لماذا يريد رئيس الصين ابتلاع هونع كونغ؟

حجم الخط
3

وسط أحداث محلية ودولية ساخنة، وضع المؤتمر الوطني الثالث عشر لنواب الشعب الصيني في اجتماعه شهر مارس الماضي، تغيير نظام الانتخابات في هونع كونغ على رأس أولوياته. قدمت اللجنة الدائمة للمجلس الوطني مسودة قانون بشأن، تحسين نظام انتخابات منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة، للحصول على موافقة نحو 2907 أعضاء، هم الذين حضروا تلك الجلسات على مدار 6 أيام.
الهدف المعلن ذو عنوان براق، كما أعلن تشانغ يسوي المتحدث الرسمي باسم المؤتمر: تحسين نظام الانتخابات لـ»توفير ضمان سليم للتنفيذ الشامل والدقيق لمبدأ دولة واحدة ونظامين، والتنفيذ الكامل لمبدأ الذين يحبون الدولة هم الذين يديرون هونغ كونغ».
بعد أسبوعين فقط من إعلان التعديلات الدستورية، أحالت السلطات الصينية 7 من المدافعين عن الديمقراطية، إلى المحاكمة، من بينهم صحافيون وناشرون وناشطون سياسيون، بتهمة مشاركتهم في مظاهرات أغسطس 2019 المليونية، التي اندلعت في هونغ كونغ، لمدة 79 يوما، بعد فرض الحكومة المركزية في بكين قانونا يحتم موافقة لجنة تختارها الحكومة، لمنح المرشحين لعضوية برلمان هونغ كونغ موافقة على خوض الانتخابات، قبل تمكينهم من وضع أسمائهم في قوائم المرشحين. جاءت التعديلات الدستورية من أعلى سلطة تشريعية في الصين بطلب مباشر من رئيس الدولة شي جين بينغ، الذي يرأس الاجتماعات بصفته أيضا السكرتير العام للحزب الشيوعي الحاكم، لتعكس استمرارية النهج الذي اتخذه الرئيس منذ وصوله للسلطة 2012، بفرض هيمنة الوطن الأم كاملة على هونغ كونغ وتايوان، بعد أن تحقق ذلك في منطقة ماكاو، التي استعادتها الصيين من البرتغال عام 1999. تسببت التعديلات في جرح جديد في النظام الديمقراطي لهونغ كونغ، التى عادت لأحضان الوطن، عام 1997، بعد مفاوضات بين بريطانيا والصين، استغرقت عقدين، من أجل إعادة تلك المنطقة الصناعية الناهضة، بعد استعمارها لمدة 150 عاما، وفقا لمبدأ دولة واحدة ونظامين. ووفقا لهذا المبدأ الذي ارتضته بكين من أجل استعادة تايوان وهونغ كونغ وماكاو، يقر بوجود نظام اشتراكي مطبق في البر الرئيسي للصين، مع حق احتفاظهم، بتطبيق نظامها الليبرالي وفقا للنهج الغربي. تمتعت هونغ كونغ بعملتها المحلية وهي الدولار، ونظامها الاقتصادي الحر، وأيضا التعليم الخاص، مع احتفاظ بكين بالسيادة الوطنية المتمثلة في شؤون الدفاع والسياسة الخارجية. لم تكن هذه التعديلات الأولى من نوعها، فقد ظل مستقبل هونغ كونغ السياسي غامضا ومحل شك، لدى كثير من الباحثين ورجال الأعمال، منذ عودتها، رغم أن اتفاقية العودة للوطن كانت تضمن تطبيق النظام الليبرالي في الجزيرة حتى عام 2047 على الأقل. كان البعض يراهن على أن الصين، التي مرّت بفترة تحولات اجتماعية وسياسية خطيرة، وعانت خلال عهد الزعيم ماو تسي تونغ في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي من مجاعات جماعية، وفي الستينيات والسبعينيات من فوضي سياسية، أكثر خطورة، استطاعت بفضل سياسة الانفتاح والإصلاح التي انتهجها الزعيم دينغ سياو بنغ، ومبدأ دولة واحدة ونظامين، من أن تصبح عملاقا صناعيا ينافس القوة الكبرى القائدة للعالم حاليا على مقعدها بين الأمم.
وحظيت هونغ كونغ بعد عودتها للصين، لنحو عقدين بمعاملة تفضيلية، من بكين وقيادات الحزب الشيوعي الصيني، ووفت المدينة بما كانت تسعى إليه الحكومة المركزية، بأن ساهمت في تدفق الاستثمارات الأجنبية والخبرات النادرة لإدارة المشروعات الجديدة، في بلد كان يعاني من التخلف التقني والإداري والفساد والفقر، ويسعى بقوة نحو التغيير والتطور. هذه المعاملة التفضيلية، نشرت الثقة بين رجال الأعمال في هونغ كونغ، وشركائهم الأجانب، بما حفظ للجزيرة وضعها المالي المميز، وزادت من قدراتها في دعم الاقتصاد الصيني بصفة عامة، واستمرار تدفق الاستثمارات الأجنبية، ما مكّن البلاد من مواجهة كارثتين ماليتين هزتا اقتصادات العالم عامي 1997 و2008. عندما نجحت الصين في الصمود أمام الأزمة الثانية تحديدا، في وقت انكمش فيه الاقتصاد الأمريكي، حقق ذلك وفورات مالية مكنتها من احتلال المرتبة الثانية في اقتصاد العالم، وتوقع كثيرون أن تتبوأ الصين المرتبة الأولى عالميا خلال بضع سنوات. انتشر بين الصينيين شعور بالفخر ببلادهم، خلال العقد الأول من القرن الحالي، مع جني كثير من الإنجازات الاقتصادية والرياضية والعلمية، وساعدت الإدارة الهادئة لمسألة هونغ كونغ، في زيادة عدد الشباب الراغبين في ضم جزيرة تايوان إلى الوطن الأم. انعكس ذلك على تدفق كثرة الاستثمارات من الجزيرتين إلى البر الرئيسي، وزيادة الرحلات السياحية ونشوء جيل جديد، خاصة في تايوان يدعو إلى الإسراع في العودة، وانضمام بعض رجال الأعمال في هونغ كونغ إلى الحزب الشيوعي الصيني، الذي فتح أبوابه أمام نخبة من التكنوقراط للانضمام إليه، ليصبح معبّرا عن القوى الاجتماعية والسياسية الجديدة في بلد مازال يؤمن بالفكر الماركسي اللينيني، ويمثل في الوقت ذاته أكبر تكتل رأسمالي في العالم، تديره الدولة وعدد من رجال الأعمال، الذين يدورون في فلك الحزب الحاكم وحكومته المركزية.

انتشر بين الصينيين شعور بالفخر ببلادهم، خلال العقد الأول من القرن الحالي، مع جني كثير من الإنجازات الاقتصادية والرياضية والعلمية

لقد عاشت هونغ كونغ ربيعا حقيقيا في أحضان الوطن عدة سنوات، ولم تكن السياسة هي أولويات الناس، الذين تربوا على الحكم الصينية التقليدية التي تعلي من شأن البراغماتية، رغم ولادتهم في بيئة ليبرالية حقيقية، تعمقت أصولها في نفوس أجيال عاشت تحت الحكم البريطاني قرناً ونصف القرن. فقد ارتضى المواطنون تمثيلا سياسيا في برلمان يتحكم في كثير من أموره رجال أعمال وعائلات عريقة، تدير في الوقت ذاته وسائل الإعلام الرئيسية، فهم يدركون أن هونغ كونغ لم تعش أبدا حياة ديمقراطية كاملة، لأن حاكمها البريطاني كان يعين بقرار من لندن، مع ذلك بدأ الشك يساورهم في استمرار هذا المد الديمقراطي مع انكشاف بكين لتطبيقها الشعار الكانتوني Doizyusin «اقبلوه الآن» أو ما أعرفه بـ»التقية» حيث يؤمن الصينيون بأن ما لا تستطع مقاومته عليك أن تقبله حتى تتمكن من رفضه. وهذا المبدأ يؤمن به القادة الصينيون، وكثير من الأفراد، الذي طبقته الإدارة أثناء التفاوض على عودة هونغ كونغ، حيث كانت المعارضة شديدة لعودة الجزيرة، ذات الصبغة الليبرالية والاقتصاد الحر، إلى بلد ينتهج الإشتراكية ويتحرك حثيثا نحو تطور اقتصادي يعتمد على رأسمالية الدولة، بالدرجة الأولى. في كل مرة حاولت بكين تغيير القانون الأساسي للجزيرة، يزداد انتباه المواطنين لما يحاك ضدهم، فتندلع المظاهرات، وتتحد القوى المدنية، وتزداد قوة الأحزاب المدافعة عن الديمقراطية، وتتراجع بكين عن الصدامات الساخنة، إلى أن جاء الرئيس شي جين بينغ إلى الحكم، رافعا المبادئ الأربعة عشر، في كتابه الذي أصبح فكرا وعقيدة حزبية، ومواد في الدستور الصيني، ومن بينها «توحيد الأقاليم في الوطن» في إشارة واضحة إلى هونغ كونغ وتايوان. فقد هدد «شي» عدة مرات باستخدام القوة لإعادة تايوان، وأرسلت تعزيزات أمنية للقضاء على أي مقاومة للانفصال في كل من التبت وشينجيانغ وهونغ كونغ. وطلب «شي» تعديل القانون الأساسي ليصبح اختيار الحاكم الرئيس التنفيذي للجزيرة محددا بموافقة بكين، على هذا الشخص، وهو التعديل نفسه الذي أجراه مؤخرا، على اختيار نواب البرلمان، لاستبعاد نحو 40 نائبا من المدافعين عن الديمقراطية، تعتبرهم بكين من الخونة المناهضين لبكين وعملاء للخارج.
لم تتوقف تدخلات بكين عند التعديلات الدستورية، بل سبقها، العديد من الإجراءات، منها شراء رجال أعمال مقربين من السلطة، لأهم القنوات الإعلامية والصحف، وانتشار أجهزة الأمن المعلنة والسرية في المؤسسات الرسمية في المدينة، وجلب قوات للشرطة من البر الرئيسي، من الذين تربوا على مبادئ الحزب الشيوعي ومحترفي استخدام العنف ضد المتظاهرين. فهناك قناعة لدى بكين أن فرض إرادة السلطة المركزية على هونغ كونغ، رغم ما يحيط بها من خسائر، هي دليل على مدى قوة الدولة وسيطرتها على أمورها، في وقت بدأت فيه ما يشبه الحرب الباردة مع الولايات المتحدة، بسبب إصرار بكين في إعادة تايوان للوطن ولو قسرا، وأيضا رغبتها في بسط نفوذها على المناطق البحرية في جنوب وشرق الصين، التي تقع في نطاق نفوذ نحو 10 دولة تربطها علاقات جيدة بواشنطن. ربما تدخل هونغ كونغ طوعا أو كرها تحت ظلال التنين الصيني، ولكن سيظل السؤال قائما هل ستكون الجزيرة الرائعة شوكة في حلق التنين؟ أم لقمة سائغة تفتح شهيته لما بعدها؟
كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    يا (د عادل صبري)، لو أردت كامل الصورة، الإشكالية (تايوان)، وليس كما ورد في عنوان (لماذا يريد رئيس الصين ابتلاع هونع كونغ؟) وسر الإنحراف في الرؤية، بدايته بسبب ما كتبه (محمد حسنين هيكل)، لتسويق مفهوم عدم الانحياز في زمن (جمال عبدالناصر)، على الأقل من وجهة نظري،

    بعد الحرب العالمية الثانية، مجلس الأمن، كان فيه من انتصر في الحرب، ولكن الثنائي (كيسنجر-نيكسون)، من أجل تمرير مفهوم إقتصاد (البترودولار)، بعد حرب 1973، مع الكيان الصهيوني، تم طرد (تايوان (الرأس مالية)) أو جمهورية الصين الوطنية، من مجلس الأمن، لتصبح مثل أهل (فلسطين)، عضو غير معترف به،

    وتسليم كرسي وحق النقض إلى جمهورية الصين الشعبية (الشيوعية)، ومن هنا تفهم سر لماذا (كيسنجر)، يُعتبر (بوذا) في الصين الملحدة، وكلمته أو نصيحته بخصوص (الكيان الصهيوني) لا يمكن تضرب عرض الحائط،

    الآن الإقتصاد، هو الأهم، وبعد 2008، طرحت الصين مفهوم (المقايضة)، الذي تعلمته من درس العراق، (مقايضة النفط مقابل الغذاء)، بعد أم المعارك في عام 1991،

  2. يقول S.S.Abdullah:

    وفي عام 2015 بدأ العراق مناقشة التعاون مع الصين من خلال (مقايضة النفط، مقابل إعادة بناء مشاريع بناء خدمات الدولة) ووقع الاتفاقية (د عادل عبدالمهدي) في عام 2019،

    ولذلك في عام 2021 طلبت من الاستاذ (حامد الحمداني)
    تهيئة ثلاث رسائل/طلبات، توجه إلى وزير التخطيط، وإلى أي محافظ، يرغب في إيجاد موارد، لتنفيذ أي مشاريع إعمار من خلال مفهوم (المقايضة) وليس من خلال مفهوم توفير (المال الاستثماري)،

    أي الهدف، تغيير مفهوم وأساس تفكيركم، في تنفيذ أي مشروع تماماً.

    الطلب/الرسالة الأولى:

    – تطوير عقد (مقايضة النفط) مقابل إعادة إعمار مشاريع الدولة، مع الصين، إلى عقد ربط العراق مع مبادرة طرق الحرير، في الوصول إلى الدولة الذكية من خلال عمود الكهرباء، تنفيذ نموذج (الأتمتة الصينية). وذلك بإرسال إيميل إلى خالد الصيني، مباشر من الوزير أو المحافظ، مع (ما هو) أول مشروع (ترغب المحافظة أو الوزارة تريد تنفيذه) بأسلوب المقايضة.

  3. يقول صالح/ الجزائر:

    لماذا يريد رئيس الصين ابتلاع هونع كونغ؟ . لا أظن أن هناك طموح للابتلاع ، أما إذا الأمر كذلك ، فإن الحكمة الشعبية تقول : “الباب اللي إيجيك منو الريح سدو واستريح” ، وورثة تعاليم الفيلسوف كونفوشيوس ، والسياسيين المحنكين ، أمثال ماو تسي تونغ ، دنغ شياو بينغ ، وغيرهم .. ، لا يفتقدون لمثل هذه الحكمة ، لأن التاريخ يعلمهم وينبههم ، مثل غيرهم ، بأن “الاستعمار تلميذ غبي ..” ولا يحفظ الدروس . من أقوال ماو تسي تونغ الحكيمة : “السياسة هي حرب غير دموية والحرب سياسة دموية” ، ومن حكم دنغ شياو بينغ المترجمة في مبدإ دستوريٌّ : “بلد واحد نظامان مختلفان” . يبدو من الواقع المعاش ، أن الصين تنتهج ، لتحقيق مصالحها الوطنية الشرعية ، “الحرب غير الدموية” ، بينما الامبريالية الأمريكية ، وحلفاؤها من الكانيشات ، يطبقون ، لتحقيق مصالحهم غير الشرعية ، “السياسة الدموية” ، أو قانون الغاب ، والأمثلة لا حصر لها . منذ “حروب الأفيون” ، التي أدى إلى احتلال هونغ كونغ ، في 1839، بعدما قررت الصين الحد من زراعة واستيراد الأفيون ، ووقفت بريطانيا في وجهها ، بسبب الأرباح الضخمة التي كانت تجنيها من تجارة الأفيون ) ، إلى حروب “هواوي” و”كوفيد 19″ ، مرورا ب”تيانانمن” في 1989.. والصين تعاني منهم .

إشترك في قائمتنا البريدية