لماذا تقولون مقاطعة منتوجات المستوطنين ماذا دهاكم؟

حجم الخط
0

يُصيب الذعر نُحاة (جمع نحوي) اللغة العبرية اليمينيين في كل مرة تُكتب فيها كلمتا ‘مقاطعة’ و’اسرائيل’. ويصرخون قائلين انه لا توجد مقاطعة مع ، بل بالعكس لأن اوروبا تستورد في ابتهاج منتوجات مستوطنين بمبلغ يصل الى نحو من 300 مليون دولار كل سنة.
وهم صادقون، فالاتحاد الاوروبي لا يقاطع انتاج المستوطنين بل يقضي ‘فقط’ في توجيهاته الجديدة بألا يشمل أي اتفاق مع اسرائيل في المستقبل لا المستوطنات ولا شركات لها اعمال في المناطق. ‘إنها قيود لا مقاطعة، وكل شيء كما كان، يصرخ المحافظون على الولاء لاسرائيل لأنه تُفرض الآن ايضا قيود جمركية على الانتاج الاسرائيلي في المناطق. وليس هذا حقا، لأن حكومة اسرائيل تُعوض كل مصدر من المناطق عن الضريبة الجمركية التي يدفعها في اوروبا.
لكن لا يجب ان نكتب كلمة مقاطعة كي نفهم ما هي، كما ان العقوبات على ايران لا تشتمل على كلمة مقاطعة، لكنها تُبين بصورة جيدة أية عقوبة ستُفرض على كل من يُجري اعمالا مع طهران، وكما أن تجميد مساعدة تفرضه الادارة الامريكية على دول عاصية لا يُعرف بأنه مقاطعة، فليس للمصطلح أهمية، فالذي يُصرف مثل مقاطعة ويعاقِب مثل مقاطعة ويُقيد مثل مقاطعة هو مقاطعة.
وإن رد حكومة اسرائيل الأحمق على الاتحاد الاوروبي لا يشمل هو ايضا كلمة مقاطعة. فقد استقر رأي الحكومة على عدم مشاركة الاتحاد الاوروبي في المجال العلمي، اذا أصرت اوروبا على ان المستوطنات ليست جزءا من اسرائيل. وحينما اتخذت هذه القرارات في بلدة حيلم أصبحت في الأساس مصدر فكاهة مُرة، لأنه حينما تتخذ حكومة اسرائيل قرارا يمنحها تمويلا وهبات تبلغ نحو 300 مليون يورو فهذه جريمة اقتصادية وعلمية ستكلف دافع الضرائب مليارا ونصف مليار شيكل، اذا أرادت الحكومة ان تعوض مؤسسات البحث عن الخسارة. وقد لا تكلف شيئا، لأن حكومة اسرائيل لن تُعوض ببساطة هذه المؤسسات لأنه ماذا يكون البحث العلمي اذا قيس بسيادة اسرائيل في المناطق.
إن خسارة 300 مليون يورو قطرة في بحر الاستثمارات الضخمة التي أغرقتها اسرائيل وراء الخط الاخضر. وإن معجزة إبريق الزيت التي حدثت مع وزارة المالية، حينما تبين في جيبها نحو 4 مليارات شيكل ستغطي ذلك بلا صعوبة. لكن الذعر الحقيقي هو أنه تبين للحكومة فجأة أنها ليست صاحبة الاحتكار لا لوضع علامات فقط على منتوجات اسرائيلية، وأن منتوجات اسرائيلية لا يمكن أن تُنتج وراء الخط الاخضر بل سُلبت الحق في رسم حدودها. فهي صاحبة سيادة وهمية على مستوطناتها لأنه لا أحد في اوروبا أو في الولايات المتحدة يعترف بشرعيتها. إن تلك المستوطنات التي كانت ترمي الى توسيع حدود اسرائيل هي التي تُعلم الخط الصحيح من جديد، وهو الخط الاخضر المعروف. ومنزلتها هي في الأكثر كمنزلة الضفة الغربية في فترة الحكم الاردني حينما لم تعترف أية جهة دولية بضمها الى الاردن.
وجاءت اوروبا فجأة وهي القوة العجوز النائمة، وهي تهدد بنخرة هادرة واحدة بقلب الامور رأسا على عقب. لأنه ما كانت المستوطنات تنشئ سلامة البلاد بتدميرها سلامة الدولة، فقد كان كل شيء على ما يرام، لكن شيئا ما فظيعا تشوش الآن في المعادلة المريحة. إن المستوطنات تُعيد الخط الاخضر الى الحياة بأيديها، واذا لم تكن تكتفي بصرف الميزانية اليها فقد أصبحت تطلق النار وتصيب مصالح اسرائيل القومية بصورة مباشرة. وقد ظهرت خدعة إسهامها في أمن اسرائيل قبل عشرات السنين. وتحاول الحكومة الآن أن تُخلصها من الاختناق في داخل بالون ارض اسرائيل الكاملة، الذي أخذ الهواء يخرج منه. لكنها لم تنتبه فقط الى ان الدولة كلها مسجونة وتحتضر في البالون نفسه.
وامريكا ساكتة بل قد تفكر في حسد بمبلغ نجاح اوروبا بحركة واحدة صغيرة في ان تدفع قدما بمسيرة السلام وتُجلس نتنياهو مع عباس. وقد يفكر اوباما ايضا بأن هذه هي الطريقة التي يجب على واشنطن ان تستعملها، وهي ليست مقاطعة بالطبع بل ‘قيودا’ فقط.

هآرتس 14/8/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية