لماذا هذا الضجيج؟

من حفنة دولارات إلى مصنع القرار، نقلة نوعية واختراق دراماتيكي حققه مؤسس فيسبوك مارك زوكربرغ، بعد أن شق طريقه خلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة نحو النجومية والمال، لدرجة أن تصريحه الأخير بتغيير اسم شركته أصبح مثار جدل ومتابعة كبيرين، بصورة باتت محل اهتمام الكثيرين. ما الهدف؟ ولماذا الآن؟ وما الذي يدور في خلد الملياردير الشاب.
نظرية المؤامرة وعنصر الشك لم تغب عن الميدان، بصورة خلقت الكثير من اللغط، خاصة لدور فيسبوك الواضح في الربيع العربي، وما رشح من أقاويل ومواقف وتصريحات عدة دارت في معظمها حول دور عملاق الإعلام الاجتماعي، في الاتجار ببيانات رواده وإتاحتها أمام جهات تجارية وأمنية عدة، ساهمت في تحول فيسبوك إلى عملاق استخباراتي جبار.
ولعل خروج إحدى الموظفات السابقات عن صمتها أخيراً حول الدور المزعوم للشركة، قد زاد من ارتدادات تصريحات زوكربرغ. فما الذي يجري؟ ولماذا هذا الصخب حول تغيير المسمى؟ ولماذا كل هذه القصص والتحليلات والمواقف من تغيير اسم شركة فيسبوك إلى ميتا؟ الهدف حققه زوكربرغ بامتياز وببساطة وذكاء كبيرين ألا وهو الصخب، نعم الصخب. زوكربرغ يعلم أن شركته بدأت تعاني من عدة مطبات طالت سمعتها، وأن الكثير من روادها قرروا هجرانها، كما أن الجيل الأصغر من رواد الإعلام الاجتماعي، انتقلوا إلى عوالم أخرى وفرتها منصات بديلة، أكثر قدرة على تحقيق الرغبات الذاتية لذاك الجيل. وعليه فإن الشركة كانت بحاجة لقنبلة إعلامية تحدث زخماً وتخلق حدثاً وتصنع نهجاً وتجدد عهداً، عهد أراده زوكربرغ أن يصبح حديث الأرض والبشرية. يضاف إليه الإثارة التي ستفتعلها التكهنات التي تصاحب تلك القنبلة. ليبدأ معها الحديث عن العصر المقبل للتكنولوجيا، في ظل استبدال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحبية وإنترنت الأشياء للكثير من وسائل وتطبيقات التقانة، التي عشناها وعايشناها حتى تقادمت وتآكل حضورها. وعليه فإن تغيير الاسم سيكون حتماً الزلزال بعينه! خطوة ربما يحاجج البعض بأن زوكربرغ كان يمكن له أن يعلن عن إطلاق الجيل الثاني من فيسبوك، أو يعلن توسيع عمل الشركة، بدلاً من هذا الضجيج، لكن خطوات كتلك دأبت الشركات الأخرى على عملها، وهو ما يعرفه زوكربرغ الداهية شخصياً، خاصة أنها (أي تلك الخطوات) لم تحقق الزوبعة المطلوبة للشركات ذات العلاقة. لذلك وقع الخيار على هذه الخطوة حتى ينبثق معها ويستمر، الجدل القائم حول طبيعة التغيير، وتقنياته وعوائده، ومكاسبه وارتدادته. وعليه فإن تغيير الاسم، كان وسيبقى بمثابة الصخب الذي سيجعل العالم متوثباً ومستنفراً، إزاء ما ستطرحه «ميتا» وسط جدل وتوقعات لم ولن تنتهي.

شركة الفيسبوك كانت بحاجة لقنبلة إعلامية تحدث زخماً وتخلق حدثاً وتصنع نهجاً وتجدد عهداً

لذلك فإن إعلان زوكربرغ وفر الضجيج والإثارة والتربص والحيرة والتوقعات المطلوبة، بصورة ستبقى لصيقة بمجريات التطورات على اختلافها. الزخم المطلوب حققه زوكربرغ لا محالة، لكن ارتدادته لن تقاس إلا بقدرة سهمه في بورصة المال على استمراره بالارتفاع بصورة أكبر، إضافة إلى قدرته على كسب ثقة جمهوره السابق، أو جذب جمهور جديد يرى في «ميتا» صندوق العرائس الذي يحمله المزيد من العروض والمفاجآت. معركة «تايكون» المال زوكربرغ ليست معركة فردية، بل معركة جماعية واسعة، تنخرط فيها منصات وشركات ومؤسسات متنوعة الأهداف والمهمة، لتمتد، وفي حال صدق التوقعات لتطال سلسلة من المنصات الاستخباراتية المهمة حول العالم. أما العالم العربي فإن مخابراته تعتبر فيسبوك وماسينجر وواتس آب مصادرها الدسمة للمعلومات، التي استبدلت في مجموعها صورة المخبر البائس الجالس على كرسي متهالك في المقهى المقابل، متسلحاً بصحيفة – مثقوبة الصفحات – تمكنه من المراقبة والتجسس. وعليه وفي ظل ولادة تقليعة تغيير اسم فيسبوك، فإن مرحلة جديدة من الغرائب في عالم الإعلام الاجتماعي على وشك الولادة لا محالة! نلقاكم مع المولود الجديد.
كاتب فلسطيني
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سمير:

    لا أظن أنه مازالت هناك فكرة ثورية يمكن أن تقدمها هذه التطبيقات…ويبدو أنه سينتهي بها الأمر بأن تصبح كلها متشابهة…

  2. يقول زياد صيدم:

    جميل هذا التحليل حول رؤية السيد مارك لتغيير تفكير الكثيرين حول دوره الأول فى العالم الا وهو المعلوماتية والاستخبراتية السهلة وهروب من هم فى الهدف إلى منصات أخرى يعيق تواصل الخيط الاستخبراتى للجهات المعنية وهنا ادلل على مثال يحدث معى كناشر ومستخدم للفيس بوك ومناقش آراء لا تتماشى مع سياسات تلك الجهات التى تقف خلق امبراطورية مارك وهذا ما يهدف اليه المقال هنا بحذر ودون اى تنويه !! نعم حظرنى مارك ٤ مرات خلال عام وكل مرة شهر كامل والان انا محظور ومن تلك الأسباب تعقيب لى قبل سنة !!!؟؟ تم معاقبتى عليه وعدة آراء لا تتعارض فى اتفاقيات شروط النشر ابدا من حيث المضمون لكنه قمع فكرى لمجرد معارضة اى شىء لا يروق لأصحاب النفوذ والمال والاهم لا يروق لجهات معلومة تنفى رأى مخالف فى المنطقة وما يرسم لها والتطبيع مثلا وهو هاجسها فى المنع والجزر و هذا دليل وتساءل مشروع لما يتسائل عنه الجمهور العربى و الدولى يعطيه هذا المقال ال رائع . تحايا .

إشترك في قائمتنا البريدية