لندن – “القدس العربي”:
في تقرير أعده نبيه بولص وديفيد كلاود في صحيفة “لوس أنجليس تايمز” عن الأحداث الأخيرة في مدينة عدن، تحت عنوان “في وقت يقلل فيه حليفها حضوره في اليمن، تواجه السعودية منظور حرب لا انتصار فيها“، جاء أنه بعد أربعة أعوام من محاولة السعودية ودول أخرى إعادة الحكومة إلى العاصمة صنعاء وهزيمة الحوثيين، خلفت الحرب وراءها 100000 قتيل من المدنيين، وأدت إلى مجاعة أصابت الملايين، وجعلت البلاد صنوا للبؤس.
ويستخدم عمال الإغاثة أوصافا مثل “توراتية” و”مجاعة” لوصف الوضع في البلاد. ويبدو البلد بالنسبة للكثير من الأمم لا أمل فيه لدرجة أن أقرب حليف للسعودية، الإمارات العربية المتحدة، قرر سحب قواته على أمل تقوية مبادرة السلام. إلا أن طرفا في التحالف قام السبت بالسيطرة على مدينة عدن في الجنوب، وهو الميناء الذي كان مركزا مؤقتا للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، التي تعد مركزا للتأثير الإماراتي.
وكانت عملية استمرت يوما كاملا تمت فيها السيطرة على كل القواعد التابعة للحكومة والقصر الرئاسي، مما أدى بالسعودية للقيام بعمل عسكري كطريقة من طرق العقاب لوقف تقدم القوات هذه.
ومع انقسام التحالف، تبدو السعودية وحيدة وتطلب دعما عسكريا أكبر من الولايات المتحدة، في محاولة منها لمواصلة حرب غير شعبية يبدو فيها النصر حلما بعيد المنال. ويقول فارع المسلمي، مدير مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية: “هذه الحرب لم يكن النصر فيها ممكنا في المقام الأول”، مضيفا: “مع ذهاب أهم حليف فهذا الوهم لم يعد قائما”. وفي الوقت نفسه، لا يوجد ما يشير إلى أن السعودية والحوثيين مستعدان للتفاوض ووقف القتال.
وقال عبد الله المعلمي، السفير السعودي في الأمم المتحدة: “هذا وقت امتحان للحوثيين، وعليهم وضع حد لاحتلالهم غير القانوني لمركز السلطة في اليمن”.
ويرى بيتر سالزبري، الخبير في شؤون اليمن بمجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، أن السعودية لن توافق على تغيير في الوضع إلا في وضع انتصار، و”المشكلة الآن من منظور الحرب هي أن السعودية وإدارة ترامب غير مستعدتين لعمل هذا دون أن يكون هناك “نصر ملموس” للرياض”.
ويشير الكاتبان إلى أن الربيع العربي عام 2011 كان من المفترض أن يقود إلى مرحلة جديدة بعد التخلص من الديكتاتورية وبناء توافق في الحكم. إلا أن الحوثيين المرتبطين بإيران سئموا من الانتظار وقاموا في عام 2014 بالسيطرة على العاصمة صنعاء. وردت السعودية عام 2015 بحملة عسكرية تظهر من خلالها حزمها وتستعرض عضلاتها ضد منافستها إيران.
وفي ظل قيادة محمد بن سلمان، وزير الدفاع الجديد، ولي العهد لاحقا، جمعت السعودية تحالفا من 9 دول في المنطقة وإفريقيا بهدف الإطاحة بالحوثيين وإعادة الحكومة التي يقودها عبد ربه منصور هادي. وأطلقت الرياض العنان لحملة جوية، وفرضت حصاراً جوياً وبحرياً وبرياً على البلد الفقير بشكل وضعه على حافة المجاعة.
وقادت الإمارات القوات البرية إلى جانب مقاتلين من الجنجويد السودانيين والفصائل اليمنية في الجنوب. وفي الوقت نفسه، قدمت الولايات المتحدة المعلومات الأمنية والدعم اللوجيستي، بما في ذلك تقديم الوقود للطائرات السعودية في الجو، كما سرعت من صفقات السلاح لكل من السعودية والإمارات.
وكان من المفترض أن ينتهي التدخل العسكري بعد أشهر، إلا أن المحللين باتوا يرون أنه أصبح مستنقعا يذكر بفيتنام مع الأمريكيين. ولا يزال الحوثيون يسيطرون على كل مناطق الغرب، بما فيها صنعاء والمناطق الشمالية قرب الحدود مع السعودية وأجزاء من المناطق على البحر الأحمر.
وتشير الصحيفة إلى أن آثار الحرب على المدنيين كانت مدمرة. وتقول منظمات الإغاثة الدولية إن 24.1 مليون من 28 مليون نسمة بحاجة لدعم، فيما يحتاج 10 ملايين نسمة إلى مساعدة عاجلة. وهناك 18 مليون نسمة بحاجة للمياه الصحية، و19 مليون نسمة لا تتوفر لديهم العناية الصحية.
وفي تقرير للأمم المتحدة نشر في شباط/فبراير، جاء أن الكثير من اليمنيين أصبحوا أكثر مرضا وجوعا وعرضة للخطر من العام الماضي. وعانى السكان في عام 2017 أسوأ وباء للكوليرا، حيث تم الحديث عن إصابة مليون شخص حسب منظمة الصحة العالمية. وأدى تدهور الوضع الإنساني إلى تحرك المنظمات الدولية، وحتى المشرعين في الكونغرس، خصوصا بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي العام الماضي.
وقال سناتور ديمقراطي عن نيوجرسي: “أعتقد أن كل زملائي يتفقون على أن الولايات المتحدة والسعودية بحاجة لتصحيح المسار”. وأضاف العضو الديمقراطي الأبرز في لجنة الشؤون الخارجية أن “عملية القتل الوحشي لجمال خاشقجي، الصحافي المقيم في الولايات المتحدة، في قنصلية السعودية في إسطنبول، ربما كانت القشة الأخيرة الوحشية التي قصمت ظهر البعير، وعلينا أن نعيد النظر في علاقاتنا”.
وترى الصحيفة أن ما أطلقت عليه الإمارات انتشارا إستراتيجيا هو اعتراف بالأفق المسدود للحرب. وخرج أكثر من 5000 جندي إماراتي، مع أن البعض يرى أن عددهم 10000، من اليمن مع أسلحتهم الثقيلة. وهذا الأمر واضح في المناطق المحيطة بميناء الحديدة.
ويؤكد الإماراتيون أن انسحابهم هو امتداد لعملية ستوكهولم التي بدأت بعد وقف الهجوم على ميناء الحديدة، التي تتهم الإمارات والسعودية الحوثيين باستخدامه من أجل نقل السلاح. ونقل عن مسؤول إماراتي قوله: “نحن محبطون من ستوكولهم، ولكنه هو الحل الموجود ونريد تقويته”.
وخفت كثافة الغارات السعودية من 19 يوميا عام 2015 إلى 9 غارات في اليوم عام 2018. وقال المسؤول إن التعاون الأمريكي – الإماراتي في مكافحة الإرهاب لم يتأثر. ونشر البلدان قوات خاصة في اليمن ضد تنظيم القاعدة الذي تعتبره واشنطن أخطر فرع للقاعدة. ويقول عبد الخالق عبد الله إن الإمارات دربت آلافا من المقاتلين المحليين وسلمتهم المهام. وقال المحلل الإماراتي: “لا أعتقد أننا سنواجه قتالا كبيرا يحتاج لتدخل سعودي وإماراتي”.
وفي الوقت الذي ستواصل فيه الإمارات مساعدتها لليمن، سيترك غيابها أثره، إذ قامت بهندسة ترتيبات بين قوات التحالف، كما يقول مايكل نايتس، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى. وقال: “علينا توقع تنافس مسلح وأزمات محلية ووساطة أقل من الإمارات”.
وتشير الصحيفة إلى ما قام به المجلس الجنوبي الانتقالي في عدن، الذي سيطر عليها مستخدما 400 عربة عسكرية قدمتها الإمارات له، في الوقت الذي دعا فيه الأمير خالد بن سلمان، نائب وزير الدفاع السعودي، إلى الهدوء. ولا يوجد ما يشير إلى استمرار الدعم للحرب السعودية، التي قتل فيها 3000 جندي سعودي وجرح 20000 جندي حسب تقديرات. ولكن الحكومة مصممة على القتال، خصوصا بعد زيادة عدد الصواريخ التي يطلقها الحوثيون على المدن السعودية.
يبدو أن صحيفة تايمز ثملة بأموال محور الشر وتستغبي العالم.