لماذا مانديلا؟

حجم الخط
1

يوجد سؤال واحد لم يُسأل تقريبا هنا وهو: لماذا مانديلا بالذات؟ ولماذا أصبح هو خاصة من بين جميع الناس بطلا عالميا كهذا، وأيقونة وأسطورة وشخصية أجهد زعماء العالم أنفسهم في الوصول الى جوهانسبورغ للمشاركة في مراسم دفن لم يوجد كثير مثلها في التاريخ.
إن مانديلا قبل كل شيء بطل محلي وُلد أمثال له في دول اخرى ايضا. وهو ذو إجلال هنا لأنه أحل العدل وصاغ صورة بلده وصنع تاريخا. ولا داعي لاكثار الكلام على هذا الانسان الضخم وعلى ما فعل بتحويله بلده من دولة شر الى دولة عدل. ولا داعي للحديث مرة اخرى عن لجان الحقيقة والمصالحة وعن الثورة المدهشة التي أحدثها، المعجونة بالرحمة والغفران. ولهذا يمكن أن نفهم عبادة الشخص التي نشأت هنا فالتلفاز مشغول منذ ايام به فقط، وخصصوا أول أمس برنامج ساعة لـ ‘موضة ميديفا’ والقمصان التي لبسها، وهم حائرون الآن فيما سيلفون جثمان الميت فيه.
لكن مانديلا عاش وعمل في افريقيا، وهي القارة النائية التي لا تهم العالم ما عدا كنوزها الطبيعية المستغلة وشؤون تخلفها وامراضها وفقرها وحروبها الدامية. إن افريقيا ليست في الخريطة وقد نشأ منها خاصة أكبر أيقونة عالمية في العصر الحالي، وليس هو مجرد أيقونة بل أيقونة يتنافس الآن زعماء الدول ومنهم اولئك الذين تجاهلوا نضاله وساعدوا على تأبيد الفصل العنصري سرا أو علنا، يتنافسون في اطلاق كلمات المديح لما عمل.
إن مانديلا، وينبغي أن نقول الحقيقة، أحدث ثورة محلية لا عالمية. وقد ألهم آخرين لكن تأثيره المباشر بقي محدودا للأسف الشديد في داخل بلده الذي هو ناءٍ نسبيا ايضا برغم جميع الكليشيهات التي يُشيعونها الآن عن أبيها المؤسس. ولم يحول مانديلا العالم الى مكان أكثر عدلا بل حول بلده فقط الى ذلك.
وقد أصبح بطلا عالميا لأنه كان شخصا يُقتدى به اخلاقيا. لم يكن جنرالا متوجا بالانتصارات، ولم يكن رب مال، ولم يكن سياسيا أخرج دولة لحروب، ولم يكن مشهورا كبيرا كفناني اللحظات. وتبين فجأة أنه برغم كل الهزل وبرغم الحديث عن السياسة الواقعية وعن المصالح الاقتصادية والعسكرية وعن عدم وجود صلة بين الاخلاق والسياسة، فانه يوجد شوق ما عالمي خفي الى زعيم اخلاقي.
إن مانديلا الآن في البنتيئون العالمي، ومعه المهاتما غاندي وتشي جيفارا، ومارتن لوثر كينغ، وكلهم مناضل عن الحرية والعدل وممثل للأقليات أو المضطهدين. ويمكن أن نضيف الى هذه القائمة ايضا ونستون تشرتشل، وجون كنيدي، وليخ فلنسه، ودافيد بن غوريون منا ايضا، وربما ياسر عرفات منهم ايضا، لكنهم ليسوا في رأس القائمة. فالعالم سيتذكر مانديلا وجيفارا وكينغ وغاندي أكثر.
إن مانديلا هو الصورة الضد للسياسة العالمية الحالية، وهو آخر الأبطال، الى الآن؛ ولا شبيه به في هذا الوقت، ومن هنا يأتي الشوق. فالعالم يبحث في يأس عن أبطال وشخصيات اخلاقية. ويحلمون في الشرق الاوسط بمانديلا اسرائيلي أو فلسطيني ويبقون مع بنيامين نتنياهو ومحمود عباس. وهم يأملون في افريقيا أن يوجد مانديلا آخر ويبقون مع روبرت موغابي، وغودلاك جونثان، وتشارلز تايلور، وتُنشيء اوروبا تكنوقراط. وفي امريكا فقط بزغ الأمل لحظة، أمل اوباما الذي هز العالم ويوشك أن يُخيب الآمال بصورة جزئية.
ذكّرنا موت مانديلا بأن الأخيار ينتصرون حقا احيانا، فمن الحقائق أنهم يدخلون التاريخ بصورة باهرة. وذكّرنا موته بأنه برغم كل الهزل ما زال يوجد مكان للاخلاق، وللنضال عن حقوق الانسان، وعن الحرية والديمقراطية، وبأن يوجد شوق عظيم اليه. وبأن من يتم التنديد بهم اليوم قد يصبحون في يوم ما ذوي جلالة كما حدث للمطلوب رقم واحد والسجين رقم 46664، والخائن والارهابي، نلسون مانديلا.

هآرتس’12/12/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Amir Hamza:

    رجاءا لا تخلط نلسن مانديلا مع بن غوريون ولا كندي ولا تشرشل فهؤلاء ملكوا واجرموا بحق شعوب كثيرا وارتكبوا المجازر اما مانديلا فملك وعفى وترك الحكم واصبح رمز للعدالة.

إشترك في قائمتنا البريدية