لماذا يتكرس الانقسام شبه المتعادل بارتفاع معسكر نتنياهو وتراجع معسكر غانتس وتقدم المشتركة؟

حجم الخط
0

الناصرة- “القدس العربي”:

ضمن دراسة لقراءة نتائج انتخابات الكنيست الـ23 الأخيرة، تنطلق من مقولة أن الانتخابات لم تؤد إلى حلحلة أزمة الانقسام السياسي القائم حالياً في إسرائيل والمحتدمة منذ نيسان 2019 وما زالت تحول دون تأليف حكومة جديدة، يستعرض المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) أسباب نجاح الليكود وكتل اليمين برئاسة نتنياهو في زيادة قوتها مقابل أسباب تراجع كتل المركز- اليسار برئاسة بيني غانتس فيما يتوقف عند دواعي ارتفاع التمثيل العربي.

وجاءت انتخابات الكنيست الـ23 بعد فشل الليكود وتحالف “أزرق أبيض” في تشكيل حكومة في أعقاب انتخابات سبتمبر/ أيلول 2019 والتي جاءت بدورها بعد فشل الليكود في تشكيل حكومة في انتخابات أبريل/ نيسان 2019.

وينص قانون أساس الكنيست على أنه بعد فشل أي نائب في تشكيل الحكومة خلال الفترات المعتمدة قانونيا، فإنه يقوم بحلّ نفسه والإعلان عن موعد انتخابات جديدة. والانتخابات الأخيرة هي الثالثة خلال أقل من عام واحد.

ووصلت نسبة التصويت في هذه الانتخابات إلى نحو 71.5%، بينما كانت في أيلول 69.8%، بمعنى أن نسبة التصويت ارتفعت بـ2% تقريباً. ووفقاً للنتائج النهائية، حصلت قائمة حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو على 36 مقعداً، وقائمة تحالف “أزرق أبيض” برئاسة عضو الكنيست بيني غانتس على 33 مقعداً، والقائمة المشتركة على 15 مقعداً، وقائمة حزب “شاس” للمتدينين المتزمتين (الحريديم) الشرقيين على 9 مقاعد، وحصل كل من قائمة “إسرائيل بيتنا”، وقائم يهدوت هتوراه” للمتدينين المتزمتين (الحريديم) الغربيين وقائمة التحالف بين أحزاب العمل و”غيشر” وميرتس على 7 مقاعد، وحصلت قائمة تحالف “يمينا” على 6 مقاعد.

قراءة مركز “مدار” في نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلية

وجرت الانتخابات الحالية في ظل المتغيرات التالية:

أولاً: نشر “صفقة القرن” التي اشتملت الخطة من بين أمور أخرى على فقرة تتعلق بنقل المثلث إلى الدولة الفلسطينية، أي التخلص من حوالي 350 ألف فلسطيني يعيشون في هذه المنطقة.

ثانياً: السعي المحموم لدى اليمين الإسرائيلي برئاسة نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية، منطلقاً من “صفقة القرن”، وأساساً من خلال ضم مناطق في الضفة الغربية، وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات هناك.

ثالثاً: تطلع اليمين الإسرائيلي إلى حسم الانتخابات الحالية، من خلال العمل على الحصول على 61 مقعداً لكتلة اليمين وأحزاب اليهود الحريديم من دون حزب أفيغدور ليبرمان (إسرائيل بيتنا)، وتشكيل حكومة تعمل على وضع المدماك الأخير من مشروع اليمين فيما يتعلق بمشروعه السياسي داخل الخط الأخضر، وفي الضفة الغربية.

رابعاً: نزع الشرعية عن القائمة المشتركة، سواء في خطاب الليكود ولاحقاً أيضاً في خطاب تحالف “أزرق أبيض”، والإجماع الحزبي الإسرائيلي (ما عدا ميرتس) على شطب عضو الكنيست هبة يزبك (التجمع)، برغم توصية القائمة المشتركة على رئيس “أزرق أبيض” بيني غانتس في الانتخابات السابقة، وهو ما أكد على وجهة السياسة الإسرائيلية نحو تقليص العمل السياسي الفلسطيني وحرية التعبير أكثر فأكثر.

الليكود

استطاع حزب الليكود أن يزيد تمثيله في الكنيست من 31 مقعدا إلى 36 مقعدا، وذلك رغم أن الفترة التي سبقت الانتخابات شهدت تصعيدا في ملفات الشبهات الجنائية التي تحوم حول نتنياهو تخلله تقديم لائحة اتهام ضده من طرف المستشار القانوني للحكومة، ولحق ذلك فشله في الحصول على الحصانة البرلمانية لأنه سحبها في آخر لحظة بعد أن تقدم بطلب حصانة، وذلك لمعرفته أن الكنيست بتركيبته التي كانت لن توافق له على هذا الطلب، وانتهاء بتحديد الجلسة الأولى لمحاكمته التي كان من المقرر عقدها يوم 17 آذار وتم تأجيلها بشهرين.

كل هذه التطورات في ملف نتنياهو الجنائي لم تؤثر عليه، بل إن الليكود عزز من تمثيله، كما استطاع تعزيز تمثيل كتلة اليمين- الحريديم من 55 مقعدا في انتخابات أيلول 2019 إلى 58 مقعدا في هذه الانتخابات. في انتخابات أيلول حصل الليكود على 1,113,617 صوتاً، فيما حصل في انتخابات آذار 2020 على 1,352,449 صوتا، بمعنى أن الليكود زاد عدد المصوتين له بأكثر من 200 ألف صوت.

