لهذا انهزمت السعودية إعلاميا ولم تنتصر في تويتر

في جريمة اغتيال الصحافي الراحل جمال خاشقجي، خسرت السعودية الحرب الإعلامية بكل مراحلها وبكل ما فيها من معارك وتفاصيل.
اجتماع وزير الإعلام السعودي يوم الأحد مع رؤساء التحرير المحليين للاستماع إلى آرائهم «حول التطورات الحالية وأفكارهم ومقترحاتهم بشأن تطوير العمل الإعلامي وما يمكن تحويله من تلك الأفكار إلى برامج عمل تحقق الأهداف المرجوة»، وفق تعبير وكالة الأنباء السعودية، محاولة يائسة يصح فيها القول الشهير «قليل جداً ومتأخر جدا».
يمكن الجزم بسهولة أن «الأفكار والمقترحات» التي نوقشت في اجتماع الوزير خُصصت للإخفاق الإعلامي السعودي في الرد على ما طُرح (وما يزال) في الإعلام الدولي والإقليمي بشأن اغتيال خاشقجي. ويمكن الجزم أيضا أن النقاش بحث إطلاق منصات وقنوات جديدة قوية وبلغات عدة لمقارعة «أعداء» السعودية بنفس قوة تأثيرهم.
هذه الأفكار أيضا يصح فيها «قليل جداً ومتأخر جدا». وهي تحمل في طياتها هروبا من مواجهة النقاش الجاد والأسئلة الحقيقية. أحد أشهر المعلقين السعوديين قال: «ربحنا معركة تويتر وخسرنا الحرب الإعلامية!».
كان عليه أن يقول «خسرنا الحرب الإعلامية، وانفضحنا على تويتر». لكنه لن يجرؤ على مثل هذا الاعتراف لأن مضمون رسالته كان أن الشعب أفيَدُ لنظام الحكم في أزماته من النخب والإعلاميين.
وآخر خصَّ بالذكر قناة «العربية» واتهمها بأنها تؤوي عربا من جنسيات معينة لا همَّ لهم سوى جني المال. ثم كال لهؤلاء الكثير من الشتائم والاتهامات.
القضايا الخاسرة لن تنقذك منها أموال الدنيا. ولن يفيدك فيها أشهر محاميي الأرض. لا لسبب إلا لأن الحق أقوى. وجريمة اغتيال خاشقجي قضية خاسرة بكل المقاييس للسعوديين، والحق فيها ليس في صفهم. أي دولة أخرى كانت ستواجه ما واجهته السعودية من غضب سياسي وإعلامي. وأيّ إعلام آخر في نفس الوضعية كان مصيره ذات الإخفاق الذي كان من نصيب الإعلام السعودي.
لكنها الأنظمة الطاغية.. عندما تتورط في حماقاتها، تبدأ بإلقاء اللوم على الإخفاق الإعلامي.

في جريمة اغتيال الصحافي الراحل جمال خاشقجي، خسرت السعودية الحرب الإعلامية بكل مراحلها وبكل ما فيها من معارك وتفاصيل

ليس في الغرب تحامل على السعودية في قضية خاشقجي. كل ما هنالك أن الجريمة ارتُكبت بطرق بدائية ووحشية وفاضحة جعلت من المستحيل السكوت أو التعمية عنها. بدل التحامل هناك محاباة من هذا الغرب، مرة بالصمت ومرة بمحاولة ربح الوقت وأحيانا بالتقلب في المواقف. البيت الأبيض بذل الكثير من الجهد لإخراج السعودية من هذه الورطة. لحد الآن لم ينجح، لكنه لم يفشل أيضا، ولم يتوقف عن المحاولة. لم ينجح لأن الإعلام الأمريكي كان على طرف نقيض. وهذا أمر منتظر لأسباب عدّة أحدها أن جمال خاشقجي انتسب قبل اغتياله إلى صحيفة قوية يرتبط اسمها بعاصمة الولايات المتحدة، واشتهرت بقدرتها على اختراق المستحيل في عالم الصحافة والسياسة. ناهيك عن صحف ومحطات تلفزية وإذاعية عريقة وذات مصداقية عالية، ومواقع إخبارية شديدة التأثير في الرأي العام.
في هذه الأجواء غير المتكافئة، سيكون من الظلم للإعلام السعودي مطالبته بمنافسة نظيره الأمريكي في معركة خاسرة قبل أن تبدأ. تخيَّلوا مثلا صحيفة «عكاظ» أو «المدينة» تقارع النيويورك تايمز!
الإعلام السعودي لم يخسر الحرب في الثاني من تشرين الأول (أكتوبر) وما بعده. لقد خسرها منذ زمن طويل عندما خسر حريته ولم يفعل شيئا لاستردادها. وخسرها على مدار عقود من التطبيل لأهل الحكم رغم استبدادهم وانحرافاتهم الكثيرة والمتكررة. أما فضيحة خاشقجي فكانت إعلان الخسارة بالضربة القاضية لا غير.
ليست الكثرة هي التي كانت ستفيد السعوديين، لأنها موجودة لديهم ممثلة في إعلام مملوك مباشرة للسعودية، وآخر يديره وكلاء، ناهيك عن الإعلام المصري والإماراتي المجنَّدان مع السعودية ظالمة أو مظلومة. وليس المال لأنه متوفر أكثر مما يجب ويُنفَق بسخاء (هل هناك أغنى من إم بي سي وأكثر إنفاقا؟).
ما كان سيفيد السعودية قليلا ويفك عنها الخناق الإعلامي، عدالة «قضيتها»، وقليل من الحرية المكتسبة والمتراكمة. لكن هذا من ترف الكلام والخيال، ففاقد الشيء لا يعطيه!
أما تويتر فقصة أخرى. أصبح تويتر المساحة المفضلة لكتائب من السعوديين لتنفيس مشاعرهم القومية. هؤلاء حوَّلوا تويتر من منصة حرية وتعبير إلى مساحة لاضطهاد مَن يخالفونهم الرأي. الذين يصدّقون أن السعوديين ينتصرون في حروبهم عبر تويتر، يحتاجون إلى إعادة النظر في تعريف النصر والهزيمة.
ما يحدث في تويتر هو عناد بلا طائل، وعمى ثقافي وسياسي ولغوي وأخلاقي مسيء لأصحابه وحدهم. هذا عدا عن القدح المستمر وانتهاك الأعراض. هذا التلوث والسوقية غير المسبوقين، وكله بداعي الدفاع عن الوطن ووراء أسماء وهمية، قضى على صوت العقل وعلى فرص النقاش الجاد والأفكار المفيدة. ولا غرابة أن أصبحت عبارة «الذباب الإلكتروني» عنوانا للمعارك السعودية في هذا الفضاء الافتراضي.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سعدي:

    اللّافت للانتباه في هذا الشّأن هو أنّهم يعتمدون على أشخاص لا يصلحون لتمثيل المملكة لا من حيث الخبرة ولا من حيث القَبول ولا من حيث اللّياقة .. الخ .. انظر إلى من يستكتبون على الإنترنت ومن ينطق باسمهم على اليوتيوب .. فعلًا أمر يبعث على الحيرة ، خاصّة وأنهم يدفعون الكثير من المال لهؤلاء الاشخاص …. …

  2. يقول الكروي داود:

    ملاحظتي على الإعلام الناطق باللغة العربية هو أن هناك من بدأ بمنافسة الجزيرة كالإعلام التركي! أم لعله توافق بينهما؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول سامي السويد:

      و لماذا يقلقك ذلك اخ داود؟؟ من مصلحة العرب و المسلمين الالتفاف حولها لا محاربتها كما يفعل اعلام الرز و المرتزقة.. .ام تريد ظهور برسي كوكس جديد؟؟!!

    2. يقول الكروي داود:

      حياك الله يا عزيزي سامي وحيا الله الجميع
      أنا قصدت عكس ما فهمت يا أخي! إعلام المطبيلين فشل في منافسة الجزيرة أما الإعلام التركي فنجح في ذلك لجديته!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول صوت من مراكش:

    تخيَّلوا مثلا صحيفة «عكاظ» أو «المدينة» تقارع النيويورك تايمز! وا عجبي

    هذا الاعلام المداح هو من اسباب تعقيد المشكل للسعودية فقد رشح مما رشح

    في قضية الاغتيال البدائية للراحل خشقجي ان العاهل السعودي سلمان لم يعلم بالمشكل

    الا في الانفاس الاخيرة من مشاهده التراجيديته فقد كان لا يرى او يسمع في اعلامه المحلي

    سوى الا ما يشتهي اي مسؤول منفصل عن الواقع من اخبار الانجازات و الانتصارات الخرافية

    الى ان ضاق الامر على ولي عهده عندها تكشف له الامر المريع مما دفع به للتدخل و لكن بعد ان فات الاوان

    تحياتي

  4. يقول د. اثير الشيخلي - العراق المنكوب:

    الحق لا يعرف بالرجال
    اعرف الحق تعرف اهله
    .
    الإعلام المنتصر دوماً هو ليس الإعلام المنحاز و لا الإعلام المحايد و لا يوجد برأيي في العالم بأسره اعلام محايد و ليس مطلوب من الاعلام أن يكون محايداً ليقف على مسافة واحدة من الضحية و الجلاد مثلاً أو من الطبيعي و الشاذ !
    .
    إنما الإعلام المنتصر و المطلوب هو الاعلام الموضوعي ، الذي ينقل الخبر و الحدث كما حصل
    و يأتي بالرأي و الرأي الآخر ليتواجها و يحللا الخبر ،ثم يترك للجمهور تحديد ما يقتنع به
    .
    أما التعويج و الاجتزاء و التحريف و التزييف من أجل إرضاء ولي النعمة و الحاكم بأمره ، فالنتيجة أن مزاج الرأس الكبيرة مزاج بشري متقلب ، و المصالح متغيرة و من معي اليوم ، ربما غداً ضدي و العكس بالعكس ، فلا يعقل أن يكون لإعلام ما مصداقية و هو يرفع من يرضى عنه الحاكم الى السماء صباحاً ثم ليمسح به الارض مسحاً مساءاً.
    .
    مثال من الاعلام السعودي نفسه و المصري السائر في ركابه و معلمه الاكبر في التطبيل.
    .
    اوردغان الذي كان قوردغان قبل تزلف بن سلمان صار سيادة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان!.
    و بقدرة قادر خرجت كل شبه جزيرة الأناضول في لحظة واحدة من قائمة محور الشر وصارت تركيا الشقيقة!

  5. يقول تيسير خرما:

    بشرق آسيا أكثر شعوب إلتزاماً بتعليمات كمصلحة عامة، لكن بشرق أوسط أكثر شعوب تتجاهل تعليمات وتلتف عليها بواسطة ومحسوبية ورشوة وتهديد وتبلي مسؤول لحد إقالته، بل ومن أكثر شعوب تمييعاً لمشاريع قوانين وعقوبات عند محاولة حكومة صياغتها وتمريرها من مؤسسات مجتمع مدني أو نقابات أو نواب، ومن أكثر شعوب طلباً لعفو عام فلا يكاد الأمن العام ينتهي من مطاردة وجمع مجرمين وتقديمهم لعدالة حتى تتعالى مطالبات بعفو عام عنهم من قبل نفس مؤسسات مجتمع مدني ونقابات ونواب، فيجب تعديل قانون لتحميل كل مجرم تكاليف مطاردته وسجنه

  6. يقول روبله عمر حسين:

    المشلكة في إعلام الدول الشمولية ، إنه يجيد مدح الطاغية والتطبيل له ، أما الدفاع عن قضايا الوطن فإنه يعيش في واد آخر وواهن .

  7. يقول SANTO BERBRE:

    المهم فى الامر رغم مراوغه السلطات الملكية فى السعودية أن الحقيقة اتعرف بعدما اجتهد الحكومة التركية فى ازاح الستار عن المستور ، جمال اصبح فى علم الغيب ولكن ما رسمه بقلمه فى الصحافة المحلية والعالمية سيكون وسمه عار بالنسبة للسعودية .

إشترك في قائمتنا البريدية