لماذا لم تعد البرازيل تقول شعرا؟

قرأت بتمعن الملف الذي خصصته مجلة لونوفيل أوبسرفاتور في عددها الأخير لرئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الفرنسي ميشال بلاتيني، ليس اهتماما بعالم المنظمات الرياضية وما يحف بها من مساومات ومفاهمات بزنسية – سياسية، بل لأني أسلك بلاتيني في نفس طبقة عازفي الفن الكروي مع الهولندي كرويف، والبرازيلي بيلي والأرجنتيني مارادونا. ولأن بلاتيني كان من أول اللاعبين «المعولمين»، ومع ذلك فإن الجمهور أحبه منذ البداية لأنه كان ألمع أبناء كرة القدم العمالية التي كان يمارسها أبناء الطبقات الكادحة في الشوارع والبطاح. ورغم أن زين الدين زيدان ابن المهاجرين الجزائريين نشأ ولعب في الأحياء الشعبية، فإن هذه الصفة لا تنطبق عليه تمام الانطباق لأنه ظهر في زمن متأخر أدركته ضلالات اللا-اقتصاد العولمي.
المشجي أنه لم يعد هناك من كرة القدم العمالية الشعبية ذات النكهة المحلية اللذيذة التي مارسها ألبير كامو وكتب عنها، والتي نشأنا عليها وعشقناها، سوى ذكريات بلا ضفاف. وها هي مباريات كأس العالم في البرازيل هذه الأيام تؤكد لنا مجددا أن ازدهار الصناعات الكروية الثقيلة لا يمكن أن ينجم عنه سوى المزيد من المتشابه والمتوقع. رغم، أو بسبب، التصعيد المستمر في الأرقام الفلكية. ومع هذا، ورغم تطور «علاقات الإنتاج» الكروي نحو مزيد من الاستلاب الجماعي النافي لإمكانية التحرر بغواية الفن الفردي، فإن كرة القدم تبقى، مثلما بينت الاكونومست أخيرا، مصدر سعادة شعبية تكاد تكون كوكبية. تكاد لأن أكبر بلدين في العالم بعد البرازيل، أي الهند والصين، لا يزالان منيعين على ثقافة كرة القدم. أما البلد الكبير الثالث، أي الولايات المتحدة، فإن التطور السريع لكرة القدم فيه، ممارسة ومشاهدة، لما يبلغ بعد الحد الذي يمكن أن ينافس معه رياضات أخرى عميقة الجذور في الوجدان الثقافي، مثل البيسبول، والفوتبول الأمريكي وكرة السلة.
ومع ذلك فإن كرة القدم لغة عالمية تفهمها الإنسانية بأسرها دون حاجة لترجمة أو تفسير. حيث أن الفدرالية الدولية لكرة القدم هي من أوسع المنظمات عالمية، إذ يبلغ عدد أعضائها 209 بلدا (بينما يبلغ عدد أعضاء الأمم المتحدة 193 بلدا فقط) ولا يقل عدد من يمارسون اللعبة عن 300 مليون نسمة. كما أن «العالم لا يكتفي بلعب كرة القدم – بل إنه يشاهدها، ويراهن عليها، ويجادل فيها وينفق في سبيلها». حيث يصل البث التلفزي لمباريات الدوري الإنكليزي الممتاز، مثلا، إلى 643 مليون بيت في 212 بلدا.
وبما أن كرة القدم ثقافة، فإن من الباحثين من يتوسل بها في تحليل المجتمعات، مثلما فعل فرانكلين فوير في كتاب بعنوان «كيف أن كرة القدم تفسر العالم». كما صدرت أخيرا كتب كثيرة عن البرازيل باعتبارها «أمة كرة القدم». على أن المحزن هو أن البرازيل ذاتها هي الآن أقوى دليل على انطفاء جذوة الفن في هذه «اللعبة الجميلة». فقد كانت البرازيل محبوبة في كل الدنيا لأن لاعبيها كانوا عازفين وشعراء. يلعبون ولها بالجمال وطلبا للطرب. كان في مجرد لمسة الكرة نشوة وفي التمريرة البسيطة ومض أخاذ. إلا أن هذه البلاد الفاتنة قد توقفت عن قول الشعر الكروي منذ أن توقفت عن إنجاب لاعبين من طراز إيدير، وسقراط وزيكو. ولهذا فإنها اليوم تدور، مثل البقية، في طاحونة الشيء الكروي المعتاد.

مالك التريكي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد دبش:

    انا طوال عمري العب كرة القدم الي الان وانا اتابع كرة القدم في معظم دول العالم منذ طفولتي منذ الستينيات فانا عاشق لكرة القدم ولكن اود ان أقول كلمه صريحه في كرة القدم وهي ان الشعوب الفقيرة والدول المتخلفة هي من تصرف الأموال و الوقت والقدرات لا لهاء الشعب في كرة القدم و تصرف انتباههم عن المهم لننظر الي إنجلترا وألمانيا و امثالها في أوروبا فهذه الدول أصبحت لا تفوز في البطولات الأوروبية و لا العالمية اما اسبانيا و البرتغال و إيطاليا و هي دول لها مشكلات اقتصاديه و البطالة فيها مرتفعة فهذه دول تفوز في تلك البطولات اما البرازيل التي هي مشهوره طوال عمرها بشيء واحد فقط هو كرة القدم فقد أصبحت تخسر من الفرق الضعيفة و اصبح شعبها ينتفض في الشوارع ضد تنظيم كاس العالم لان البرازيل كانت متخلفة اقتصاديا وعلميا اما الان فقد أصبحت من اكثر الدول في العالم تتطور اقتصاديا و علميا و ديموقراطيا اما الصين التي أصبحت صاحبت اعظم اقتصاد في العالم فهي لم تسال يوما عن كرة القدم اما دوله مثل السعودية مثلا وهي من اكثر الدول في العالم تخلفا فهي مستعدة لصرف نصف ميزانيتها في سبيل كرة القدم فلأنديه الرياضية هناك تلعب دور بدلا عن الأحزاب السياسية هناك و خسارة مباراة في كرة القدم في دول الخليج و غيرها من الأنظمة العربية تعتبر خساره اكبر من نكسة حزيران اما عندما يفوز الفريق الوطني في تلك البلدان فهو فوز يعتبر انه جاء بفضل الملك او الشيخ او الأمير او الرئيس

إشترك في قائمتنا البريدية