كما يتنبه “مدار” إلى أن باقي القوائم في كتلة اليمين- الحريديم حافظت على قوتها تقريباً، وهذا يدل على أن القواعد الانتخابية لليكود هي قواعد ثابتة، وأن الحراك بالأساس يكون داخل وبين القوائم اليمينية. أما أهم الأسباب التي ساهمت في تعزيز قوة الليكود فكانت حسب “مدار” فهي كالتالي:

أولاً: نشر “صفقة القرن”، والتي ساهمت في أهمية الخروج للتصويت لليمين من أجل حسم المرحلة الانتخابية، حيث أن تطبيقها وتحديدا ضم مناطق في الضفة الغربية كانت في نظر قواعد اليمين من خلال التصويت للحزب الحاكم، الذي جلب هذه الصفقة ووعد بتطبيقها في حالة فوزه في الانتخابات.

ثانياً: العمل الميداني المكثف الذي قام به الليكود من أجل تحفيز قواعده التي لم تصل في الانتخابات السابقة من أجل التصويت له.

ثالثاً: تسويق فكرة أن الحكومة التي قد يؤلفها غانتس ستكون من خلال الاتكاء على دعم القائمة المشتركة، وعلى غرار خطاب نتنياهو ضد شرعية حكومة إسحاق رابين وتوقيعها اتفاق أوسلو بسبب دعمها من الكتلة المانعة العربية (بعد انتخابات 1992)، أعاد نتنياهو هذا الخطاب من خلال اعتبار أن أي حكومة سيشكلها غانتس ستكون مدعومة من أعضاء القائمة المشتركة والتي أطلق عليها نتنياهو اسم “قائمة داعمي الارهاب”.

رابعاً: نجاح نتنياهو في تعزيز وعي ناخبي اليمين بأنه مُلاحق قضائيا من أجل إسقاطه سياسيا، كما عزز من حالة الضحية التي ألصقها بنفسه.

خامساً: رغبة الكثير من قواعد اليمين بحسم الانتخابات من أجل منع انتخابات رابعة، في الوقت الذي لم يجد فيه اليمين عنوانا لحكومة مستقرة يهودية إلا من خلال التصويت لليكود.

“أزرق أبيض” ومعسكر “اليسار الصهيوني”

حافظ تحالف “أزرق أبيض” على تمثيله البرلماني في الانتخابات الحالية (33 مقعدا)، ولكنه بخلاف انتخابات أيلول لم يعد الحزب الأكبر في الكنيست، بعد حصول الليكود على 36 مقعدا.

وحصل التحالف في انتخابات أيلول على 1,151,214 صوتا، بينما حصل في انتخابات آذار على 1,220,381 صوتا، أي بزيادة 70 ألف صوت. ولم تكف هذه الزيادة للتحالف من أجل تعزيز تمثيله البرلماني بسبب ارتفاع نسبة التصويت في هذه الدورة الانتخابية.

وتراجعت كتلة المعارضة لنتنياهو (“أزرق أبيض”، ليبرمان، والعمل- غيشر- ميرتس) من 52 مقعدا في انتخابات أيلول إلى 47 مقعدا. بمعنى أن هذا المعسكر تراجع 5 مقاعد، وإذا ما اعتبرنا أن مقعدين حصلت عليهما القائمة المشتركة، فإن ثلاثة مقاعد انتقلت إلى كتلة اليمين التي ارتفعت من 55 مقعدا إلى 58 مقعدا.

أما أسباب تراجع هذا المعسكر المعارض لنتنياهو، فتعود إلى ما يلي برأي “مدار”:

أولاً: ضعف الدعاية الانتخابية والاستراتيجية الانتخابية لتحالف “أزرق أبيض” الذي بدا وكأنه في حالة رد فعل دائم لنتنياهو، حيث حدد الأخير جدول النقاش العام، كما أنه شنّ هجوما مكثفا على “أزرق أبيض” خاصة فيما يتعلق بتشكيل حكومة مع القائمة المشتركة. في المقابل بقي “أزرق أبيض” ينكر ذلك، متحدثا عن حكومة بأغلبية يهودية، وذلك رغم أن المشهد الانتخابي الذي كان متوقعا لا يعطيه هذه الإمكانية إلا من خلال حكومة وحدة وطنية.

وجاء تصريح رئيس العمل عمير بيرتس قبل أسبوع من الانتخابات بأنه اتفق مع غانتس على تشكيل حكومة مع القائمة المشتركة لتؤكد دعاية الليكود حول ذلك.

ثانيا: أضر التحالف بين ميرتس وبين العمل- “غيشر” بالقوة الانتخابية لهذا التحالف. فقد حصل الحزبان في انتخابات أيلول على 11 مقعدا (6 مقاعد للعمل- “غيشر” و5 مقاعد لميرتس)، فيما حصل التحالف في انتخابات آذار الحالي على 7 مقاعد أي أنه خسر أربعة مقاعد. ويعود ذلك إلى أن التحالف ساهم في عزوف ناخبين للحزبين عن التصويت لهذا التحالف. فجزء من ناخبي ميرتس رفض هذا التحالف لأنه يشمل حزب “غيشر” الذي يعتبرونه حزبا يمينيا من جهة، ويعتبرون من جهة أخرى أنه لا فائدة انتخابية منه لأنه فشل في رفع تمثيل حزب العمل في الانتخابات السابقة، علاوة على ذلك اعترض قسم منهم على إقصاء الممثل العربي في هذا التحالف (عيساوي فريج) إلى المكان الحادي عشر الذي لم يكن مضموناً ولا حتى في الاستطلاعات المتفائلة التي كانت تعطي لهذا التحالف في بداية الطريق 10 مقاعد.

ويقول “مدار” إن الانتخابات أدت إلى انهيار حزب العمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية