لماذا قطعت إيران الغاز عن تركيا؟ نقاش عميق في أنقرة حول مستقبل أمن الطاقة

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول – “القدس العربي”: ما زالت ارتدادات قطع إيران إمدادات الغاز عن تركيا لعدة أيام في ذروة العاصفة الثلجية التي ضربت البلاد تلقي بظلالها على النقاشات السياسية داخل الحكومة وبين الحزب الحاكم والمعارضة، وسط تكهنات بأن خطوة طهران كانت بمثابة “رسالة سياسية” لأنقرة التي بدأت فعلياً بتكثيف مساعيها لتنويع مصادر حصولها على الغاز الطبيعي لا سيما من خلال زيادة الكميات المستوردة من أذربيجان ومساعي الحصول على مصدر توريد جديد من تركمانستان.
وقبل أيام وفي ذروة العاصفة الثلجية وانخفاض درجات الحرارة إلى 30 تحت الصفر في بعض المحافظات التركية وبالتالي ذروة الحاجة لاستهلاك كميات أكبر من الغاز الطبيعي لحاجات التدفئة، توقف ضخ الغاز الإيراني بشكل مفاجئ وهو ما أجبر الحكومة التركية على الطلب من الشركات الصناعية الكبرى وقف الإنتاج لتقليل الاستهلاك من أجل ضمان استمرار تدفق الغاز إلى المنازل.
وبينما أعلنت إيران أن تراجع ضخ الغاز إلى تركيا سببه عطل فني في محطة لتعزيز الضغط في تركيا، نفى مسؤولون أتراك الرواية الإيرانية، كما نفت تركيا عودة الضخ إلى طبيعته كما أعلنت إيران موضحةً أن الإمدادات ما زالت أقل من الكميات المطلوبة والمتفق عليها.
توقف تدفق الغاز الإيراني الذي أدى إلى توقف الإنتاج في مصانع كبرى بالبلاد، فتح الباب أمام انتقادات واسعة من المعارضة التركية للحكومة بالعجز عن تأمين احتياجات البلاد من الطاقة، وقال زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو إن الرئيس رجب طيب أردوغان يعجز عن تأمين الغاز للمواطنين وللمنتجين، كما ادعت وسائل إعلام تركية معارضة أن وقف تدفق الغاز الإيراني كان بسبب ديون تركية متراكمة.
وفي لقاء تلفزيوني، الأربعاء، نفي أردوغان مزاعم قطع إيران تدفق الغاز الطبيعي إلى تركيا بسبب تراكم الديون، مؤكداً عدم وجود أي مستحقات لطهران لدى أنقرة، وأشار إلى أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بيّن له خلال اتصال هاتفي أن الأمر ناجم عن عطل وسيعود الغاز الطبيعي للتدفق خلال فترة 10-15 يوما. كما أوضح أردوغان أن وزارة الطاقة والموارد الطبيعية وشركة “بوتاش” التركية لأنابيب النفط والغاز الطبيعي أرسلت وفدين منفصلين أجريا لقاءات في إيران.
وفي إجراء سريع، اتجهت تركيا لطلب رفع كميات الغاز القادمة لها من أذربيجان لتعويض نقص الكميات القادمة من إيران، حيث أعلنت شركة النفط الحكومية في أذربيجان، الأربعاء، عزمها زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي إلى تركيا. وقالت وكالة الأناضول الرسمية إن الكمية ستكون 5 ملايين متر مكعب يومياً كحد أقصى لمدة قصيرة.
وأوضح متحدث الشركة إبراهيم أحمدوف أن تركيا تواصلت مع أذربيجان من أجل تلبية الحاجة المؤقتة إثر حدوث مشاكل تقنية بخصوص إمدادات الغاز الإيراني إليها، وقال المسؤول الأذربيجاني: “سيتم زيادة صادرات الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى تركيا بما يتماشى مع الطلب”.
ولم يتضح بعد سبب مؤكد لقطع الغاز الإيراني عن تركيا، حيث نفت أنقرة رواية إيران بوجود عطل فني، ونفي أردوغان وجود ديون تركية لإيران، في المقابل رجح محللون أتراك أن الإجراء الإيراني ربما جاء بشكل مدروس في محاولة للضغط على تركيا التي تسعى لزيادة وارداتها من أطراف أخرى وتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، إلى جانب حاجة طهران لتذكير أنقرة بأنها ما زالت بحاجة للغاز الإيراني مع الحديث عن إمكانية توصل تركيا وإسرائيل لاتفاق لنقل غاز شرق المتوسط لأوروبا عبر الأراضي التركية وما يحمله ذلك من تغييرات استراتيجية في خريطة نقل الطاقة بالمنطقة.
وعلى غرار موارد الطاقة الأخرى، تعتمد تركيا بشكل شبه كامل على تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي من الخارج، حيث تمثل فاتورة الطاقة التي تتكون من الغاز الطبيعي والبترول بالدرجة الأساسية أكبر عبء على الحكومة التركية حيث تصل سنوياً إلى قرابة 45 مليار دولار وارتفعت في العام الأخير إلى 55 مليار دولار، وتعتبر المسبب الأول للعجز المتواصل في الميزان التجاري لتركيا التي عجزت حتى اليوم في إحداث فائض فيه رغم تسجيلها أعلى أرقام صادرات في تاريخها على الإطلاق. وتعتمد معظم المنازل في تركيا على الغاز الطبيعي للتدفئة في فصل الشتاء.
ومؤخراً، أظهرت الإحصائيات والأرقام الرسمية جهودا تركية حثيثة من أجل تقليل الاعتماد على روسيا وإيران في تأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي وذلك من خلال زيادة وارداتها من الجزائر وأذربيجان في مسعى لسحب ورقة الغاز كأداة للابتزاز السياسي من يدي موسكو وطهران.

تحاول تركيا الحصول على الغاز بأسعار أنسب من دول “صديقة” لتقليل فاتورة الطاقة، حيث زادت اعتمادها على الغاز الأذربيجاني والجزائري وحصلت على كميات أخرى من قطر.

وإلى جانب مساعيها لتقليل أهمية الغاز كورقة ابتزاز سياسية في يد موسكو وطهران، تحاول تركيا الحصول على الغاز بأسعار أنسب من دول “صديقة” لتقليل فاتورة الطاقة الأكثر انهاكاً للاقتصاد التركي، حيث زادت بالفعل اعتمادها على الغاز الأذربيجاني والجزائري وحصلت على كميات أخرى من قطر، لكنها ما زالت تعتمد بدرجة أساسية على روسيا وإيران على أمل أن تساهم اكتشافات الغاز الأخيرة التي يتوقع أن تبدأ تركيا باستخراجها من البحر الأسود بحلول عام 2023 في مساعدة تركيا على تقليل فاتورة الطاقة من الخارج وتقديم الغاز للمواطنين بأسعار أنسب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية