لهذه الأسباب لن تبادر تركيا بإعلان انهيار اتفاقيات «سوتشي» و«أستانة» رغم إيمانها بموتها

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول – «القدس العربي»: عقب مرور أسابيع على الهجوم الدموي للنظام السوري وروسيا على محافظة إدلب ومحيطها من أرياف اللاذقية وحماة وحلب شمالي سوريا، ما زالت تركيا تتجنب الإعلان رسمياً عن موت اتفاقي «سوتشي» و»أستانة» رغم أن التطورات على الأرض تؤكد انهيارهما بشكل شبه نهائي.
وفي ظل الهجوم الأكبر لروسيا والنظام على إدلب ومحيطها باستخدام كافة أنواع الأسلحة، لم يتبق على الأرض أي نوع من الضوابط والتعهدات والالتزامات التي فرضها اتفاقا أستانة وسوتشي على أطراف القتال في المنطقة، وتحول الضامنين للاتفاقين إلى طرفين مباشرين في الصراع عقب فشل سلسلة من جولات المباحثات التي حاولت بكل السبل الحفاظ على ما تبقى من هذه الاتفاقيات دون جدوى.
فمناطق خفض التصعيد التي نص عليها اتفاق أستانة باتت ساحة حرب حقيقية تستخدم فيها أنواع الأسلحة كافة، بينما تحولت المناطق منزوعة السلاح بموجب اتفاق سوتشي إلى خطوط متقدمة للقتال بكل ما توفر من أسلحة ثقيلة جرى سحبها من تلك المنطقة بموجب الاتفاق.
وخلال أسابيع قليلة من المعارك قتل ما لا يقل عن 200 مدني وأصيب المئات في الغارات الجوية المكثفة التي شنها الضامن الروسي لدعم التقدم البري لقوات النظام، بينما عادت المعارضة بفصائلها المختلفة وعلى رأسها هيئة تحرير الشام إلى ساحات القتال بقوة وأوقعت خسائر فادحة في صفوف قوات النظام، كما كثفت هجماتها على القاعدة العسكرية الروسية (حميميم) في ريف اللاذقية.
ومقابل تعنت روسيا وإصرارها على مواصلة الهجوم على إدلب ومحيطها، لم تمارس تركيا أي ضغوط على فصائل المعارضة السورية من أجل وقف هجماتها على قوات النظام بل تحدثت مصادر سورية مختلفة عن تقديمها دعماً عسكرياً مباشراً للمسلحين للتصدي للهجوم، وهو ما لم تؤكده مصادر تركية رسمية.
وعلى عكس الجولات السابقة التي نجحت فيها تركيا وروسيا في احتواء التصعيد خلال أيام فقط، فقد فشلت حتى الآن المباحثات السياسية والعسكرية كافة بين الجانبين في وقف انهيار الأوضاع في إدلب والتي تتفاقم بشكل سريع لا سيما مع ظهور مؤشرات على تحضير النظام مجدداً لهجوم عسكري شامل على المحافظة، وإلقاء طائرات النظام لبيانات عسكرية تهدد سكان إدلب بهجوم شامل وتحثهم على مغادرة مناطقهم.
حيث جرى اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، واتصالين متتالين بين وزيري دفاع البلدين، وسلسلة اجتماعات للجان العمل المشتركة والمكونة من مسؤولين في مخابرات وجيش والبلدين، دون أي نتائج على الأرض.
وما صعب من فرص التوافق التركي الروسي، أن موسكو أصرت هذه المرة على التوصل إلى صيغة نهائية للحل في إدلب، وخيرت تركيا بين السماح لروسيا والنظام بمهاجمة المحافظة للقضاء على المسلحين هناك، أو تكفل تركيا بالبدء فوراً بهذه المهمة، وهما خياران ما زالت أنقرة ترفضهما بقوة، وتطلب فترة انتقالية ومهلة زمنية جديدة.
وعلى الرغم من أن التطورات على الأرض تشير بشكل قاطع إلى انهيار اتفاقي أستانة وسوتشي، إلا أن أنقرة تتجنب حتى اليوم الإعلان عن انهيار الاتفاقين رغم تهديداتها أكثر من مرة بأن استمرار الهجمات على إدلب يهدد بنسف الاتفاقيات القائمة والمسار السياسي.
وتستبعد مصادر تركية لجوء أنقرة لإعلان انسحابها من جانب واحد من الاتفاقيات الموقعة، أو الإعلان عن انهيارها بشكل نهائي، وذلك لاعتبارات عديدة أبرزها أن أنقرة لا تريد المبادرة إلى إعلان موت «أستانة» و«سوتشي» لأن ذلك سيعني انتهاء الاتفاق الذي نسق عملية تواجد القوات التركية في إدلب ومحيطها وأقيمت بموجبه نقاط المراقبة التركية هناك.
وتعتقد مستويات سياسية وعسكرية في أنقرة أن موسكو هي من دفعت بالنظام السوري لتعمد استهداف نقاط المراقبة التركية أكثر من مرة وذلك للضغط على تركيا لسحب قواتها من المنطقة ودفعها للإعلان عن انهيار اتفاق أستانة، وهو ما سيعني انتهاء الإطار الذي ينظم تواجد القوات التركية هناك.
وما يدعم هذه النظرية، تأكيد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الأربعاء، أن بلاده لن تنسحب من نقاط المراقبة في إدلب ومحيطها، وتحرك الجيش التركي لتعزيز قواته بتحصينات كبيرة لنقاط المراقبة والدفع بمزيد من العتاد العسكري والقوات الخاصة لمواجهة مخاطر أكبر يتوقع أن تشهدها المنطقة في ظل وصول قوات النظام لمحيط أول نقطة مراقبة تركية في ريف حماة وتصاعد التوتر العسكري مع روسيا.
ولسبب آخر، تخشى تركيا أن تستغل روسيا والنظام أي إعلان تركي بانهيار اتفاقي سوتشي وأستانة من أجل البدء بشن الهجوم الشامل على إدلب والتذرع بذلك أمام المجتمع الدولي، وبالتالي فهي ترى في استمرار الاتفاق بعض القيود التي تحكم روسيا التي لم مازالت بأشد الحاجة لتركيا من أجل تحقيق تقدم ولو بشكل وهمي في المسار السياسي عبر تشكيل لجنة إعادة صياغة الدستور وهو الاحتياج الذي ما زالت تعول عليه أنقرة في اجبار موسكو على وقف هجومها على إدلب.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية