لندن ـ «القدس العربي»: تخبرنا الأسطورة القديمة، أنه في العام 776 قبل الميلاد، أقيمت النسخة الأولى لدورة الألعاب الأولمبية القديمة في العاصمة اليونانية أثينا، وكانت تضم العديد من الألعاب الرياضية التي ما زلنا نراها حتى الآن، بل وتعتبر من الألعاب الرئيسية في الحدث الرياضي الأهم على هذا الكوكب، مثل سباقات الجري والوثب الطويل ورمي الرمح والملاكمة والمصارعة، واستمرت قرابة الـ12 قرنا حتى أوقفها الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول عام 393 ميلاديا، بحجة أنه كان يعتبرها «مهرجانا وثنيا»، لتبقى معلقة لنحو 1500 عاما، إلى أن تم إحياء الفكرة في العصر الحديث على يد البارون بيير دي كوبرتان، ذاك المدرس والمؤرخ الفرنسي الذي كان سباقا في وضع حجر أساس اللجنة الأولمبية الدولية في عام 1894، وأيضا في نفس موطن الأولمبياد القديمة عاصمة أحفاد الإغريق، لكن الشيء الثابت ولم يتغير أبدا طوال هذه القرون والعقود، سواء في العصور القديمة أو عصر الصناعة والتكنولوجيا، أن الأولمبياد لم تغامر بزيارة ثاني أكبر قارة في العالم، الماما أفريكا السمراء، رغم المحاولات السابقة، على غرار ملف الأسكندرية المصرية عامي 1916 و1936، والقاهرة عام 2004، بالإضافة إلى كيب تاون الجنوب أفريقية عام 2008، وهذا ربما كان يرجع لضعف البنية التحتية في عموم القارة آنذاك، مقارنة بملفات الدول الغربية وما يعرفون بدول العالم الأول، أو ربما لعدم جدية الحكومات الأفريقية في جذب الألعاب الأولمبية، أما الآن ونحن على أعتاب عام 2025، فيبدو أن هذا الوضع في طريقه للتغيير، أو على أقل تقدير يمكن القول إن هناك مؤشرات قوية على ارتفاع حظوظ قارة أفريقيا في استضافة دورة الألعاب الأولمبية العقد المقبل، بعد مشاهدة الحدث الكروي الأهم عالميا «كأس العالم» في جنوب أفريقيا عام 2010، بالإضافة إلى حصول المغرب على شرف تنظيم المسابقة جنبا إلى جنب مع إسبانيا والبرتغال عام 2030، والآن بدأ الحديث في العديد من المؤسسات والشبكات الإعلامية العالمية عن قدرة عاصمة الحضارة وأم الدنيا مصر على تنظيم الأولمبياد في نسخة 2036، وذلك بعد بناء أكبر مدينة أولمبية في الشرق الأوسط والقارة السمراء بأكملها، مقابل مليارات الدولارات، كجزء من العاصمة الإدارية الجديدة التي لم يتم تسميتها بعد، والسؤال الآن عزيزي القارئ: هل تعتقد أن مصر قادرة على استضافة الأولمبياد في عقد الثلاثينات؟ دعنا نناقش القصة في موضوعنا الأسبوعي.
لحظة تاريخية
بعد افتتاح الملعب المهيب في العاصمة الإدارية الجديدة، الذي يتسع لأكثر من 93 ألف متفرج، في مارس/آذار الماضي على هامش بطولة كأس العاصمة الودية، قالت شبكة «بي بي سي» في تحقيق مطول بعنوان «هل تستطيع أفريقيا استضافة دورة الألعاب الأولمبية 2036؟»، مع تركيز على حظوظ القاهرة في انتزاع هذا الشرف من المنافسين الأقوياء الطامحين في تنظيم نفس الاستحقاق في مقدمتهم طوكيو واسطنبول ومكسيكو وجاكرتا وحوالي 10 عواصم ومدن كبرى عالمية بنفس الوزن. وفي النهاية خلص التحقيق بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات، إلى أن اكتمال باقي مرافق المدينة الأولمبية بعد افتتاح هذا الملعب العالمي، قد يغير التاريخ في مصر، بالطريقة التي تروج لها الحكومة منذ بدء أعمال الإنشاء في العاصمة الإدارية الجديدة بين عامي 2018 و2019، وأيضا باقي المدن الحديثة على غرار العلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وإلخ، أملا في تعظيم موارد الدولة من النقد الأجنبي من خلال جذب المستثمرين الأجانب والوقوف على قدم المساواة مع أعتى الدول السياحية في العالم، لكن كما تقول منصة «The B1M»، المشكلة أن مصر لم تتقدم حتى الآن بعرض رسمي لاستضافة الألعاب الأولمبية، رغم ما قيل في وسائل الإعلام المحلية في سبتمبر/أيلول عام 2022، أن اللجنة الأولمبية المصرية حصلت على الضوء الأخضر من قبل رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، وأرجعت نفس المنصة سبب تأخر الملف المصري حتى الآن، إلى الأزمة المالية الطاحنة التي كانت وما زالت تعاني منها البلاد، وكانت سببا في حصول الحكومة على قروض ومساعدات عاجلة تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات، آخرها وأشهرها القرض المشترك مع صندوق النقد الدولي، الذي تمت الموافقة على رفع قيمته من ثلاثة ملايين دولار إلى ثمانية ملايين من نفس العملة، مع ربطه بسلة قروض أخرى من مؤسسات التمويل الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، هذا في الوقت الذي أثبتت فيه التجارب الأخيرة، أن استضافة الألعاب الأولمبية عادة ما تتسبب في خسائر فادحة بالنسبة للبلد المنظم، حيث يتطلب التنظيم بناء المرافق أو العمل على قدم وساق وبخطة زمنية محددة، للانتهاء من شبكة الطرق الرئيسية والمطار الجديد الذي يتم إنشاؤه بالقرب من المجمع الأولمبي، وهذا في حد ذاته، يعني أن العرض المصري سيكون أقوى من أي وقت مضى، بعد تحويل قطعة من الصحراء على بعد 45 كيلومترا من القاهرة ومثلها من الإسماعيلية، إلى مدينة عصرية متكاملة بحجم دولة مثل سنغافورة، لكن حجر العثرة يكمن في إجمالي التكاليف الخاصة لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية، مثلما حدث مع لندن في نسخة 2012، التي كبدت الحكومة البريطانية قرابة الـ15 مليار دولار، وفي الأخير لم تتجاوز الأرباح حاجز الـ10 مليارات بنفس العملة، وبالمثل قامت الحكومة اليابانية بإنفاق حوالي 14 مليارا، لكنها لم تجن أكثر من 5.8 مليار، شاملة دعم اللجنة الدولية الأولمبية، الذي لا يزيد في أفضل الأحوال على ملياري دولار، بخلاف المبلغ المذهل الذي أنفقته الحكومة الصينية لتحديث بنيتها التحتية وبناء المرافق الرياضية الجديدة من أجل تنظيم أولمبياد بكين 2008، قرابة الـ40 مليار دولار، وفي الأخير لم تجن حتى ربع هذه التكاليف، وهذا يفسر أسباب تراجع الطلب أو اهتمام الدول بتنظيم الأولمبياد في آخر عقدين على أقل تقدير.
جودة وتحد
يعرف القاصي والداني، أن الهندسة المصرية أقل ما يُقال عنها أنها «مادة أسطورية»، وهذا الأمر يبدو واضحا في الصرح الشامخ أمام كل عوامل الطبيعة وتغير المناخ منذ آلاف السنين الهرم الأكبر بالجيزة، ومجمع معابد الكرنك بمدينة الأقصر، وغيرها من المباني والآثار التاريخية من الأسكندرية حتى أسوان وبلاد النوبة، ومع هذه السمعة الاستثنائية في تاريخ الهندسة والبناء، جاءت الضغوط الهائلة على مهندسي هذا المشروع، الذين حملوا على أكتافهم توقعات أكثر من 100 مليون شخص، وفي نهاية المطاف، خرجوا بمدينة أولمبية تفوق حتى أعلى مستوى من الشروط والمعايير المحددة من قبل اللجنة الأولمبية الدولية، وفي رواية أخرى «مدينة أولمبية أكثر من كافية للمهمة»، تتكون من مجموعة كاملة من الأماكن الرياضية والساحات والملاعب المختلفة، بخلاف الفنادق والشاليهات «الفاخرة» والمستشفى والمسرح، وجوهرة التاج بالنسبة لهذه المدينة، هو الملعب الأولمبي (ملعب العاصمة الإدارية الجديدة)، المكون من ثلاثة طوابق، تلك التحفة المعمارية التي بدأ العمل عليها وتنفيذها من مجموعة أوراسكوم والهيئة الهندسية للقوات المسلحة عام 2019، وتم الانتهاء من بنائه في أواخر العام 2023، ليصبح الآن أكبر ملعب في الشرق الأوسط، والأهم بالمواصفات المثالية للملاعب الرياضية الحديثة، كملعب تم بناؤه بشكل دائري لتوفير أفضل زوايا المشاهدة والصوتيات للجماهير، وذلك على مساحة تُقدر بنحو 128 ألف متر مربع، ومجهز بملعب كرة قدم ومضمار لألعاب القوى، وكما هو شائع في مصر، تم استخدام الخرسانة المسلحة لبناء الملعب، مدعومًا بهيكل وتر فولاذي، لكن الأمر المثير بحق، أن هذا السقف المذهل (نصف المغلق)، مستوحى تصميمه من غطاء رأس وقلادة الملكة المصرية القديمة نفرتيتي، ما يعني أننا نتحدث عن منشأة عالمية المستوى قادرة على استيعاب الألعاب الأولمبية الصيفية التي تتألف من 32 رياضة فردية وجماعية، وهو المستوى الذي تطمح إليه مصر، بنقل الأمور إلى المستوى التالي في القارة، أو الانفراد بالريادة في هذا المجال في القارة، بعد نجاح جنوب أفريقيا في تنظيم مونديال كرة القدم عام 2010 وحصول المغرب على التنظيم بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال، لكن وفقا للبروفيسور أشرف عاشور، أستاذ الهندسة الإنشائية في جامعة برادفورد: «سيحتاج منظم الألعاب الأولمبية إلى التخطيط بعناية لاستخدام المدينة على المدى الطويل بعد هذا التطوير لتجنب أي نقص كبير في الاستخدام بعد انتهاء الألعاب الأولمبية، من وجهة نظر مستدامة، قد يتسبب ذلك في استنزاف الموارد ما قد يتطلب صيانة مستمرة بعد الانتهاء من الألعاب الأولمبية وسيتطلب ذلك التزامات مالية»، بالأحرى سيتعين على المسؤولين عن هذا الملف في مصر، إثبات قدرتهم على استخدام أكبر عدد ممكن من الأماكن الحالية والمؤقتة لتجنب البناء غير الضروري، مثل الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة البرازيلية، بعدم استخدام 12 من الأماكن الـ27 المستخدمة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، لمدة تزيد على عام، ما تسبب في خسائر بملايين الدولارات، لأن الإغلاق في حد ذاته، يكلف ملايين، فما بالك بتكاليف الاستخدام والصيانة المستمرة، على عكس الوضع في باريس، باستمرار الحياة في 95% من الأماكن المخصصة لأولمبياد 2024 هذا العام، لذا من الضروري أن تفكر مصر في هذا الأمر قبل اتخاذ قرار التقدم بعرض رسمي لتنظيم أولمبياد 2036 أو 2040 أطال الله أعمارنا جميعا.
