(1) كنت قد كتبت مقالي عن ‘الظاهرة القطرية’ الذي نشر الثلاثاء الماضي على هذه الصفحات قبل صدور قرار أمير قطر بالتنحي لصالح ابنه، ولهذا لم يكن المقال تعليقاً على انتقال السلطة في قطر وإنما على الحالة المرضية العربية متمثلة في التفاعل مع نجاح قطر كمشروع تحديثي رائد. وتتلخص هذه العلة بأن في توجيه اللوم من قبل من يواجهون مشاكل في بلادهم إلى أصحاب النموذج العربي الناجح بدلاً من استلهام نجاحه والتأمل في أسبابها.
(2) ما تزال خلفيات القرار القطري غير واضحة، مما يجعل من الصعب الحكم عليه. ولكن الملاحظة الأبرز تتعلق بتنحي أحد أنجح الحكام العرب وتمسك من شبعوا فشلاً بالسلطة. ففي اليوم التالي لإعلان أمير قطر التنحي دون أن يطالبه بذلك أحد، ألقى الرئيس المصري محمد مرسي المطالب بالتنحي خطاباً مطولاً أعلن فيه تمسكه بالبقاء في السلطة وبنفس السياسات التي أثارت نقمة شعبية واسعة ضده. المفارقة هي أن خطاب استقالة أمير قطر استغرق خمس دقائق، بينما استغرق خطاب مرسي ساعتين ونصف.
(3) من أعراض المرض العربي هو أن الحكام الفاشلين لا يصرون فقط على البقاء في مناصبهم، وإنما يلومون كل جهة سوى أنفسهم. ولم أعد أحصي عدد المؤتمرات والمساجلات التي شاركت فيها وأطنب المثقفون العرب فيها في الحديث عن المؤامرات الأجنبية باعتبارها سبب فشل أنظمة الحكم العربية. فحكام سوريا يقومون بقصف عاصمتهم دمشق بصورة يومية وبوحشية تستنكف عن مثلها إسرائيل، ثم يتحدث إعلامهم عن ‘مؤامرة’ لتدمير سورية!
(4) فاض بي الكيل في أحد هذه المؤتمرات (وكان في الدوحة يا للمفارقة!) وأنا استمع إلى عدد من مثقفينا العرب يكيلون اللوم للتآمر الأجنبي في قضية انفصال جنوب السودان فعلقت قائلاً: إن أكبر ‘مؤامرة كونية’ علمنا بها من الوحي السماوي هي مؤامرة الشيطان الرجيم لإغواء البشر. ولكن من يأتي يوم القيامة وقد غوى فسد ثم يلقي باللوم على الشيطان في جرائمه لن يقبل منه مثل هذا العذر وسيلقى به في جهنم مذموماً مدحوراً.
(5) بنفس القدر فإن أي حاكم يعتذر عن فشله بلوم المؤامرات الكونية والامبريالية يجب أن يلام مرتين: مرة لأنه أخطأ، وثانية لأنه فشل في التصدي للمؤامرات الأجنبية. فالعبرة بالنتائج، ومن سمح للعدو بهزيمته فهو مهزوم فاشل، وينبغي أن يعترف بتقصيره ويتنحى لمن هو أقدر منه على مواجهة ‘المؤامرات’.
(6) في خطابه أمس الأول أسهب الرئيس المصري في تفصيل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي ورثها أو اكتسبها، وهي مما تنوء به الجبال. والرئيس على حق في أن خصومه يجتهدون ما وسعهم لإفشال خططه لمعالجة هذه المشاكل، وهذا من حقهم ما دام مرسي وأنصاره يتخذون من هذه المعالجات سلاحاً سياسياً لإثبات جدارتهم بالسلطة. وما لم يقع توافق على الابتعاد عن تسييس الخدمات، فإن هذا السلوك سيستمر.
(7) كنا في السابق قد اقترحنا على مرسي قبول عرض مناوئيه بتشكيل حكومة وحدة وطنية بتفويضات واسعة لمدة ثمانية عشر شهراً. ذلك أنه لا يوجد عاقل يرفض أن يشاركه خصومه في تحمل المسؤوليات الجسام التي تفرضها المرحلة، فإن نجحوا كان له فضل ذلك، وإن فشلوا شاركوه في الملام. وفي نظري أن هناك سوء فهم عند مرسي وخصومه على السواء لطبيعة مسؤوليات المرحلة. فمرسي لم ينتخب لضمان سعر السولار ونوعية الخبز، وإنما لقيادة مرحلة انتقالية ووضع دستور متوافق عليه ثم ترتيب انتخابات سليمة تعزز الديمقراطية والاستقرار. وعليه فإن تركيز مرسي في نصف خطابه الطويل على ‘الجركانات’ وصفوف البنزين هو قمة الانصرافية.
(8) لم يعد يكفي اليوم القبول بحكومة انتقالية ولا بد على مرسي من أن يعرض الاستقالة وانتخابات رئاسية وبرلمانية كاملة. وفي نظري أن من مصلحة مرسي وحزبه وضع معارضيهم أمام اختبار الاحتكام إلى الشعب. وليتحقق هذا، يجب أن يضيف مرسي إلى مقترحه للحوار الوطني أن تكون نتيجة التوافق على دستور جديد قبول المعارضة بعملية تؤدي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة على أساس الدستور الجديد.
(9) لا يعتبر مثل هذا القرار صائباً من الناحية الأخلاقية وتحمل المسؤولية عن الإخفاق (وأقله الإخفاق في بناء توافق وطني يجنب البلاد الشقاق)، ولكنها ايضاً حركة سياسية حكيمة تسحب من الخصوم أوراق الدعوى بأنهم يمثلون الشعب: فها هو الشعب، هيا نستفته!
(10) كنت قد طالبت كذلك الرئيس السوداني عمر البشير الأسبوع قبل الماضي على هذه الصفحات بأن يحسن إلى البلاد بتنحيه عن السلطة قبل أن تتفكك البلاد ثم لا يجد مكاناً يؤويه. ولعل القضية السودانية أيسر حلاً من رصيفتها في شمال وادي النيل. فبخلاف مرسي الذي لم يكمل مدته، فإن البشير قد أكمل مدة بعد مدة، وأعلن بنفسه أنه قد سئم طول الحكم، وأقسم بأنه لن يقبل التجديد له (وهو تعهد غير ضروري لأن الدستور لايسمح له بالتجديد على كل حال). المطلوب فقط هو أن تدخل الحكومة في حوار مع المعارضة لترتيب انتخابات نزيهة على أساس دستور توافقي جديد يتيح لكل القوى السياسية التنافس الشريف على المواقع. فما المانع يا ترى؟!
(11) إنها لمفارقة في هذا الزمان أن يسارع الحكام العرب الناجحون بالتنحي عن السلطة طوعاً، بينما يتمسك الفاشلون بأهدابها تمسك الغريق، فيغرقون في نهاية المطاف ثم تغرق البلاد معهم. ولو سمحوا لمواطنيهم لساعدوهم على النجاح حتى يكون ذلك فاتحة للخلاص منهم! ونذكر هنا بأن رجل الأعمال السوداني محمد إبراهيم رصد جائزة ضخمة للزعماء الأفارقة الذين يتنحون عن السلطة، ونقترح على رؤساء مصر والسودان التنسيق حتى ينالها كل منهما في عام مختلف (ويجب ألا ينسيا عندها أنني كنت صاحب الاقتراح)!
اعتقد انه من الظلم وصف الرئيس مرسي بالحاكم الفاشل و هو بالكاد وصل للحكم. حتى مدير مدرسة ابتدائية نحتاج الى ثلاثة اعوام حتى نحكم على اداءه. الرجل واجه سيل اعلامي (اكبر بكثير من السيل الشعبي) رافض له و للشرعية منذ اول يوم توليه للحكم لمجرد انه ينتمى لاصول الاسلام السياسي. اذا كنا سنلعب هذه اللعبة فنحن كشارع اسلامي نستطيع كذلك افشال اي حاكم علماني يأتي بعده عن طريق المظاهرات و الاعتصامات و حتى الاختراقات الامنية و الخاسر هو مصر. الحل الوحيد هو استمرار الشرعية.
لا أعتقد أن المقارنة بين مرسى و البشير من جهة و أمير قطر أو أى دولة خليجية من جهة أخرى هى مقارنة عادلة نسبة لإختلاف ظروف الحكم و عدد السكان و التركيبة السكانية ونصيب الفرد من الدخل القومى فعاصمة كالخرطوم (ناهيك عن القاهرة) تعادل مساحتها أو تزيد عن مساحة قطر و بها عدد سكان يفوق عدد سكان أكثر من دولة خليجية مجتمعة ، ثم ماهى الظروف التى تجعل حاكما لدولة مثل قطر لا ينجح داخليا و فد ورث بلدا صغيرا من حيث الحجم و السكان وذو موارد إقتصادية هائلة و لا يوجد به أى مشكلات عرقية أو دينية يمكن أن تهدد مسيرة التنمية، وفى نفس الوقت لا نلتمس عزرا للبشير أو مرسى و بخاصة الرئيس عمر البشير الذى ظل يحكم السودان زهاء ربع قرن من الزمان لم يفلح إلا فى تدمير أى مقدرات إقتصادية كان يتمتع بها السودان سابقا على تواضعها ناهيك عن تدمير النسيج الإجتماعى و التعليم و الخدمة المدنية و مؤسسة من أهم مؤسسات الدولة كالقوات المسلحة بالإضافةلإنفصال الجنوب الذى لم تفلح أى جهة فى فصله حتى عندما كان السودان تحت حكم أكثر الحكومات المدنية ضعفا . إن مصيبة مرسى و البشير أنهما ينتميان لجماعة واحدة و هى جماعة (الأخوان المسلمين) فى كل من مصر و السودان و هذةة الجماعة تحكم لصالح التنظيم الدولى للإخوان المسلمين الذى هو جسم أشبه ما يكون بالماسونية العالمية التى لها أجندتها و مصالحها الخاصة البعيدة كل البعد عن المصالح القومية و الوطنية للشعوب.
مصيبة الشعب المصرى أنه لم يتعلم من تجربة حكم الإسلامويين فى السودان و أحسب ذلك بسبب إنغلاق الساسة و المثقفين فى مصر على أنفسهم و إعتبار ذاتهم أكبر من أن تتعلم من تجربة الغير خاصة إذا كان الغير هذا هو السودان و لو فعلوا لو وفروا على أنفسهم الكثير من المعاناة و الخسائر و لكن لا أظن السودانيون سوف يستنكفون عن التعلم من التجربة المصرية إن هم أفلحوا بإزاحة مرسى و جماعة الإسلام السياسى عن سدة الحكم فى 30يونيو القادم و للمفارقة فإن تاريخ 30 يونيو يمثل للشعب السودانى يوما مشؤوما وهو اليوم الذى إستولى فيه العميد عمر البشيرعلى السلطة بإنقلاب عسكرى فهل يشهد يوم 30 يونيو نهايتهم فى مصر و السودان ؟ نأمل ذلك.