لندن- “القدس العربي”: تحت عنوان “ما تعلمته عن تنظيم الدولة ينطبق على كيوأنون” قال برينت جيانوتا، الكاتب المقيم بلوس أنجليس والمحلل في وكالة الإستخبارات الأمريكية (سي آي إيه) ما بين 2010 – 2015 بمقال نشرته صحيفة “لوس أنجليس تايمز” إن الوجه العام للعصيان في 6 كانون الثاني/ يناير على الكابيتول هيل كان رجلا يرتدي جلد جيوان طلى وجهه بالدهان وعلى رأسه قرنين يتحرك مثل إله وثني.
وكان هو جاكوب تشانسلي الذي يقدم نفسه على أنه “شامان كيو انون” والذي أدخل إلى نشرات الاخبار الرئيسية أقوى نظرية مؤامرة لم تر البلاد مثلها والتي تقول إن النخبة الليبرالية الأمريكية هي مجموعة شيطانية تتأجر بالأطفال للجنس وتأكل لحومهم. وبسفراء مثل تشانسلي فمن السهل تجاهل أتباع نظرية كيو أنون بأنهم مجموعة من المختلين عقليا الذين لا علاقة لهم ببقية المجتمع. ولكن ليس هذا هو الحال، فأتباع نظرية المؤامرة هذه هم من الناس العاديين. ووضع خطوط واضحة بينهم وبقية المجتمع يعني تعقيد مهمة فهم هذه الظاهرة وبالتالي الفشل في العثور على طريقة فعالة لمعالجتها.
ويشير هنا إلى عمله في “سي آي إيه” مدة خمسة اعوام وركز فيها على تحليل سيكولوجية الجهاديين الأجانب الذي تركوا الغرب وانضموا إلى تنظيم الدولة في العراق وسوريا. ومع أن أيديولوجية تنظيم الدولة لا تقوم بالضرورة على نظرية مؤامرة، ولكن هدف المجموعة هو تدمير الغرب عسكريا، ومن غير المحتمل أن تتخفى بزي هيلاري كلينتون آكلة الأطفال، كما يزعم أتباع كيو أنون. ويعلق أن ابحاثه في مجال مكافحة الإرهاب علمته أن المعتقدات هي أشياء اسفنجية، وأقل ارتباطا بالحقيقة مما يريد الناس الاعتراف.
ومعظم الأشخاص الذين يقعون في نظريات المؤامرة هم أشخاص بسمات عادية تجعلهم في ظروف معينة ينجذبون إلى الأفكار المتطرفة. وتم التلاعب بهذه الظروف بطريقة عنيفة وتشجيع من الرئيس دونالد ترامب الذي غذى الكذبة الكبرى عن سرقة الانتخابات.
وكما نتعلم عن الرعاع الذين زعم مشاركتهم في الهجوم على الكونغرس فهناك صاحب شركة عقارات في تكساس ومحام من جورجيا وصاحب شركة خدمات حمامات السباحة في سان دييغو، ونجد أنهم جميعا كشفوا عن شخصيات مرتبطة ومن وقت طويل بالوقوع في أسر نظريات المؤامرة وهي: شخصية تحمل مظلومية وميل للغضب والمعتقدات الغيبية. ويرى أن الانفتاح على القوى الغيبية التي ترى أن العالم يقوم على معركة بين الخير والشر ويعتقدون أن القوة العليا لديها خطة، عادة ما يجعل الأفراد المتدينين سريعي التأثر.
وفي دراسة أجراها معهد أمريكان انتربرايز وجدت نسبة 27% من الإنجيليين البيض في أمريكا يؤمنون بنظريات كيو أنون.
وكتب على الرايات في الهجوم على الكونغرس “المسيح مخلصي، وترامب رئيسي” وسمع شامان المجموعة عندما دخل قاعة الكونغرس وهو يقرأ صلاة المجموعة.
والتحول من الالتزام الديني إلى نظريات المؤامرة يحتاج إلى عاطفية شديدة وهي الغضب. ومن يردون على أحداث تثير الاضطراب بالغضب لا بالخوف عادة ما يشعرون بتدفق القوة والسيطرة. وأهم من هذا فمنظرو المؤامرة عادة ما يتم جذبهم من خلال الحصول على منافع نفسية من معتقداتهم.
التحول من الالتزام الديني إلى نظريات المؤامرة يحتاج إلى عاطفية شديدة وهي الغضب
ومع أن عددا كبيرا من الذين اعتقلوا في الكابيتال هيل كانوا يعانون من مشاكل مالية، كما كشفت “واشنطن بوست” إلا أن العوز لم يكن مشكلتهم. فالفقر المدقع لم يكن أبدا دافعا نحو الأيديولوجية المتطرفة. وعادة ما يكون لدى الجماعات المتطرفة ودعاة نظريات المؤامرة أشخاصا حرفيين. وهذا يعني أن المعتقدات المتطرفة لا تتحرك عبر الحاجة الشديد بقدرة ما تدفعها التوقعات التي لم تتحقق والمظالم.
وفي عمله في سي آي إيه وجد أن جنود تنظيم الدولة كانوا مسلمين في العشرينات من عمرهم. وكان أباءهم من المهاجرين إلى أوروبا وحسنوا من وضع عائلاتهم بدرجة مدهشة. وحصل أبناؤهم على شهادات جامعية في التكنولوجيا ولكنهم وجدوا صعوبة في الحصول على وظيفة وأصدقاء جيدين أو طريقا للنضج. فالأحلام التي لم تتحقق وساعات طويلة في الليل على الإنترنت جعلتهم عرضة لدعاية تنظيم الدولة.
وتم تجنيد المقاتلين الأجانب من خلال أصدقاء مضوا في طريق التشدد وعبر مجندين في سوريا اتصلوا بهم عبر الإنترنت أو من خلال أشرطة الفيديو. وشددت هذه الأشرطة التي أنتجها تنظيم الدولة على فكرة الاستبعاد والمظلومية والتهديد الثقافي ضد المسلمين وفرصة عسكرية تفتح باب المجد. وعادة ما التقى من يرغبون بالانضمام مع جماعات نقاش عبر الإنترنت قدمت لهم النصح والإرشادات حول كيفية السفر إلى سوريا والانضمام إلى تنظيم الدولة.
وفي حالة كيو أنون الأمريكية، فالتوزع السكاني مختلف، ومعظم أنصارها هم من البيض، أبناء الطبقة المتوسطة. ولدى الكثيرين منهم وظائف مستقرة وأعمال. ومثل تنظيم الدولة، فأيديولوجية “كيو أنون” تنتشر عبر المحتوى الرقمي الذي يركز على المظلومية والظلم من الاشرار الظالمين. ويدخل المؤمنون بـ”كيو أنون” إلى جحر الأرنب ويجدون عالما من الأنصار الذين يرتبطون بهم ويحصلون على التشجيع منهم حتى الهجوم على الكابيتول، والذي بقيت فيها الحركة المدعومة بنظرية المؤامرة.
وعلى خلاف الجماعات الإرهابية الأخرى فأنصار “كيوأنون” لا جيش لهم ينضمون إليه أو برنامج خارج الإنترنت، فوجودهم مقتصر على الإنترنت فقط. ومن التسامح الكبير وصف أنصار كيو أنون بأنهم ضحايا ولكن عائلاتهم وصفت أقاربهم بأنهم “ناس جيدون” و “أعضاء خارجون” عن المجتمع. ووصفوا كيفية تحولهم نحو التشدد من خلال الإدمان على ألعاب الكمبيوتر ومشاهد يوتيوب.
وكان عام 2020 هو العام الذي انتشرت فيه نظريات المؤامرة، فقد حجز الوباء الناس في بيوتهم وعزلهم عن الاتصال بالمجتمع باستثناء الإنترنت ورئيس يصرخ بالأكاذيب. ورد بعضهم على صراخه.
ويختم الكاتب بأن تنظيم الدولة انتهى بحملة عسكرية وفقدان قدراته الإعلامية التي حدت من قدراته لجذب المجندين. ويمكن الحد من انتشار “كيو انون” وقدرتها على التحريض على العنف عبر منع أعضائها من منصات التواصل الاجتماعي والضغط من قوات حفظ النظام.