أزمة ورغبة
كما أشرنا أعلاه، لا يُخفى على أحد أن الوضع المالي في مصر ليس في أفضل حالاته، وذلك من توابع الحرب الروسية – الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير/شباط العام قبل الماضي، ومعها بدأت الضربات المؤلمة للاقتصاد المصري، أبرزها خروج ما يزيد على 20 مليار دولار من أصحاب المال الساخن والمضاربين على السندات وأوزون الخزانة في البنوك المصري، ما تسبب بشكل أو آخر في وصول القروض والديون المستحقة على البلاد إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ، بلغت قرابة 163 مليار دولار مع نهاية العام الماضي، وبالتبعية انخفضت العملية بشكل حاد، لدرجة أن الحكومة ما زالت تكافح لمعالجة هذه القضية، رافعة شعار «لا بديل عن الخطط التقشفية» من أجل الحفاظ على قيمة الجنيه المصري وعدم انهياره أمام الدولار الأمريكي وباقي العملات الأجنبية، وهذا كما تقول مؤسسات التصنيف الائتماني أمثال «موديز»، و«فيتش»، و«ستاندر آند بورز»، لأسباب تتعلق في المقام الأول، لالتزام الدولة بتسديد فوائد وأقساط القروض، التي ذهبت إلى المشاريع السياحية والمستقبلية، مثل بناء مدينة العلمين الجديدة، وتمويل مشروع المونوريل (القطار الكهربائي المعلق)، وبناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد في منطقة الضبعة، ومؤخرا تم افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يُعد أكبر متحف في العالم، بجانب ما تم إنفاقه على العاصمة الإدارية الجديدة والمدينة الأولمبية، لكن الشيء المؤكد وأجمع عليه الخبراء والمختصين، أن الألعاب الأولمبية ستعطي دفعة غير مسبوقة للشعب المصري، أو كما قال أشرف عاشور «إن استضافة الألعاب الأوليمبية الصيفية في مصر سيكون إنجازا هائلا لمصر. وستكون هناك فوائد اقتصادية واجتماعية وبنية أساسية كبيرة، وفي الواقع، قد يكون هذا نقطة تحول مستقبل البلاد إلى وضع أفضل واقتصاد أفضل»، ويقصد البروفيسور، تلك المكاسب التي ستعود على خزينة البنك المركزي من عملة أجنبية، نظير الملايين الذين سيتسابقون من أجل الحصول على تأشيرة الاستمتاع ببلاد الفراعنة في فصل الصيف، ومشاهدة دورة الألعاب الأولمبية في نفس الوقت، تماشيا مع خطة الحكومة بمضاعفة أعداد السياح في المرحلة المقبلة، ولنا أن نتخيل أن هذا البلد الذي يملك هذا الكم الهائل من آثار العالم القديم ويتمتع بتنوع نادر في مختلف مصادر الجذب السياحي، مثل السياحة الشاطئية والدينية والعلاجية، لا يستقبل أكثر من 15 مليون سائح في العام الميلادي الواحد، هذا في الوقت الذي استضافت فيه العاصمة باريس نفس الرقم تقريبا خلال فترة استضافة الأولمبياد في فصل الصيف الماضي، فقط يتبقى الرهان أو التحدي الأخير، أن تنجح الإدارة المصرية في إقناع اللجنة الأولمبية الدولية بالحصول على حق تنظيم الألعاب الأولمبية في العام المستهدف 2036 أو 2040، لا سيما بعد الزيادة الملحوظة في أعداد الدول الراغبة في استضافة الأولمبياد عام 2036 بالذات، بنحو 13 منافسا محتملا للمصريين، مقارنة بالأعداد القليلة التي كانت تتنافس على الدورات السابقة.
بوجه عام، يمكن القول إن هناك الكثير من المؤشرات أو العلامات التي تعطي أحفاد الفراعنة أفضلية ولو طفيفة على باقي المنافسين، منها ما نقلته شبكة «بي بي سي» على لسان المسؤول البارز في اللجنة الأولمبية المصرية شريف العريان، أن الحكومة جادة وعازمة على التقدم بعطاء من أجل استضافة الألعاب الأولمبية في الموعد المحدد، مستشهدا بالبيان الصادر عن مجلس الوزراء عقب الزيارة التي قام بها رئيس اللجنة الأولمبية توماس باخ، إلى العاصمة الإدارية الجديدة وجوهرة التاج داخلها المدينة الأولمبية المتكاملة، قائلا بالنص: «باخ رأى بنفسه أننا قادرون جدا، والشيء الجيد أن القارة بأكملها تدعمنا من خلال رابطة اللجان الأولمبية الوطنية الأفريقية، وآمل بأن نكون منافسا قويا، وسيفيد ذلك أفكار اللجنة الأولمبية الدولية وإرثها»، هذا ولم نتحدث عن إستراتيجية اللجنة الأولمبية الدولية الجديدة، التي تهدف في المقام الأول لجعل تقديم العطاءات والاستضافة أكثر استدامة ومرونة وإتاحة لمجموعة أوسع من البلدان، وبطبيعة الحال، منح الألعاب الأولمبية لدولة أفريقية، من شأنه أن يوسع البصمة الأولمبية، ويمهد الطريق أمام مضيفين أكثر تنوعا في المستقبل، والأهم سيمثل لحظة فارقة للقارة بأكملها، أو كما قالت الدكتورة كاميلا سوارت أريس، الخبيرة في الرياضة والسياحة والأحداث: «لا يمكننا أن نزعم أن اللجنة الأولمبية الدولية عالمية بدون استضافة الألعاب الأولمبية في قارة أفريقيا»، لافتة إلى ضرورة مراعاة ما وصفته بـ«التحولات الديموغرافية العالمية» وتأثيرها المحتمل على عالمية الألعاب الأولمبية، من باب أنه بحلول العام 2050، من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9.8 مليار نسمة، مع حدوث أسرع نمو في قارتي أفريقيا وآسيا، وعلى النقيض من ذلك، من المتوقع أن يتقلص عدد سكان أوروبا، ومثل هكذا تحول ديموغرافي، ستكون له آثار كبيرة على اللجنة الأولمبية في العقود القليلة المقبلة، وقد يحتاج إلى إعادة النظر في البرنامج الأولمبي ليعكس هذه التغييرات ويحافظ على جاذبية الألعاب العالمية.
وكل ما سبق يصب في مصلحة العرض المصري أكثر من أي عرض آخر، على أن يبقى مفتاح الحصول على شرف تنظيم الأولمبياد، هو مواءمة الأولويات الجديدة للجنة الأولمبية، بعدم الاكتفاء بإظهار القدرة الفنية والمالية قبل وأثناء استضافة الحدث، بل أيضا إظهار كيف يمكن لاستضافة الألعاب الأولمبية أن تترك إرثا إيجابيا ومستداما، وتجنب مع تُعرف بالأفيال البيضاء التي انفجرت في الألعاب الأولمبية السابقة، حيث تحولت الأماكن المكلفة إلى أعباء مالية بدلا من أن تكون أصولا للمجتمعات، أو كما قالت الدكتورة كاميلا: «النجاح لا يتطلب فقط استضافة حدث ناجح لمدة أسبوعين، بل واستخدامه كمحفز للتغيير الإيجابي الدائم في حياة المواطنين، ويتتبع إطار إرث الحدث التأثيرات الدائمة للأحداث الرياضية الكبرى، وهو يشمل التغييرات البنيوية الرئيسية: التنمية الحضرية، وتحسين البيئة، وتغييرات السياسات والحوكمة، وخلق الملكية الفكرية، والتنمية الاجتماعية والبشرية»، فهل يا ترى ستنجح مصر في كسر عقدة القارة السمراء مع دورة الألعاب الأولمبية؟ بعد سلسلة من العروض والعطاءات منها الطموحة والفاشلة، آخرها خسارة كيب تاون في الأمتار الأخيرة أمام أثينا في الصراع لتنظيم نسخة 2004، لنفس الأسباب أو العقبات التي حرمت أفريقيا من تنظيم هذا الحدث، إما لحجة المخاوف الأمنية وإما للشكوك حول البنية التحتية أو القدرة المالية والاستقرار السياسي، وبطبيعة الحال، إذا لم تغير اللجنة الأولمبية الدولية نظرتها التشاؤمية للقارة، فربما يتأجل الحلم المصري والأفريقي إلى ما بعد 2040، في ظل القيود الاقتصادية والتحديات التي تواجه مصر مثل باقي دول الماما أفريكا، منها الحاجة لإنفاق ما يتراوح بين 10 لـ50 مليار دولار أخرى، لإثبات قدرتها على التعامل مع الاستثمار المالي المطلوب لاستكمال المشروع، وإلا سيذهب الترشيح لواحد من المنافسين الأقوياء في الشرق الأوسط، منهم تركيا، التي تتمتع أيضا بالخبرة الكافية والدعم الحكومي والموقع الإستراتيجي الذي يربط بين أوروبا وآسيا، وأيضا دولة قطر، التي استثمرت بكثافة في البنية التحتية طيلة العقد الماضي من أجل تنظيم أفضل كأس عالم في التاريخ، ولديها خطط طموحة في استضافة الألعاب الأولمبية، وبالمثل تمتلك السعودية، خططا طموحة لتنظيم أكبر الأحداث الرياضية في العالم، على غرار مونديال 2034 وأولمبياد 2036 أو 2040. الشاهد عزيزي القارئ أن مصر تتمتع بالفعل بالعديد من نقاط القوة في سعيها لاستضافة الأحداث الرياضية الكبرى، بما في ذلك الألعاب الأولمبية وكأس العالم لكرة القدم، كبلد اعتاد على تنظيم البطولات المجموعة، مثل استضافة الكان الأفريقي 4 مرات، منها أفضل نسخة في تاريخ القارة، التي وافقت على تنظيمها بدون تحضير، بعد تأخر الكاميرون في استكمال أعمال بناء الملاعب عام 2019، وبعد أقل من ثلاث سنوات، ستستضيف دورة الألعاب الأفريقية، وقبل هذا وذاك، تراثها الثقافي الغني وأهميتها التاريخية قد تروق لرغبة اللجنة الأولمبية في استضافة دول متنوعة ثقافيا للأولمبياد، لكن حجر العثرة، يكمن في وضعها الحالي، كدولة تصنف نامية أو واحدة من الأسواق الناشئة، المهددة دائما وأبدا بالمشاكل والقيود المالية، أما غير ذلك، فسيكون من الصعب تجاهل الملف المصري، أو كما قال رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية في جنوب أفريقيا سام رامسامي: «حان الوقت لإقامة دورة الألعاب الأولمبية في أفريقيا»، مراهنا على حظوظ الفراعنة، ليس فقط بسبب الصرح الأولمبي العالمي في العاصمة الإدارية الجديدة، بل أيضا لتوافر المعايير الأخرى الجوهرية التي تضعها اللجنة الأولمبية في الاعتبار، مثل ملف التحول إلى الطاقة النظيفة وخفض انبعاثات الكربون، بعد استضافة مؤتمر المناخ العالمي في مثل هذه الأيام في شرم الشيخ في العام قبل الماضي، قائلا: «قبل فترة ليست بالبعيدة، استضافت مصر برنامج مؤتمر الأطراف حول البيئة، والأمر الأكثر أهمية أن هذا سيلهم أفريقيا بأكملها. وسيظهر أن أفريقيا ليست مجرد عملاق نائم، بل هي عملاق مستيقظ»، فهل يا ترى تفوز مصر بحق تنظيم الأولمبياد وتغير تاريخ القارة الأفريقية؟ أم ستبقى حكرا على دول العالم الأول والأثرياء؟