لندن – «القدس العربي» : بلغة عصر «تويتر» و»فيسبوك» و»انستغرام»، تفنن المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو في قصف جبهة الصحافيين، في المؤتمر الذي عقده قبل مواجهة فالنسيا في دوري أبطال أوروبا، بإجابته العبقرية على السؤال المتوقع قبل المؤتمر عن صحة التقارير المُنتشرة عن اقتراب الفرنسي زين الدين زيدان من الوصول لسُدّة حُكم «مسرح الأحلام» لإنقاذ موسم الشياطين الحمر الحالي قبل فوات الأوان.
هاتوا برهانكم!
هكذا كان لسان حال «سبيشال وان» عندما وُجه إليه السؤال، على الفور قلب السحر على الساحر، بوضع الصحافي الإسباني صاحب الخبر في موقف لا يُحسد عليه، حتى أنه لم يكتف بكشف أمره لإظهاره بصورة المُفبرك، بل أحرجه أكثر بمطالبته بالإجابة على السؤال وكشف ما دار في الحوار الهاتفي بيني وبين زيدان. هنا بدا الصحافي وكأن الأرض تهتز من تحت قدميه، ومن هول الصدمة اكتفى ببعض الضحكات، وفي الأخير وجه له مورينيو القاضية بشكل ساخر قائلاً: «يبدو أنه وضع جهاز تنصت على هاتفي وأنا لا أعلم»، ليُجبر وسائل الإعلام بشكل غير مباشر، على تقليل جرعة الأخبار والتقارير الزائدة بشأن إقالته وتعيين زيدان بدلاً منه، ومن حُسن حظه، أنه سكب القليل من الماء البارد على ألسنة اللهب التي تُطوق مُستقبله مع كل تعثر، بتفادي الهزيمة الثالثة على التوالي في ظرف أسبوع أمام الخفافيش، والأهم، الظهور بمستوى أفضل نوعا ما من المستوى الذي ظهر عليه الفريق في آخر مباراتين أمام دربي كاونتي في كأس الرابطة ووستهام في الجولة السابعة للبريميرليغ، ليبقى مورينيو مُتشبثا بالقشة الأخيرة الفاصلة بينه وبين اقالته، إلا إذا كانت الأنباء التي تتحدث عن اقتراب زيدان من «أولد ترافورد» صحيحة وليست مُفبركة. فهذا يعني أنه لن يهرب من مصيره عاجلاً أو آجلاً، لكن السؤال الذي ينتظر عشاق اليونايتد إجابته: هل زيزو البديل المثالي لمورينيو؟
رأي يُمثل صاحبه
يبدو واضحا أن الزمن بدأ يجور على المو، باتساع الفجوة الزمنية بينه وبين جيل لاعبي الآيفون، المختلفين تماما من الناحية العقلية عن الأجيال القديمة التي كان يتعامل معها في السابق، هؤلاء المحاربون الذين كانوا على استعداد للموت من أجل مورينيو، كماتيراتزي وصامويل إيتو وديديه دروغبا وآخرين، وهذا يظهر بوضوح في أزمته مع أحد مجانين مواقع التواصل الاجتماعي والميديا بول بوغبا، وأيضا ماركوس راشفورد وأنطوني مارسيال، علاقته بهما ليست على ما يرام، بالذات الشاب الفرنسي، ناهيك عن إفلاسه الكروي، الذي يتجلى في كرة القدم «القبيحة» التي يُقدمها مانشستر يونايتد بوجه عام مع مورينيو منذ توليه المهمة خلفا للويس فان خال قبل عامين ونص العام، والمُحبط أكثر بالنسبة لجماهير النادي، أن الأداء لا يتحسن ولا يتطور بشكل ملحوظ، تارة لكثرة الإصابات، وتارة لتراخي اللاعبين وظهورهم في المباريات بمستوى أقل مما يكونوا عليه في التدريبات، بحسب رواية المدرب، هذا بخلاف سوء الحظ مع الأخطاء التحكيمية العكسية في بعض المباريات وغيرها من المشاكل التي تعكس حجم المعاناة التي يعيشها المدرب. إذن الحل يكمن في الإقالة أليس كذلك؟ بالطبع لا. دعونا نتفق أنه لم يَخسر بعد دعم جماهير «أولد ترافورد»، ولم يخسر كذلك معركته الأصعب والأشرس مع بطل العالم بوغبا، وهي أشبه بواحدة من سلسلة أفلام وثائق ناشونال جيوغرافيك «معارك من أجل البقاء البرية»، حتى الآن لم تظهر ملامح الطرف الأوفر حظا، خاصة بعد إبداع المدرب في تأديب لاعبه أمام الكاميرات في التدريبات، ليُظهر للجميع، عن عمد، أنه ما زال يُمارس سلطته على الجميع بدون استثناء، على عكس ما يتردد أنه فقد الكثير من شخصيته وهيبته بين اللاعبين حتى لا ينقلبوا عليه، بنفس طريقة انقلاب لاعبي تشلسي عليه في آخر أيامه في ولايته الثانية.
لذا يُمكن القول بأن هذا المشهد، بجانب الثقة التي ما زال يتحلى بها مورينيو أمام الإعلام بذكائه المعروف عنه، وتصريحات المدير التنفيذي إد وودورد عن مستقبل المدرب وتأكيد تدعيمه بسخاء في الشتاء، كلها مؤشرات الى أن الإدارة لا تنوي الإطاحة به، على الأقل في الوقت الراهن، أو بمعنى آخر، إلى أن يستجمع زيدان قواه بعد الضغوط التي عاشها مع الريال على مدار عامين، ويُتقن كذلك اللغة الإنكليزية، ليتواصل بسهولة وبدون مشاكل مع اللاعبين ووسائل الإعلام. إلى هنا تبدو القصة أكثر منطقية وواقعية، أن يبقى المدرب البرتغالي بكل الدعم، شامل الصفقات المُحتملة في الشتاء، إلى أن يُصبح زيزو جاهزا بنسبة 100% لمهمة إعادة هيبة مانشستر يونايتد المفقودة منذ تقاعد الأسطورة فيرغسون مع نهاية موسم 2012-2013، كما فعلت الإدارة في موسم فان خال الأخير، بإقناعه بأن منصبه في أمان حفاظا على استقرار الفريق وعدم اهتزازه لنهاية الموسم، ومثل هذه الوعود الكاذبة في عُرف وتقاليد كرة القدم، ليست خيانة أو غدرا أو انقلابا على المدرب، الطبيعي أن مجالس الإدارات تضع مصلحة واستقرار الفريق والكيان قبل أي فرد، والمصلحة العليا تقتضي الآن ضرورة التعامل بكل هدوء مع أزمة سوء النتائج والأداء، وليس بالقرارات المُتسرعة التعسفية، التي قد يبكي عليها النادي وجمهوره إذا فشل المدرب البديل في منتصف الموسم.
سؤال وجواب
على المستوى الشخصي، لا أميل عموما لفكرة تعيين زيدان خليفة لجوزيه مورينيو في مانشستر يونايتد. كيف؟ ألا ترى تشابه الظروف بين وضع اليونايتد حاليا ووضع النادي الملكي عندما تولى المهمة بعد مُخلفات حرب رافا بنيتيز؟ نعم واضحة ولا تحتاج تلسكوبا. ألا تعلم أن زيدان يُجيد التعامل مع النجوم الكبار على عكس مورينيو الذي أشعل غرفة خلع الملابس؟ ربما لا أختلف في هذه الجزئية أيضا… لكن لو دققنا النظر قليلاً، سنُلاحظ اختلافات بالجملة بين المشروع الذي تسلمه المدرب الفرنسي بعد رافا بنيتيز، وبين الإرث الثقيل الذي ينتظره في حالة تمت إقالة «سبيشال وان»، هناك في «سانتياغو بيرنابيو»، كانت مهمة أخف وطأة، أولاً لم يكن جديدًا على الجيل الذهبي الذي حقق كأس دوري أبطال أوروبا العاشرة، بُحكم عمله المُسبق كمساعد مدرب لأنشيلوتي، ثانيا، زيدان نفسه، اكتسب الحمض المدريدي منذ لحظته الفذة الشاهد على ملعب «هامبدن بارك»، التي أهدت الميرينغي الكأس التاسعة على حساب باير ليفركوزن، حتى هو ينسب نفسه للريال أكثر من أي فريق آخر، بما فيها فريقه الأول كان، وبوجه عام يُنظر إليه على أنه رمز وأيقونة مدريدية. ولا تنسى عزيزي القارئ فارق الجودة والكفاءة الشاسع بين المجموعة الخارقة للعادة التي كانت تعمل معه في الريال، وبين المجموعة المتاحة في «أولد ترافورد» في الوقت الراهن، على سبيل المثال، لوك شو ما وضعه إذا وضعناه في مقارنة مع نظيره في الملكي مارسيلو؟ هو نفس الفارق بين كريس سمولينغ أو أي مدافع آخر مع سيرخيو راموس وفاران، وبين توني كروس ونيمانيا ماتيتش، وأيضا لوكا مودريتش وجيسي لينغارد أو ماتا أو آخر، كذلك مُستحيل مقارنة الرقم 7 في حضرة المُدمر رونالدو بصاحب نفس القميص الأحمر أليكسيس سانشيز. باختصار شديد أنه مع كامل الاحترام والتقدير لاسم وتاريخ وسمعة اليونايتد، فالتشكيلة الحالية فيها عناصر تكاد تُعد على أصابع اليد الواحدة، تندرج تحت مُسمى «نجوم من الطراز العالمي»، من الغد تستطيع اللعب في التشكيلة الأساسية في أكبر أندية أوروبا، وهم دافيد دي خيا وبول بوغبا وروميلو لوكاكو، بينما في الريال، كان يملك تشكيلة كاملة من أبرز وألمع نجوم العالم، بدون مبالغة، مجموعة مواهب وخبرات نادرا ما تجتمع في فريق واحد، وإلا لما احتل هذا التشكيل القارة العجوز على مدار السنوات الثلاث الماضية، وقبلها لقب «لا ديسيما» 2014.
البريميرليغ غير
قد تنجح الهالة الإعلامية لليونايتد في إظهار زيدان بصورة الملك القادم لإعادة زمن الخوالي، وهو في حقيقة الأمر قد ينجح في المهمة بامتياز، لكن من الصعب جدا أن يُحقق المطلوب منه بأثر فوري، بنفس طريقة نجاحه بعدما خلف رافا بنيتيز في الريال، كما أشرنا، لم يكن غريبا على رونالدو وبقية العصابة، وقبل ذلك، له باع كبير في الليغا كلاعب وكمساعد مدرب، بخلاف عمله كرجل أول لفريق الرديف، أما دخوله البريميرليغ في منتصف الموسم ومع فريق على الورق «هش»، أشبه بالانتحار أو محاولة دخول منزل تأكله النار من كل جانب لإنقاذ أسرة تُصارع من أجل الحياة، وهو تقريبًا لا يعرف أي شيء عن البريميرليغ، يعرف فقط ملاعب «ويمبلي» و»الاتحاد» و»أولد ترافورد» و»الإمارات»، الفرق الكبيرة التي يواجهها مساء الثلاثاء والأربعاء في دوري الأبطال، لكنه قطعا سيندهش كبيب غوارديولا عندما يصطدم بفريق كإيفرتون من الصعب إسقاطه على ملعبه، أو نيوكاسل ووستهام وواتفورد وكل الفرق التي اعتادت على عرقلة الكبار، وبدون ضرب مزيد من الأمثلة، فأغلبية عشاق اللعبة ينظرون إلى البريميرليغ على أنه الدوري التنافسي الأقوى في العالم، واحتدام المنافسة هذا، من شأنه أن يحرم زيدان من مميزات كان يتمتع بها في إسبانيا، أهمها ميزة «المداورة»، بالاعتماد على لاعبي الصف الثاني في الدوري، والأساسيين في دوري الأبطال، الشيء المؤكد أن زيدان لن يجد فرص نادرة كإيبار وخيخون وخيتافي وبلد الوليد، لإراحة اللاعبين، أو بمعنى آخر، لن يخوض 5 أو 6 مباريات محلية مُعقدة على مدار الموسم المحلي، بل سيجد العكس 180 درجة، عندما ينظر لجدول المباريات، فيجد أمامه مواجهة مع أحد الستة الكبار، وفي منتصف الأسبوع سهرة أوروبية، أمر مُعقد يحتاج من زيدان التحضير له جيدا، كما فعل بيب غوارديولا، بالبدء مع مانشستر سيتي فترة الاستعداد للموسم الجديد، ومع ذلك، احتاج عاما كاملاً ليعرف قواعد لعبة البريميرليغ الصعبة.
مشكلة أخرى لزيدان
لاحظنا أنه طبق المثل العربي الشهير «دخل بالمعروف وخرج بالمعروف»، تشعر وكأن زيدان سرق أوروبا في ظرف عامين ونصف العام، على أرض الواقع، لم يبن مشروعا حقيقيا للمستقبل، صحيح جلب بعض الأسماء الشابة في صيف 2017، لكنها كانت مُجرد أسماء على الورق تُساعد الأساسيين في التدريبات الجماعية. لم يعتمد اعتمادا كليا في المباريات المصيرية، خاصة المباريات الإقصائية لدوري الأبطال إلا على رجاله المُفضلين والمُعروفين بالاسم، والذين يعتمد عليهم خليفته جولين لوبيتيغي حتى مبارياته الثلاث الأخيرة، باستثناء كريستيانو رونالدو، التي فشلت في تسجيل ولو هدف يتيم على مدار ثلاث مباريات، في سابقة لم تَحدث منذ ما يزيد على عقد من الزمان. كل ما في الأمر، أن ذا الأصول الجزائرية عرف كيف يُسيطر على هذه الكوكبة من النجوم، وكأنه يعرف شفرة كل لاعب، فقط كان يُعطي التعليمات من خارج الخطوط، ثم ينتظر لحظة إبداعية خارقة من رونالدو، أو رأسية من القائد راموس أو أي شيء من هذا القبيل بعد الدقيقة 90 التي اُشتهر بها، ولنكن مُنصفين، هذا النوع من اللاعبين المزيج ما بين الخبرة والمواهب الاستثنائية غير متوافر في مانشستر يونايتد، أضف إلى ذلك إشكالية عدم ترك بصمة حقيقية على فريق ريال مدريد، باستثناء النتائج المدوية على مستوى الكأس ذات الأذنين، ببساطة، لم يقم بما يُسمى «البناء» على ما تسلمه، الأنكى، أن الفريق الذي تسلمه من رافا بنيتيز، الذي كان مُدججا بالنجوم سواء في التشكيلة الأساسية أو على المقاعد، تركه للوبيتيغي بلا دكة حقيقية، بعد السماح برحيل ألفارو موراتا وخاميس رودريغيز ودانيلو وبيبي وتبعهم في الميركاتو الصيفي الأخير كريستيانو رونالدو وماتيا كوفاسيتش، لذا في اعتقادي الشخصي أن عدم تمتع زيدان بميزة البناء والتخطيط للمستقبل، يُقلل من فرصه كثيرا ليكون الرجل المثالي، للمشروع الذي أهدر عليه فان خال ومن بعد مورينيو ما يزيد على 500 مليون يورو، على لاعبين في مراكز لا يحتاجها الفريق، منها 89 مليون إسترليني في بول بوغبا وحوالي 100 مليون لتعزيز مركز الظهير الأيسر بدايلي بليند وماركوس روخو في موسم واحد، في الوقت الذي كان يحتاج فيه الفريق لقلب دفاع أو اثنين من الطراز العالمي لتعويض رحيل نيمانيا فيديتش وريو فيرديناند، وغيرها من الملايين التي ذهبت سدى.
أمثلة وحل أخير
النموذج المثالي الذي يحتاجه مانشستر يونايتد في الوقت الراهن، لإصلاح ما أفسده مورينيو سواء بأفكاره أو علاقته السيئة مع اللاعبين، هو مدرب توتنهام ماوريسيو بوتشيتينو، أصبح علامة تجارية في بناء مشاريع فرق أحلام للمستقبل بأقل التكاليف مع أندية بخيلة مثل ساوثهامبتون وتوتنهام، ولنا أن نتخيل ماذا سيفعل إذا حصل على مشروع بميزانية مفتوحة كأغنى ناد في العالم. مثال آخر، كارلو أنشيلوتي هو الآخر معروف ببراعته في بناء فرق قوية على غرار ما فعله مع ميلان على مدار سنوات، وأيضا مع باريس سان جيرمان ببناء القوام الرئيس للفريق الذي هيمن على فرنسا طيلة السنوات الماضية، ولا ننسى أنه المؤسس الشرعي لجيل «لا ديسيما»، ولم لا الإيطالي الداهية أنطونيو كونتي، فهو متفرغ بعد طرده من تشلسي، ولديه خبرة لا بأس بها على مستوى المنافسة على لقب الدوري، ولديه «سر صنعة النفس الطويل»، يُجيد تماما لعبة الدوري، التي عذب بها الإنكليز في موسمه الأول، ولولا بًخل الإدارة عليه في الصفقات في الموسم التالي، لما تعقدت أوضاعه بالطريقة التي أوصلته لإنهاء الموسم في المركز الخامس، الحل الأخير، استنساخ تجربة ابن النادي على طريقة زيدان الريال وغوارديولا البارسا، وأكثر الجاهزين لهذه المهمة هو الأسطورة رايان غيغز، أو تحدث المعجزة ويبدأ مورينيو بمساعدة نفسه بنفسه أولاً، بالابتعاد عن التفلسف الزائد على الحد في اختياراته للتشكيل الأساسي، وتجنب إحراج اللاعبين بالاعتماد عليهم في مراكز غير مراكزهم، بنفس الاستهتار الذي تعامل به قبل اللاعبين مع مباراة وستهام، وشيء مهم آخر، أن يُحرر اللاعبين من القيود والأفكار الدفاعية، لتعود الكرة المعروفة عن مانشستر يونايتد التي تجمع بين الواقعية والأداء الجميل بدلاً من عار «الكرة القبيحة»، وقد تكون عودة الكرة الجميلة طوق نجاة بالنسبة للرجل البرتغالي، ومعها تتحسن النتائج ويتغير الوضع إلى الأفضل بعد تدعيمه بصفقات جديدة في يناير.