لماذا يعاني سكان الدول المتقدمة من مشاكل عقلية؟… عالم مختص يجيب

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: كشف العالم البارز ريتشارد دوكينز عن نظرية جديدة وغير مسبوقة يُفسر من خلالها أزمة الصحة العقلية التي يعاني منها سكان الدول الغربية والدول المتقدمة.

وحسب ما نقلت جريدة «دايلي ميل» البريطانية، في تقرير اطلعت عليه «القدس العربي» فإن عالم الأحياء ريتشارد دوكينز يرى بأن ارتفاع حالات الأمراض العقلية في البلدان المتقدمة قد يكون راجعاً إلى «معدلها المذهل» للتغير التكنولوجي. وطرح المؤلف البريطاني الشهير وعالم التطور، البالغ من العمر 83 عاماً، نظرية مفادها أننا نتطور ببطء شديد لمواكبة بيئاتنا، مما يخلق اختلالاً يعطل شعورنا بالرفاهية. وقال دوكينز إن سنوات من البحث انتهت إلى وجود ارتباط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبين الاكتئاب في أوساط الشباب، وذلك من بين أمراض حديثة أخرى.
وأضاف دوكينز: «يشعر كثير من الناس بالقلق من أن وتيرة التغيير أصبحت بحيث لم نعد قادرين على التكيف معها. هذا أمر مقلق».
ولكن على الرغم من هذه المخاوف التي تبدو منطقية، فإن الجدل محتدم حول العلاقة بين التقدم التكنولوجي ورفاهية الإنسان، حيث لم تجد دراسة أجراها معهد أكسفورد للإنترنت دليلاً دامغاً يربط بين الأمرين.
وقال دوكينز: «من المؤكد أن المعدل الذي نتطور به وراثياً ضئيل للغاية مقارنة بالمعدل الذي نتطور به على المستوى غير الوراثي والثقافي».
وأضاف عالم الأحياء: «والكثير من الأمراض العقلية التي تصيب الناس قد تكون بسبب وجودنا في بيئة متغيرة باستمرار وغير متوقعة، على نحو لم يكن أسلافنا فيه».
وقال العالم ومؤلف العتديد من الكتب الرائدة مثل «الجين الأناني»: «في الواقع، أعتقد أنه من المدهش مدى قدرتنا على الصمود». ويقول دوكنز: «يبدو أننا، معظمنا، ننجح في التعامل بشكل جيد مع معدل التغيير المذهل في حياتي».
ويبدو أن دراسة دولية واسعة النطاق نُشرت في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في مجلة «العلوم النفسية السريرية»، والتي استخدمت بيانات من مليوني شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و89 عاماً، من شأنها أن تعزز من حجة دوكنز للتفاؤل.
ووجد الباحثون، الذين شملت مجموعتهم المكونة من مليوني شخص 168 دولة، ارتباطات أصغر مما كان متوقعاً حول ما إذا كان الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت تسبب ضرراً نفسياً واسع النطاق.
كما نشر الأستاذ أندرو برزيبيلسكي، من معهد أكسفورد للإنترنت، الذي قاد البحث، دراسة مماثلة حول استخدام فيسبوك العام الماضي.
وفي تلك الدراسة استخدم برزيبيلسكي وزملاؤه بيانات عن معدلات القلق والاكتئاب وإيذاء النفس من عام 2000 إلى عام 2019 في حوالي 200 دولة.
وتم تقييم الرفاهية باستخدام بيانات من استطلاعات وجهاً لوجه وهاتفية أجراها محاورون محليون، وتم تقييم الصحة العقلية باستخدام تقديرات إحصائية لاضطرابات الاكتئاب واضطرابات القلق وإيذاء النفس.
وقال برزيبيلسكي: «لقد بحثنا بجدية شديدة عن دليل قاطع يربط بين التكنولوجيا والرفاهية ولم نجده». ووفقاً لبرزيبيلسكي «من غير المرجح أن تكون الفكرة الشائعة بأن الإنترنت والهواتف المحمولة لها تأثير سلبي شامل على الرفاهية والصحة العقلية دقيقة».
وخلص الباحث في جامعة أكسفورد إلى أنه «من الممكن بالفعل أن تكون هناك أشياء أصغر وأكثر أهمية، ولكن أي ادعاءات شاملة حول التأثير السلبي للإنترنت على مستوى العالم يجب التعامل معها بمستوى عالٍ جدًا من الشك».
ومع ذلك، فإن بحثه يتعارض مع دراسات متعددة تزعم أن وسائل التواصل الاجتماعي وهذا العصر المحير من التغيير التكنولوجي أدى إلى تدهور الصحة العقلية لمن هم في منتصف العمر وجيل الألفية وكذلك الشباب.
وأعرب دوكنز في أحدث تصريحاته عن مخاوف أكثر مباشرة بشأن جوانب أخرى من تأثير التكنولوجيا البشرية على التطور، حيث قال: «تغير المناخ والاعتماد على الذات الأساسي في مواجهة العصر المظلم الجديد». وأشار إلى أن «الإنترنت هو تغيير ضخم، إنه تغيير هائل». وأضاف: «لقد أصبحنا متكيفين معه بسرعة مذهلة».
وقال دوكنز «إذا فقدنا الكهرباء، وإذا فقدنا فجأة التكنولوجيا التي اعتدنا عليها، فقد لا تتمكن البشرية حتى من «البدء» في التكيف في الوقت المناسب، دون اضطرابات اجتماعية كبيرة وموت». وكان عالم الأحياء يحمل آراء مماثلة بشأن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بسبب تغير المناخ، لكنه حذر من أن هذا ليس مجال تخصصه.
وقال دوكنز: «ربما تكون هذه مشكلة خطيرة، وهي مشكلة تحتاج إلى حل».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية