لماذا يصمت «اليسار» العربيّ عن ثورة الجزائريين؟

حجم الخط
34

انتبه كتاب وناشطون كثر إلى تغريدة للمغني والموسيقي اللبناني مارسيل خليفة يرحب فيها بثورة السودانيين مخاطبا إياهم بـ«أهلنا في الأقاصي في السودان الحبيب» مطالبا إياهم بأن «خذونا معكم إلى الحرية»، وإلى قيام المغنّي السوري سميح شقير بتقديم أغنية ترحّب بالثورة السودانية وتستخدم إيقاعات موسيقية منها، والمغنّيان محسوبان على اتجاهات يساريّة عربية.
احتفلت أغلب الأحزاب اليسارية العربية أيضاً (أو ما تبقى منها) بالحدث السودانيّ وهو احتفال لم يتناسب مع اهتمام مشابه بالحدث الجاري في الوقت نفسه في الجزائر، رغم أن في كلا البلدين مظاهرات احتجاج عارمة ترفض الاستبداد وتطالب بأنظمة ديمقراطية تسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية وتوقف التحكم الأمني ـ العسكري (والعائلي المافيوزي) في الأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية.
كان اليسار العربيّ محرّكا كبيرا للسياسة العربية منذ ستينيات القرن الماضي، وحملت الأنظمة في مصر الناصرية، وسوريا والعراق البعثيين، واليمن الجمهوري والماركسي، وليبيا القذافية، وجبهة التحرير الوطني في الجزائر، شعارات الاشتراكية والتقدّم، فيما قامت الأحزاب الشيوعية «الرسميّة» في تلك الدول، بتطبيق سياسة الاتحاد السوفييتي المتحالفة مع تلك الأنظمة رغم حملات الاضطهاد والملاحقة والتضييق الذي عانت منه بعضها، فيما طوردت التنظيمات الشيوعية أو اليسارية الأخرى المنشقّة، ولم يبق منها غير أمثال «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، والحزب الشيوعي اللبناني، والجبهة الشعبية التونسية… والحزب الشيوعي السوداني، أما الأنظمة «اليسارية» العتيدة فتحوّلت إلى دكتاتوريات مطلقة متوحّشة يعتاش أغلبها على رخصة التمديد التي أعطتها مرحلة ما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 من قرار أمريكي ـ غربيّ بمحاربة «الإرهاب»، والذي أدرجت الأنظمة تحته الثورات الشعبية ضدها فيما قامت إسرائيل باستغلاله ضد نضال الفلسطينيين لتأسيس دولتهم.
يكشف حماس «اليسار» العربيّ الفائض نحو ثورة السودانيين عن واحدة من عيوب هذا اليسار الأساسية، بأشكاله الشيوعية والقومية، وهي النزعة الأيديولوجية البائسة التي ترى في الإسلاميين عدوّهم الأساسي، وبما أن السودانيين ثاروا على نظام محسوب على أولئك الإسلاميين فإن هذه الثورة «حلال»، أما في حالة الجزائريين فلا تبدو حدود الأيديولوجيا واضحة، ناهيك عن أن النظام الجزائري، في حسابات اليسار، هو نظام تقدّمي «معاد للإمبريالية» بدليل أنه قاد خلال «العشرية السوداء» حرب استئصال دموية ضد الإسلاميين، وكان الاتجاه الشيوعي الذي بقي من «حزب الطليعة الاشتراكية» الجزائري بين المهللين لفكرة الحرب الشاملة ضد الإسلاميين وتصفيتهم جذريا بكل الوسائل، وكان أولئك اليساريون أحد أكثر المروجين المتحمسين لتلك الحرب وخصوصا في أوروبا.
لا يهمّ في منظار الواقع الأيديولوجي لليساريين أن البشير، الذي جاء على ظهر الإسلاميين، انقلب عليهم وسجن زعيمهم حسن الترابي، وتبرأ منهم حين احتاج، ولا في أن النظام الجزائري ليس «نظاما تقدميا» بل شبكة من الوسطاء المرتبطين بمجموعات نافذة في رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش يقومون بنهب واحتكار الثروة الوطنية، وأنه نظام عاجز فقد القدرة على الاستمرار، وأن الانتصار للجماهير هناك أهم من تسجيل النقاط الأيديولوجية.
باستثناء بعض الأجنحة التي تجمع بين الطروحات اليسارية والديمقراطية، فإن اليسار العربيّ حكم على نفسه بالتهافت والتلاشي بدفاعه الخشبيّ عن الطغم الاستبدادية، وبالتمييز بينها على أسس أيديولوجية، موقعا نفسه في تناقضات لا تحصى جعلته موضعا للسخرية والاستنكار.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    اليسار العربي يسكت عن مساندة حراك الجزائر كما سكت بل ساند سفاح سوريا ضد حراك السوريين.
    .
    في الحقيقة هي مسألة مصالح فقط و تحالف مصلحجي .. فمن عهد بومدين و خزينة الجزائر تغدق العطاء لهذا اليسار.
    و رد هذا الأخير الجميل بالسكوت و الادعان و المجاملة و إعطاء ألقاب للجزائر مثل “قبلة الثوار”، و لا أدري لماذا …
    حتى نيلسون مانديلا قررت الجزائر انها هي من دعمته لوحدها .. و هذا غير صحيح بالمرة، و اول محطاته كانت المغرب طبعا.
    .
    فكم من ثائر او مرتزق وجد القلب الحنون في الجزائر .. حتى مرتزقة البوليساريو إلى يومنا هذا لهم ميزانية دولة من ميزانية دولة.
    .
    اليسار العربي ضائع فعلا .. بدون هوية .. راحت روسيا .. و راح القدافي .. و راح بومدين .. و راح جمال عبد الناصر .. و صدام ..
    .
    اليسار العربي لا يمكنه أن يكون جاحدا للنعمة .. نعمة اموال شعب ها هو يثور من أجل إيقاف نزيفها.

