من يصدق الان ان فلندة، البلد الاسكندنافي الشديد التمدن، قد بنى رقيه ومجده من عشرات الاف الاجساد الميتة؟
كانت فلندة قبل انضمامها الى مصاف الدول المتقدمة، وبالمعنى الحرفي للكلمة، ليس اكثر من اسطبل يٌسمِّن فيه الاصدقاء الدوليون اتباعهم وازلامهم. وقد انزلقت البلاد نتيجة ذلك الى حرب اهلية طاحنة بين الشيوعيين والمحافظين عام 1918 اُستخدمت فيها مختلف انواع الاسلحة التي قامت روسيا (ثم الاتحاد السوفيتي) والمانيا بشنشلة الاخوة الفرقاء بالكثير منها.
لقد تم تدريب المتحاربين ليس فقط على شرب الدم، بل ايضا على اكل الجيفة: معالم البلد الرئيسية اصبحت لعنات: المصانع غدت مشانق والغابات تحولت الى مدافن.غالبية القتلى، وعددهم يفوق الـ 37000، لم يموتوا في ميادين القتال، ولكن تم اعدامهم في الساحات العامة، او قتلهم في معسكرات الاعتقال. وقد كان ارتفاع منسوب الغرائز البدائية في المدن الفلنديه هو السبب ايضا في محاكمة اطفال لم تتجاوز اعمارهم العشر سنوات وسحلهم في الميادين العامة.
وقد كانت انتخابات عام 1917 التي فاز بها الشيوعيون هي البرعم الذي نما عليه هذا السعار الايدولوجي الذي انقض ظهور الفلنديين. وكان ذلك بالتحديد عندما قرر المحافظون الانقلاب على الشرعية بمساعدة روسيا الامبريالية التي ارسلت جنودها الى فلندة، والتي يرجع لها الفضل في حل البرلمان والدعوة الى انتخابات جديدة فاز بها حلفاؤها اليمينيون. هذه البلطجة هي التي اثارت جماعات اليسار التي اعلنت الكفاح المسلح ضد النظام، وحملت على عاتقها فرض اصلاحات اشتراكية. ومع اندلاع الثورة البلشفية في روسيا، اصبح لدى الشيوعيين الفلنديين املا في النيل من الطبقة البرجوازية في البلاد، وبإعادة شرعية انتخابات عام 1917. ولكن ذلك مجرد اضغاث. الدعم الروسي كان خجولا، خصوصا اذا ما قيس بدسائس الالمانيين ومساعدتهم للمحافظين في معركة تامبريه الفاصلة، والزيت الذي صبوه بأنفسهم على رفاق لينين وستالين في هلسنكي، عاصمة فلندة.
ليس بالامكان اعتبار هزيمة الشيوعيين في فلندة وسحلهم في شوارع تامبريه حدثا عاديا، فهناك عاش قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين لفترة من الزمن، وفي احد شوارع تامبريه عقد اجتماع مهم غير العالم، وفيه التقى لينين لأول مره في حياته جوزيف ستالين.
ولكن ما يدمل جروح الماضي هو حقيقة ان فلندة تنتمي اليوم الى العالم الاول. ومع ذلك لا يمكن تغطية الشمس بغربال: الكنيسة الروسية البيضاء لا تزل اهم معلم في هلسنكي، ومتحف لينين الكبير، وذلك امر لا يمكن تصوره في الدول الغربية الاخرى، لم ينقطع عن استقبال زواره في مدينة تامبريه.
ولكن السؤال الاهم الان: لماذا يصر الفرقاء المصريون على استنساخ التجربة الفلندية؟ هل يجب ان تسوى البيوت بالارض ويموت عشرات الالاف قبل ان يقتنع الجميع بان الديمقراطية هي اساس الحكم الرشيد؟
عمار أبوعرقوب
[email protected]
يا استاذ يبدو انك لم تشاهد الثورة في ٣٠ يونيو ضد حكم الاخوان
ما حدث ليس بين فصيلين
بل بين شعب و فصيل !!!!