باريس- “القدس العربي”- آدم جابر:
منذ الهزيمة المدوية التي مُني بها “تنظيم الدولة’’ في العراق وسوريا، دخلت أوروبا، بالأخص فرنسا، في حالة من القلق بعد أن حذّرت أجهزتها الاستخباراتية من مغبة العودة الجماعية لمئات من الجهاديين الفرنسيين الذين انضموا إلى صفوف التنظيم. غير أن واقع الحال، يقول عكس ذلك، حيث سجّلت السلطات الفرنسية عودة 7 جهاديين فقط من مناطق القتال في سوريا والعراق خلال العام الجاري، ليرتفع بذلك إجمالي الفرنسيين العائدين إلى بلدهم- حتى الآن – إلى 64 بالغاً و 45 قاصراً، من أصل نحو 700 رجل وإمراة و 500 من القاصرين، وفق الأرقام الرسمية.
وفي تقرير نشره يوم الأحد حول هذا الموضوع، عزا موقع “ميديا-بارت’’ الإخباري الفرنسي أسباب عدم عودة الجهاديين الفرنسيين وعائلاتهم بالأعداد الكبيرة التي كانت مُتوقعة، على الرغم من انهيار خلافة أبو بكر البغدادي، إلى عدة أسباب، أولها ماديٌ، ويتعلق بالثّمن الباهظ الذي يَطلبه المهربون. الأمر الذي صعّب من المهمة عليهم، مع أن العديد من أرامل الجهاديين الفرنسيين يواجهن ظروفاً قاسية جداً، ويرغبن في العودة إلى فرنسا، حيث حاول الكثير من العائلات الفرار في نهاية عام 2017 ، لكنه تم اعتقالهم من قبل مختلف الفصائل المسلحة، وفق الموقع الفرنسي.
“ميديا-بارت’’، نقل عن بعض الفرنسيين الذين نجحوا في العودة من العراق وسوريا خلال العام 2017، ويجري حاليا الاستماع إليهم من قبل العدالة الفرنسية، تأكيدهم على أنه يجب دفع ما بين ألف و 4 آلاف يورو عن الشخص الواحد، للمهربين، الذين ينقلون الأطفال والنساء بتكلفة أقل من نقلهم للرجال الذين تبحث عنهم السلطات في الغالب. بالإضافة إلى ذلك، يأخذ المهربون معايير أخرى في الاعتبار، منها المسافة الفاصلة بين منطقة الانطلاق التي لايزال يسيطر عليها تنظيم الدولة و الحدود التركية، ولكن أيضا مناطق الحرب العديدة التي سيعبرونها أثناء رحلتهم.
يجب دفع ما بين ألف و 4 آلاف يورو عن الشخص الواحد، للمهربين، الذين ينقلون الأطفال والنساء بتكلفة أقل من نقلهم للرجال الذين تبحث عنهم السلطات.
وفي هذا الإطار، ينقل الموقع الإخباري الفرنسي عن إحدى الفرنسيات “العائدات’’ من مناطق القتال في سوريا والعراق، قولها إنها دفعت 4 آلاف يورو للمهرب الذي أوصلها مع أطفالها الخمسة إلى تركيا، بينما يؤكد زوجان آخران أنّهما اضطرّا وأطفالهم الثلاثة إلى دفع 10 آلاف يورو، بسبب وجود الزوج. كما أن “العائدين ’’ يجدون أنفسهم في بعض الأحيان مجبرين على دفع حوالي 500 يورو إضافية لحرس الحدود التركي، من أجل تجنب التفتيش الأمني أثناء الرحلة، في وقت أضحت فيه تركيا مخرجهم الوحيد، بعد هزائم تنظيم الدولة على الجبهة السورية وفرار مقاتلي التنظيم وعائلاتهم من الغرب إلى الشرق حتى وادي الفرات والحدود العراقية، ليبتعدوا بذلك عن حدود لبنان والأردن. كما أن السلطات العراقية من جانبها لا تخفي شهيتها لمحاكمة، وإذا لزم الأمر الحكم بالإعدام على الجهاديين الأجانب.
لكن الوصول إلى الحدود التركية ليس هو الآخر بالمسألة الهينة، كما يشير موقع “ميديا-بارت’’، موضحاً أنه للوصول إلى الأراضي التركية ، فإنه يتوجب على “العائدين ’’ الفرنسيين أو الأوروبيين عبور جزء من الأراضي السورية، التي هي اليوم تحت سيطرة مجموعات مختلفة، جميعها معادية لتنظيم الدولة. وذلك في وقت لم يعد بإمكانهم الاعتماد فيه على اللوجيستيات التابعة لتنظيم الدولة، بعد أن توقفت عملياً عن العمل في الأشهر الأخيرة.