بيروت- “القدس العربي”: لم يعد الحديث عن الخيار الثالث في مسألة الشغور الرئاسي في لبنان مجرد تكهنات أو تحليلات، إذ دعا الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان صراحة عبر وكالة “فرانس برس” لإيجاد مثل هذا الخيار لحل أزمة الرئاسة في البلاد، قائلا إنه “من المهم أن تضع الأطراف السياسية حداً للأزمة التي لا تطاق بالنسبة إلى اللبنانيين وأن تحاول إيجاد حل وسط عبر خيار ثالث”، منبهاً من “أن المؤشرات الحيوية للدولة اللبنانية تشي بأنها في دائرة الخطر الشديد”. كما أشار لودريان إلى إلى صعوبة فوز خياري سليمان فرنجية وجهاد أزعور بالقول “ليس بإمكان أي منهما الفوز، ولا يمكن لأي من الخيارين أن ينجح”.
ويأتي كلام لودريان في وقت حال رفض القوى المسيحية مبادرة الحوار التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري دون ترجمتها على أرض الواقع، علماً أن حزب الله يعتبر هذا الحوار ممراً إلزامياً لانتخاب رئيس الجمهورية. وبعدما طرحت “القدس العربي” بالأمس أسئلة حول مصير مبادرة بري، جاء الجواب من قبل رئيس المجلس نفسه الذي أعلن “أن مبادرته باتت غير موجودة”، وقال “لقد أدّيت قسطي للعُلى، وطرحت مبادرة الحوار ورفضوها، ولم يعد لدي شيء، وليتفضّل من رفضوها أن يقدموا لنا بديلاً عنها، فهل يملكونه؟!”.
ونقلت صحيفة “الجمهورية” عن بري قوله “هذه المبادرة كانت تشكل الفرصة الثمينة لتجاوز هذه الأزمة، لا بل كانت تشكل المعبر الأسهل لانتخاب رئيس للجمهورية، ومن خلالها فتحنا باب الحل الرئاسي، وحَددنا طريق الخلاص فأقفلوه. فقد كان في مقدورنا أن نجتمع، فإن توافقنا فهذا خير للبلد، وإن لم نتوافق، فلا يعني ذلك نهاية الطريق، بل في كلا الحالين ننزل إلى مجلس النواب ونَحتكم إلى صندوقة الاقتراع في جلسات انتخاب متتالية ومفتوحة حتى نتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية، وليربح من يربح، ولكن مع الأسف عارضوها ورفضوا الحوار”، معرباً عن خشيته “ممن لا يريد انتخاب رئيس للجمهورية، بل وأكثر من ذلك، لا يريد للأزمة أن تنتهي”. وعن توقعه للمرحلة المقبلة أجاب بري “المؤسف أن هناك مَن يتعمد قطع كل طرق الحل الداخلي، وإن بقينا على هذا المنوال، فلا أرى في الأفق أي انفراجات”.
ورد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على رئيس مجلس النواب، وتوجّه إليه بالقول “دولة الرئيس نبيه بري، لا لم تؤدِّ بعد قسطك للعُلى”.
وأكد في بيان الآتي: “أولاً، من الجيد يا دولة الرئيس، بعد أن لمستم ورأيتم أن كتلاً نيابيةً أساسيةً وعدة نوابٍ من المستقلين والتغييرين لم يقتنعوا بما تسمونه أنتم حوارًا ، وهو ليس بحوار طبعًا بل إمعان في مزيد من إضاعة الوقت واستمرار الشغور الرئاسي، أن تعدلوا عن المبادرة التي كنتم قد أطلقتموها.
ثانيًا، إن مَن يتعمد قطع الحلول الداخليّة هو مَن عطّل جلسات الانتخاب التي دعوت إليها بدءًا بالجلسة الأولى، وصولاً إلى الجلسة الثانية عشرة، فكان يسارع إلى الانسحاب من مجلس النواب، وأمام وسائل الإعلام كلها، حتى قبل انتهاء الدورة الأولى؛ فيما مَن شارك في الجلسات، ورفض الانسحاب منها، ودعا إلى دورات متتالية، حتى انتخاب الرئيس كان يعمل وما زال، للبننة الاستحقاق الرئاسي وتزكية الحلول الداخلية.
ثالثًا، عن أي حوار تتحدث يا دولة الرئيس وأحد أركان الممانعة قال بصريح العبارة: “نريد حوارًا لإقناعهم بمرشّحنا”، فيما الحوار يكون نتيجة استعصاء وقناعة بضرورة الذهاب إلى مساحة مشتركة، وليس بتبني وجهة نظر على حساب أخرى، وليس بالتمسك بمرشح نال بحده الأقصى 51 صوتًا، وهو مرفوض من شرائح لبنانية ونيابية واسعة، كما ليس بتعطيل الدستور والإصرار على مرشح يفتقد إلى مقومات انتخابه. هذا، فضلاً عن أن الدستور واضح فهو ينص على أن الانتخابات الرئاسية تحصل من خلال دورات متتالية، وأن تحويل الحوار إلى ممرّ إلزامي للانتخاب يشكل انقلابًا على الدستور.
رابعًا، قلتم يا دولة الرئيس “فليتفضل مَن رفض الحوار أن يقدّم لنا بديلاً، وأنا اقدم لكم البديل من صلب موقفكم بالذات، حيث جاء على لسانكم حرفيًّا “كان في مقدورنا أن نجتمع، فإن توافقنا فهذا خير للبلد، وإن لم نتوافق، فلا يعني ذلك نهاية الطريق، بل في كلا الحالتين ننزل إلى مجلس النواب ونَحتكم إلى صندوقة الاقتراع في جلسات انتخاب متتالية ومفتوحة حتى نتمكن من انتخاب رئيس للجمهوريّة، وليربح مَن يربح”، وبالتالي لماذا لا تعتبر بكل بساطة، يا دولة الرئيس، أننا لم نتوافق فيصار بعدها الانتقال مباشرة إلى الشق الثاني من مبادرتكم عبر الدعوة إلى جلسة بدورات متتالية، حتى الوصول إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد؟.
خامسًا، قولكم إن هناك مَن يتعمد قطع الطريق على أي حل غير صحيح إطلاقًا، وها أنا أقدم لكم الحل الذي كان من المفترض أن تعتمدوه منذ بدء المهلة الدستورية وليس الآن، أي الدعوة إلى جلسة بدورات متتالية حتى انتخاب الرئيس، ولكن “أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبداً”، وبالتالي نشد على يدكم بالدعوة إلى جلسة مفتوحة اليوم قبل الغد”.
وختم جعجع “الحل، يا دولة الرئيس، موجود وهو بيدكم، وجل ما هو مطلوب منكم الدعوة إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية، وأغلب الظن أنه سيكون لنا رئيس للجمهورية في الدورة الثانية”.
دولة الرئيس نبيه بري، لا لم تؤدِّ بعد قسطك للعُلى.
أولاً، من الجيّد يا دولة الرئيس، بعد أن لمستم ورأيتم أنّ كتلاً نيابيّةً أساسيّةً وعدّة نوابٍ من المستقلين والتغييرين لم يقتنعوا بما تسمونه أنتم حوارًا ، وهو ليس بحوار طبعًا بل إمعانًا في مزيد من إضاعة الوقت واستمرار الشغور…— Samir Geagea (@DrSamirGeagea) September 26, 2023
ويأتي هذا الاشتباك بين بري وجعجع تزامناً مع جولة الموفد القطري أبو فهد بن جاسم آل ثاني البعيدة عن الإعلام حيث يستمزج آراء القوى السياسية من أسماء مرشحة إلى الرئاسة قبل مجيء الموفد القطري الرسمي محمد عبد العزيز الخليفي.
تزامناً، برزت زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إلى دار الفتوى حيث التقى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان وأكد بعد اللقاء “أن هذا البلد هو بلد شراكة”، وقال “نحن الآن في مرحلة استحقاق لرئاسة الجمهورية، وهناك استحقاقات ثانية، وكل محاولة لتغييب أحد الأطراف اللبنانية فيها ضرب للدستور وللميثاق ولروحية العيش معاً. وإن موضوع رئاسة الجمهورية ليس له حل إلا بالتفاهم والشراكة “المتوازنة”، والتفاهم بطبيعة الحال يتطلب حواراً، ونحن لم نكن يوماً إلا مع الحوار، لكن الحوار حتى يكون مجدياً ويوصل إلى نتيجة، أكدنا لسماحته أن الحوار له ظروفه كي لا نقول شروطه، حتى نحقق نجاحه، منها أن يعقد حول طاولة مستديرة، وأن يسمح بالتشاور الثنائي والثلاثي. وما يؤدي إلى انتخاب رئيس وفق خطوط عريضة، متفق عليها اللبنانيون، إن من حيث الشخصية أو المواصفات والبرنامج الذي يتعهد بتنفيذه”.
ورداً على سؤال عن رأيه بالتحرك القطري وإذا كانت المبادرة الفرنسية انتهت، أجاب باسيل “لا أقول انتهت ولا بدأت بل هناك دائماً اهتمام من هاتين الدولتين بموضوع لبنان والإصلاحات”.
وعن هجومه على قائد الجيش في موضوع النازحين السوريين قال “نحن موقفنا لا يتعلق بالأشخاص، وحرام بعد 12 سنة من وجع النزوح الذي أصاب كل اللبنانيين أن يقال عنا إننا عنصريون. لقد كنا أول من تكلم عام 2011 عن النزوح، وها نحن وصلنا إلى ما حذرنا منه. لا يجوز أن نرتكب اليوم الخطأ نفسه، ولا حجة أمنية أو سياسية لمجيء السوريين إلى لبنان. لا خلفية لكل ذلك إلا الوضع الاقتصادي الذي تعرفونه”.
وسئل هل مازال هناك حظوظ للوزيرين أزعور وفرنجية في الرئاسة؟ قال “إما يكون تفاهم بالإجماع، أو بموافقة الأكثرية، لأن الرئيس من دون دعم حقيقي لن ينجح، ووضعنا لا يسمح أن يأتي رئيس مرفوض من قوى أساسية في البلد، لكن هذا أفضل من الفراغ، فإذا لم نستطع التفاهم، فلنذهب للانتخاب في مجلس النواب وليربح من يربح”.
من جهته، لفت المفتي دريان في رسالته في ذكرى المولد النبوي الشريف إلى “أن المبادرات الخارجية من الدول الشقيقة والصديقة لحل الأزمة اللبنانية هي عامل خير وحلحلة للعقد والعقبات. والإصرار والعزيمة لإنجاح أي مبادرة هو هدف أصحاب المبادرات بمساعيهم الطيبة، لن تذهب هدراً بإذن الله ، مهما واجهتهم عراقيل بعض السياسيين الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب شخصية على حساب الشعب والوطن”. واعتبر “أن الحراك الداخلي هو الأساس في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، والحراك الخارجي هو عامل مساعد وداعم، وهذا يعني أن على القوى السياسية والكتل النيابية أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية أمام الله والوطن والناس، وينبغي على اللبنانيين التقاط الفرص التي تقدم لهم، فالفرصة لا تعوّض إذا لم نحسن التعامل معها على أساس مصلحة الوطن الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة، والاستحقاق الرئاسي سيحصل مهما اشتدت العواصف كي نضع حداً لآلام اللبنانيين، وكي يعود الدور الفاعل إلى الدولة ومؤسساتها، فإنه لا تغيير في النظام اللبناني، وسيبقى اتفاق الطائف الضامن للشراكة الإسلامية المسيحية والعيش المشترك، ولا مكان للطروحات التي تمزّق الوطن وتفرّق اللبنانيين في وطنهم لبنان، بلد الوحدة والتنوع”.