  2. يقول ثائر المقدسي:

    يجب لفت الانتباه بإلحاح هنا إلى أن مقال رأي القدس العربي اليوم يخاطب منتقدا فئة معينة من اليساريين المنافقين والانهزاميين والانتهازيين … وأنه لا يقصد كل اليساريين
    فيرجى من المعلقين أن يتجنبوا بحذر شديد استغلال هذه النقطة وألا ينزلقوا في شنائع وفظائع التعميم في مواقفهم (الحماسية) التي لا تختلف عن المواقف العنصرية من حيث المبدأ … !!!
    فثلة أولئك اليساريين المنافقين والانهزاميين والانتهازيين شيء واليسار الحقيقي التقدمي المناضل من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية شيء آخر … تماما مثلما أن ثلة أولئك الإسلاميين المنافقين والانتهازيين والانهزاميين شيء والإسلام الحقيقي الأرْيَحِي الذي يدعو إلى المحبة والإخاء والمساواة بين الناس شيء آخر … !!!

  3. يقول المغربي-المغرب.:

    أعتقد شخصيا أن موضوع اليسار واليمين في العالم العربي نسبي بسبب تهافت الولاء المذهبي والسياسي. ..وطغيان الانتهازية السياسية التي جعلت الكثيرين يلعبون على الحبلين. …وهذا لايدري بطبيعة الحال وجود يساريين أوفياء لقضايا أمتهم في الوحدة والتطور. ..؛ وأعتقد أيضا أن نسبة النظام العسكري الانقلابي في الجوار الى اليسار هو ضرب من التمويه والتدليس الذي نتج عن ممارسة نوع من النصب الإيديولوجي غير المسبوق الذي تكفل به بوتفليقة منذ الستينات عندما كان وزيرا للخارجية….؛ والاسوء في كل هذا أن يحاول مناصروا التحنيط السياسي الذي بني على تقديس الإستعمار. ..ومحاربة الدين والقيم والهوية. القفز إلى الموضوع بشكل كاريكاتوري مرددين اسطوانة مشروخة لم تعد تصلح إلا للتندر. …لأنهم لم يصنفوا يوما في اليمين أو اليسار…ولكنهم صنفوا من ضمن سدنة المعبد الاستعماري الذي سلطهم على رقاب البلاد والعباد. …فهل من كان يشتم مواطنيه لأنهم لم يفهموا قصده من كلمة وسيلة…يمكن اتخاذه مقياسا في السياسة. ..بدل علم النفس المرضي الذي يشمل الانفصام والشوزيفينيا وغيرها.؟؟؟ …لا أعتقد. …!!!

  4. يقول المغربي-المغرب.:

    أعتقد شخصيا أن موضوع اليسار واليمين في العالم العربي نسبي بسبب تهافت الولاء المذهبي والسياسي. ..وطغيان الانتهازية السياسية التي جعلت الكثيرين يلعبون على الحبلين. …وهذا لايعني بطبيعة الحال عدم وجود يساريين أوفياء لقضايا أمتهم في الوحدة والتطور. ..؛ وأعتقد أيضا أن نسبة النظام العسكري الانقلابي في الجوار الى اليسار هو ضرب من التمويه والتدليس الذي نتج عن ممارسة نوع من النصب الإيديولوجي غير المسبوق الذي تكفل به بوتفليقة منذ الستينات عندما كان وزيرا للخارجية….؛ والاسوء في كل هذا أن يحاول مناصروا التحنيط السياسي الذي بني على تقديس الإستعمار. ..ومحاربة الدين والقيم والهوية. القفز إلى الموضوع بشكل كاريكاتوري مرددين اسطوانة مشروخة لم تعد تصلح إلا للتندر. …لأنهم لم يصنفوا يوما في اليمين أو اليسار…ولكنهم صنفوا من ضمن سدنة المعبد الاستعماري الذي سلطهم على رقاب البلاد والعباد. …فهل من كان يشتم مواطنيه لأنهم لم يفهموا قصده من كلمة وسيلة…يمكن اتخاذه مقياسا في السياسة. ..بدل علم النفس المرضي الذي يشمل الانفصام والشوزيفينيا وغيرها.؟؟؟ …لا أعتقد. …!!!

  5. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    كان لليسار العربي الدور الرئيس في تثبيت صورة “صانع ثورة” لبومدين و هو في الحقيقة سارق ثورة الجزائر.
    و كما أسلفت سابقا كان هذا اليسار في حاجة إلى تمويل مالي .. و قد وجد في الجزائر ضالته مع القدافي و غيرهم طبعا.
    إلى درجة أنه لحد الآن لا أحد من هذا اليسار يقول الحقيقة عن بومدين. كيف له أن يأتي من الأزهر حيث كان يدرس،
    و لم يطلق رصاصة واحدة ضد فرنسا في حياته أن يصبح رمزا من رموز الأمة العربية … هذا مستحيل بدون مساعدة قوية
    من يسار العرب الدين عرفوا كيف تأكل الكثف معه .. لكنه هو الدي عرف كيف تأكل الكثف معهم. اشترى مكانا في التاريخ
    بابخس ثمن … لكن لحين فقط. سيعاد حثما البحث في تاريخ الجزائر، و سيعود بومدين إلى حجمه … حجم سارق ثورة.

    1. يقول المغربي-المغرب.:

      بومدين …أخي ابن الوليد يعكس نموذجا من التحريف التاريخي الذي حصل في تاريخ كثير من الدول بعد الإستقلال. ..بسبب غموض وسرية الاتفاقيات المعقودة مع المستعمر للإنتقال إلى المرحلة الجديدة. ..؛ وبالإضافة إلى تاريخه الشخصي غير الواضح. ..فإن لغز تواجده المفاجيء على رأس قيادة جيش الحدود الذي لم يطلق رصاصة واحدة ضد فرنسا. .يعتبر من طلاسم المرحلة التي لايعرف حقيقة تفاصيلها إلا القلة من صناع القرار الفرنسي. ..؛ ومما يزيد من شبهة تواجده. ..دوره الكبير في تصفية أغلب قادة التحرير من الرواد…وتكريسه لنظام سياسي ظاهره التعاطف مع المعسكر الشرقي. ..وباطنه الارتباط الوثيق مع لوبيات الغاز والنفط في فرنسا وأمريكا. …وانخراطه في خدمة مشاريع البلقنة الاستعمارية التي ارتكزت على هذف سياسي واستراتيجي معلن. ..وهو المحافظة على الحدود الموروثة عن الإستعمار. …وهو شعار لايمكن أن يرفعه من يملك ذرة من النضال أو الإحساس بمعاناة الشعوب المستعمرة التي جرى تقسيمها. …واتمنى ان يتمخض الحراك الجزائري عن ظهور نزعة وطنية لإعادة قراءة التاريخ. ..وإعادة الاعتبار للرموز التي نكل بها النظام العسكري البوخروبي….

  6. يقول أ.د/ غضبان مبروك:

    اليسار العربي يصمت عن “الثورة الجائرية” ويتناول باحتشام الثورة السودانية لأنه لا يريد أن تنجح هذه الثورة ببساطة. فنجاحها يعني تعميمها للعالم العربي والذي يعني تعرية اليسار والعربي و سقوط طروحاته. فنجاح الثورة يعني غرس الديمقراطية وقيمها والتي لتخدم اليسار العربي الذي اعتاد أن يقتتا من أفكار النتهازية والطفيلية ولايؤمن بالشفافية والتنافسية وحرية التعبير. لذان فليس من مصلحته نجاح الثورة وهو المستفيد من الريع السياسي والاقتصادي طيلة نصف قرن.

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية