 هدفا، كواحد من الأسماء والمواهب، التي توهجت أكثر من أي وقت مضى تحت قيادة أموريم، قبل أخذ خطوة الانتقال خارج البرتغال، على غرار مينديز مع باريس، وبالينيا مع فولهام، وماتيوس نونيز مع ولفرهامبتون ثم مانشستر سيتي، وبورو الذي لحق برفاقه في البريميرليغ عبر بوابة السبيرز، وكذلك مانويل أوغارتي، لاعب اليونايتد حاليا، بخلاف الأصول الثمينة التي تركها في لشبونة، في مقدمتهم هداف الدوري الموسم الماضي وقاهر مانشستر سيتي هذا الموسم، غيوكيريس، الذي تراقبه أعين الكبار في البريميرليغ وأوروبا، من قبل حتى أهدافه الثلاثة في شباك السكاي بلوز، بعد انفجار موهبته تحت قيادة أموريم، كلاعب كان يُعتقد في الماضي أنه لاعب وسط مهاجم، ثم فجأة تحول إلى سفاح في الثلث الأخير من الملعب، وفي نفس الوقت، يبدع في تقديم الهدايا والتمريرات المفتاحية لرفاقه القادمين من الخلف إلى الأمام، ومعه أيضا باولينيو، الذي أثبت أنه كان «ضربة معلم»، بعد انتزاعه من براغا في 2021، وبالمثل نجح المدرب في إخراج أفضل ما لدي ثنائي الدفاع كوتس وغونسالو إيناسيو، اللذين ترتكز عليهما إستراتيجية الملعب في عمليات البناء والخروج السليم بالكرة من الخلف إلى الأمام، ولهذا، اكتسب أموريم سمعة جيدة، كمدرب يجمع بين موهبة تطوير الجواهر والمواهب القابلة للتوهج وبين المعنى الحرفي للانضباط التكتيكي وتقديم كرة قدم عصرية وجذابة، ومن المفترض أن ينقل هذا التأثير لفريقه الجديد في الدوري الأكثر شراسة ومنافسة على وجه الأرض.
الخطوة التالية
فسر الإعلام البرتغالي، تمنع أموريم على وستهام في نهاية فصل الربيع، على أنه إشارة أو علامة لتمسكه بالحصول على وظيفة أكبر، أو استعداد للخطوة التالية في مسيرته التدريبية، بتولي قيادة أحد الكبار في البريميرليغ أو البوندسليغا أو الليغا، حتى برونو فرنانديز، كان من أوائل من توقعوا انتقال أموريم إلى أحد الكبار، وذلك في تصريحات موثقة أدلى بها في مارس/آذار الماضي، جاءت على النحو الأتي: «أعتقد أنه يملك كل الصفات اللازمة لتحقيق النجاح في الكرة الإنكليزية أو الفرنسية أو الإسبانية، ولو أننا نعلم أن الدوري الإنكليزي هو الأكثر رغبة، وبالنسبة لأموريم، فلديه كل مواصفات النجاح، لكن الأمر سيعتمد على الأندية والمديرين، سواء أرادوا دفع قيمة الشرط الجزائي في عقده مع لشبونة أم لا، وأنا شخصيا على قناعة تامة بأنه على أتم الاستعداد للخطوة التالية في مشواره التدريبي»، وهذا يوضح أسباب اقتران اسمه بأحمر الميرسيسايد قبل التفاوض مع سلوت، والآن لم يتردد مانشستر يونايتد في تفويت هذه الفرصة الثمينة، رغم أن تكاليف إطلاق سراحه من لشبونة تخطت حاجز الـ15 مليون يورو، لكن هذا مقابل الحصول على الصفقة الأكثر أهمية في المشروع، بعدما تتلمذ على يد مثله الأعلى جوزيه مورينيو، في أسبوع معايشة ودراسة مع «سبيشال وان» عندما كان على رأس الجهاز الفني لليونايتد، وأصبح مؤهلا لاختبار موهبته التدريبية في أعلى مستوى تنافسي في عالم كرة القدم، متسلحا كما أشرنا أعلاه، بأفكاره وأساليبه التي تجمع بين التوازن الدفاعي وبين كرة القدم الهجومية الحديثة، التي ترتكز على مباغتة الخصم بأقل عدد ممكن من التمريرات العمودية بمجرد مرور الكرة دائرة المنتصف، وذلك بعيدا عن حافلات مورينيو وأساليبه الدفاعية، التي تجاوزها الزمن منذ أكثر من عقد، وغيرها من الأمور التي يختلف فيها بشكل جذري عن «المو»، أبرزها تركيزه على مدح اللاعبين، وعادة ما ينسب لهم الفضل في إنجازاته مع لشبونة، مقارنة بالمدرب المثير للجدل، المعروف عنه أسلوبه الصدامي مع اللاعبين، وغروره الزائد على الحد في حديثه عن تاريخه وألقابه، لكن على أموريم، أن يدرك جيدا أن كل فات في مشواره التدريبي في كفة، وبداية مغامرته مع الشياطين الحمر في كفة أخرى، باعتباره المدرب التاسع، الذي سيسعى جاهدا لتجنب مصير أسلافه، الذين قضوا أتعس أيام في مسيرتهم التدريبية داخل «مسرح الأحلام»، في مقدمتهم الخبير الهولندي لوي فان خال، والعم مورينيو، وآخرهم تن هاغ، فهل يا ترى سينجح في تكرار ما فعله مع سبورتنغ لشبونة، بقلب تلك السفينة الغارقة منذ قرابة العقدين وإعادتها إلى الحياة مرة أخرى، مثلما هو الحال مع المان يونايتد، الذي تقطعت به السبل منذ اعتزال مدربه الأسطوري قبل 11 عاما، هذا سيتوقف على الانطباع الذي سيتركه أموريم في بداية مغامرته المحفوفة بالمخاطر، وأيضا على حجم الدعم الذي ينتظره من قبل الإدارة والمشجعين في قادم المواعيد؟
وكما حصل تن هاغ، على الدعم الكامل، لبناء المشروع بالنكهة الهولندية الخالصة، سواء بضم عدد لا بأس به من رجاله السابقين في أياكس، أو أصحاب الجنسية الهولندية أو خاضوا تجربة في الإيرديفيسي بوجه عام، سيتعين على السير راتكليف، العودة إلى نفس النقطة مع المدرب الجديد، المتوقع أن يحدد قائمة مبدئية مختصرة للدفعة الأولى التي سترافقه في «أولد ترافورد»، في مقدمتهم القناص الاسكندينافي المطلوب من عمالقة البريميرليغ وأوروبا فيكتور غيوكيريس، كليفربول وآرسنال، في ظل حاجة الكبيرين لمهاجم بنفس مواصفاته، يجمع بين غريزة الهداف رقم (9) وبين جماعية صانع الألعاب المثالي، وذلك بطبيعة الحال، قبل ظهور موقف اليونايتد ونواياه مع فتح نافذة انتقالات اللاعبين الشتوية. أما على مستوى الدفاع، فمن المحتمل أن يكون قلب الدفاع المهيب الطويل والقوي عثمان ديوماندي، ضمن القائمة المطلوبة على وجه السرعة للم شملها بأموريم في الجزء الأحمر لعاصمة الشمال الإنكليزي، ومعه شريكه في الثلاثي الدفاع غونسالو إيناسيو، الذي اقترب من كسر حاجز الـ190 مباراة مع الفريق الأول بعمر 23 عاما، وهو لا يختلف كثيرا عن زميله الإيفواري، كصمام أمان يجمع بين القوة البدنية المهيبة والموهبة الفنية، بالأحرى قلب دفاع من الطراز العالمي، إلا إذا فَضل المدرب الجديد، الاكتفاء ببطل العالم ليساندرو مارتينيز، الذي يقوم بنفس الدور في جهة اليسار في قلب الدفاع، على أن يتم توجه الاستثمار في مراكز أخرى، مثل استقطاب جيوفاني كويندا، الذي تتم مقارنته في نفس المرحلة بالأسطورة كريستيانو رونالدو، لما يملك بين قدميه من موهبة وقدرات هائلة على الفتك بالمدافعين بانطلاقاته العنترية من الجانبين الأيسر والأيمن، وفي مركز اللاعب رقم (6)، هناك الدنماركي مورتن هيولماند، الذي قدم مباراة العمر أمام ديكلان رايس وألكسندر أرنولد وباقي نجوم المنتخب الإنكليزي في اليورو الأخير، هو الآخر قد يرافق مدربه في «أولد ترافورد»، للمساهمة في إحداث تأثير إيجابي وفوري في وسط المشروع الجديد. وبطبيعة الحال، ستكون هناك الكثير من الضحايا المحتملة في المشروع، في مقدمتها الصفقات الفاشلة التي جاءت لإرضاء تن هاغ، من نوعية أنتوني، الذي كبد الخزينة نحو 85 مليون جنيه إسترليني، لشراء عقده من أياكس، وفي الأخير تحول إلى عبء وكابوس للفريق، كلاعب أثبت أنه على مسافة كبيرة من المستوى المطلوب للمنافسة بشكل حقيقي مع أحد كبار البريميرليغ، والزجاجي ماسون ماونت، الذي اكتفى بالمساهمة بهدف وصناعة آخر من مشاركته في 25 مباراة منذ قدومه من تشلسي في يوليو/تموز 2023، مقابل رسوم بلغت حوالي 60 مليون بنفس العملة البريطانية، بجانب قائمة الفائضين عن الحاجة، إما لأسباب فنية بحتة أو لتقدمهم في العمر، مثل المخيب للآمال ماركوس راشفورد، والعجوز الدنماركي كريستيان إريكسن، والظهير المتواضع فنيا وبدنيا ديوغو دالوت، والظهير الأيسر المنتهي لوك شو، والمدافع اللغز فيكتور ليندلوف، وبدرجة أقل كاسيميرو وباقي الكبار الذين يواجهون المجهول مع المدرب القادم لإحداث ثورة تغيير في الفريق وداخل قطاع الكرة، فهل يا ترى ستسير الأمور كما يخطط لها أموريم وبالتبعية تبدأ حقبة ذهبية جديدة لمانشستر يونايتد بعد تخبط دام 11 عاما حتى الآن بدون أليكس فيرغسون؟ أم سيجد صعوبة أو على أقل تقدير سيستغرق بعض الوقت لتطبيق فلسفته وأفكاره الثورية على أرض الملعب؟ فهل تعتقد عزيزي القارئ أنه سيصدم عمالقة البريميرليغ بإعادة اليونايتد سريعا إلى مكانته الطبيعية بين الكبار كما فعلها مع لشبونة؟ أم سيعاني من فارق الجودة والمنافسة بين الدوري البرتغالي ونظيره الإنكليزي؟ شاركنا برأيك.