الإساءة بأشكالها ليست ظاهرة مقتصرة على منطقة جغرافية دون غيرها، أو عرق، أو طبقة، أو فئة، أو منصب، أو وظيفة، بل هي شائعة في معظم المجتمعات، لكن ما الذي يجعل الشخص يرغب في الإساءة إلى شخص ما؟ ما هي أسباب إهانة الناس للآخرين؟ هل يعني دائماً أنهم يتعمدون الإيذاء والإساءة بقصد إلحاق الضرر؟
يقول الشاعر والروائي والرسام الألماني السويسري هيرمان هيسه: «إذا كنت تكره شخصاً ما فأنت تكره شيئاً ما في داخلك تجده فيه، فما ليس في داخلنا لا يزعجنا».
الإهانات هي أيضاً انعكاس لأفكار ومشاعر الأفراد المجروحة، وعن المشاعر المكبوتة: يعتقد عدد من علماء النفس أن لدينا جميعاً جانباً من جوانب شخصيتنا لا نحب الكشف عنه، أو الحديث عنه، هذا هو المكان الذي نخفي فيه السمات التي نعتبرها سلبية وغير مرغوب فيها، ونحاول إخفاء جميع الإساءات الجسمية واللفظية والعاطفية التي مررنا بها من قبل، وقد تتجلى في شكل إساءات وإهانات للذات أو للآخر.
عندما تمر متاعبنا ومخاوفنا، ومشاعرنا المكبوتة، وتدني احترام الذات، والأفكار والسلوكيات المدمرة للذات، والشعور بالذنب، والغضب والتوترات، دون تدبير أو تدخل أو علاج، فإننا نستخدم الإساءة كمحاولة للتخلص من الغضب والانزعاج، أو للهروب من التعامل مع الألم النفسي الذي عانينا منه واختبرناه، أو بطريقة ما نحن نستخدم ذلك لممارسة السيطرة (على الآخر) والتحكم فيه والشعور بالسلطة والقوة والقدرة عليه. يتعرض الناس للإهانة والإساءة لأنهم ببساطة لا يعرفون طرقاً أخرى للتعامل أفضل من ذلك، لقد اكتسبوا وتعلموا أنماط الإساءة من البيئة (المنزل، المدرسة، مكان العمل، إلخ) وقاموا بتكرار ذلك حتى أصبحت الإساءة عادة لديهم للتعامل ومجابهة المشكلات. كما تلعب اليوم وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في إيصال وتكريس وتعزيز الإهانات والإساءات بين الأفراد وحتى الجماعات، خاصة لدى فئة المراهقين، كما نشاهد ذلك جلياً في بعض الرسوم المتحركة والأفلام وألعاب الفيديو والخطابات الموجهة وغيرها.. ذات المحتوى العنيف والخشن والمسيء، ومدى تأثير ذلك سلباً في الأطفال بشكل خاص.
تعتمد الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع الإساءة والإهانة، على الشخص ذاته، والموقف الحدث، والبيئة، والمخاطر التي تنطوي عليها، أي أن الإهانة والإساءة تؤثر بشكل مختلف في الأفراد وفقاً لظروفهم الثقافية والأخلاقية والدينية والاجتماعية المختلفة.
أحياناً تتم الإهانة والإساءة تحت عنوان المزاح والنكات والفكاهة، وهذا الفعل يؤدي إلى إلحاق ضرر وأذى نفسي كبير، وهناك فرق هائل بين أن يكون المزاح والنكات لغرض الفرح والابتسامة، وأن يكون للإساءة والإهانة والتعنيف. إذا ما اعتبرنا الإهانة والإساءة ريحاً يتعرض لها كل الناس، إلا أنها تؤثر بطرق مختلفة على نفسية العديد من الأفراد، فمن الممكن أن تتنامى لدى بعضهم مجموعة من المشاعر والأحاسيس والأفكار والسلوكيات المزعجة والضارة. في إمكانك الحفاظ على توازنك وهدوئك تجاه الإهانة والإساءة، وتجاهلها، ولا تكترث بها، ولا تولها أهمية، وأن تبتعد عنها وتكمل دربك بكل ثقة وابتسامة.
تعتمد الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع الإساءة والإهانة، على الشخص ذاته، والموقف الحدث، والبيئة، والمخاطر التي تنطوي عليها، أي أن الإهانة والإساءة تؤثر بشكل مختلف في الأفراد وفقاً لظروفهم الثقافية والأخلاقية والدينية والاجتماعية المختلفة. هناك أشخاص لديهم القدرة على التحكم في مشاعرهم، وتقييم الموقف والعواقب، وفي هدوء يتعاملون مع الإساءة، من ناحية أخرى الأشخاص الذين يظهرون ردود فعل عصبية وغاضبة تجاه الإساءة، يفقدون السيطرة على أفكارهم ومشاعرهم للتعامل مع الموقف، وحل الوضع بشكل عقلاني منطقي حكيم.
بعض النقاط ممكن تساندك للتعامل مع الإساءات:
ـ تواصل بصرياً العين بالعين مع المسيء ومن ثم اقطع نظرك وتوقف عن التواصل.
ـ قل بحزم « توقف» دون تردد وقم بمواجهة المعتدي دون أن تفقد التحكم، اعلم أن إظهارك لقدرتك وقوتك تجعل المعتدي يشعر بالخوف.
ـ حاول التحكم بالموقف: يريد المعتدي اللعب بمشاعرك والتحكم بها، اعلم عندما تسمح له بالتحكم بمشاعرك، فإنك تقدم له الخدمة وتتيح له الفرصة لتنفيذ غرضه.
ـ خذ نفساً مريحاً ثم انظر مباشرة للشخص المسيء وانتظر الرد، تذكر أنه غالباً إذا ما قمت بالمواجهة والتحدي فسوف ينسحب الشخص المسيء.
ـ إذا كرر المعتدي الإساءة وكان عدائياً أو عنيفاً، حاول الابتعاد، خذ الحذر، قد لا يسمح لك بالذهاب ويحاول أن يجرك للعبته بقوله لك: «يدعو للتأسف أنك حساس للغاية، لست معتاداً على مصاحبة أشخاص مثلك يأخذون أي شيء على محمل شخصي» اعلم أن الابتعاد يعني أن اللعبة انتهت.
ـ حاول التقليل من تفاعلك مع المسيئين والحفاظ على تواصل رسمي معهم، لا توجد وتذهب إلى ميدان المسيء وتمنحه فرصاً ليظهر إساءاته لك.
وأجمل ما قيل في التعامل مع الإساءة ما قاله الإمام الشافعي:
إِذا سَبَّني نَذلٌ تَزايَدتُ رِفعَةً .. وَما العَيبُ إِلا أَن أَكونَ مُسابِبُه
وَلَو لَم تَكُن نَفسي عَلَيَّ عَزيزَةً .. لَمَكَنتُها مِن كُلِّ نَذلٍ تُحارِبُه
وَلَو أَنَّني أَسعى لِنَفعي وَجَدتَني .. كَثيرَ التَواني لِلَّذي أَنا طالِبُه
وَلَكِنَّني أَسعى لِأَنفَعَ صاحِبي .. وَعارٌ عَلى الشَبعانِ إِن جاعَ صاحِبُه
كاتب سوري